تشاك هيغل: زيارة أوباما للسعودية «ضرورية».. وتقوية العلاقات «أمر أساسي» لمستقبل الشرق الأوسط

وزير الدفاع الأميركي السابق أكد في حوار مع «الشرق الأوسط» أن الحرب في سوريا تقترب من لحظة التسوية.. واستمرارها ليس في مصلحة أحد

تشاك هيغل
تشاك هيغل
TT

تشاك هيغل: زيارة أوباما للسعودية «ضرورية».. وتقوية العلاقات «أمر أساسي» لمستقبل الشرق الأوسط

تشاك هيغل
تشاك هيغل

في حديثه إلى «الشرق الأوسط» اتسمت أجوبته بالجرأة الشديدة والصراحة المتقدة، منطلقًا من أسباب واقعية. عمق معرفته واهتمامه بمنطقة الشرق الأوسط منذ كان عضوًا في مجلس الشيوخ، مما سمح له بأن يتحدث من موقع المسؤول العارف.
وزير الدفاع الأميركي السابق تشاك هيغل، غادر منصبه في فبراير (شباط) العام الماضي، لكن بسبب آرائه وتحليلاته ومتابعاته وبعد نظره يبقى «العنوان» الذي يقصده الكثيرون لمعرفة ما يدور، أو ما يجب أن يحصل.
من متطوع في حرب فيتنام إلى قائد لفرقة مشاة فيها، بدأت خبرته العسكرية الواسعة. يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية أمر أساسي جدًا لمستقبل الشرق الأوسط.. فالتكامل بين مؤسساتنا أمر حاسم للدفاع عن المنطقة وأمنها».
وأكد هيغل أن نوري المالكي رئيس وزراء العراق السابق فشل في توحيد العراق، وبالتالي فإن فشل سياساته كان من أحد أسباب بروز «داعش». وقال إن الولايات المتحدة ارتكبت خطأ كبيرًا بغزو واحتلال العراق، وإن قصف ليبيا كان خطأ.
وردًا على التدخلات الإيرانية، قال هيغل إن الولايات المتحدة لن تخرج من الشرق الأوسط، مبرزًا في أجوبته أن السعودية «شريكنا الكبير في المنطقة وأن لدى دولة الإمارات العربية المتحدة مؤسسات عسكرية قادرة، وأن قواعدنا البحرية والجوية في البحرين وقطر مهمة جدًا لنا ولشركائنا في الخليج».
ألمح هيغل إلى الاقتراب من لحظة التسوية في سوريا، ونبه على عدم وضع إزاحة الرئيس بشار الأسد كأساس للمفاوضات، إذ «يمكننا التوصل إلى تسوية تجرده من دوره»، فهو لا يرى له مستقبلاً في سوريا.
* هل ستحافظ الولايات المتحدة على علاقات وثيقة مع المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي في العشر سنوات المقبلة؟
- نعم وبكل تأكيد، فالمصالح المشتركة بين الطرفين واضحة، وهي ستستمر في تقريب العلاقات أكثر، وسوف تلتقي مصالحنا، ونحن نحاول إيجاد أجوبة للمشكلات الأكبر والتحديات والأخطار. ليس فقط في الشرق الأوسط إنما أيضًا تبعات مشكلات الشرق الأوسط كما نرى اليوم في أوروبا من تدفق اللاجئين من سوريا والعراق واليمن ودول أخرى.
من المؤكد أن العلاقات بين السعودية وأميركا ودول مجلس التعاون الخليجي منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية زادت رسوخًا، وسوف تستمر بقوة. ومثل كل التحالفات والشراكات فهذا لا يعني أنه لن تكون هناك خلافات أو تحديات، فهيمنة المصلحة الكامنة في التحالف الأميركي–الخليجي ستكون أكثر أهمية من أي خلاف.
* العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي ولي العهد وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، كما قال لوكالة «بلومبرغ» يريدان علاقة استراتيجية مع الولايات المتحدة، ويبدو وكأنك تتفق معهما على ذلك، لكن هل ترى تعميقًا للعلاقات الأميركية–السعودية على الجبهتين الاقتصادية والعسكرية؟
- نعم، لأن السعودية هي دولة رئيسة في المنطقة، وهي زعيمة في دول مجلس التعاون الخليجي، لذلك يجب أن تكون جزءًا في العلاقات الاستراتيجية الجديدة، وفي تقويتها وتعميقها ليس فقط مع الولايات المتحدة، بل مع كل دول الشرق الأوسط. لكن تقوية العلاقات الاستراتيجية أكثر بين الولايات المتحدة والسعودية أمر أساسي جدًا لمستقبل الشرق الأوسط. هذا لن يكون على حساب العلاقات مع الدول الأخرى، فإيران تبقى دولة مهمة، وتركيا، ومصر ودول مجلس التعاون الخليجي، لكن السعودية هي مركزية بالنسبة إلى مستقبل الشرق الأوسط والعلاقة مع الولايات المتحدة.
* كيف تقيّم التعاون السعودي–الأميركي في مكافحة الإرهاب؟
- إننا نتعلم من بعضنا بعضا، ونتقرب أكثر ومستمرون في تفعيل علاقاتنا، في دمج استخباراتنا والشؤون العسكرية ومصالحنا الدبلوماسية والاقتصادية. كل دولة لها سيادتها وكل دولة تتجاوب مع مصالحها الخاصة، لا خطأ في ذلك. بكل تأكيد هكذا تفعل الولايات المتحدة وكذلك السعودية، لكن هذا لا يحصل من دون شراكة تدفع إلى تحالف المصالح مع دول أخرى. وهكذا مع استمرار تطور العلاقات الاستراتيجية العميقة بين الولايات المتحدة والسعودية، فهذا يعني المزيد من التكامل بين مؤسساتنا المهمة التي هي حاسمة ليس فقط بالنسبة للحكم في دولنا، بل أيضًا للدفاع والأمن. الاستخبارات جزء أساسي من هذا كله. وأيضًا هناك تفهم بعضنا بعضا، وأعتقد أن الناحية الدبلوماسية لا تأخذ حقها. هناك قانون للشؤون العسكرية، لكن الحالات العسكرية لن تحل المشكلات التي هي عميقة وشائكة في الشرق الأوسط والتي تأتي من مخزون كبير من المشكلات. لذلك العلاقة يجب أن تكون أعمق من الشراكة والصداقة العسكرية.
* هل يمكننا وضع «داعش» في خانة الخيارات العسكرية؟ وكيف يمكن هزيمة «داعش»؟
- يمكن إلحاق الهزيمة بـ«داعش» عبر الوسائل التي تحدثنا عنها عبر قوة التحالفات. إذا استمرت دول الشرق الأوسط ودول الغرب والعالم في اتحادنا ضد هذه الراديكالية، واستعملنا مصادرنا ودمجنا أكثر مؤسساتنا عبر تبادل المعلومات الأمنية وجمعها، وعبر قوتنا الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية، عندها سنهزم «داعش». إنما يجب أن ندرك أن هذه ليست فقط مشكلة عسكرية بل أعمق من ذلك. هناك كثير من الآيديولوجيا في هذه المسألة. علينا أن نسأل كيف أصبح «داعش» قوة؟ من أين له ذلك؟ كيف بدأ؟ هناك أجوبة عدة عن ذلك. يمكن أن نعود في التاريخ إلى الوراء حيث صراع القبائل والأعراق والأديان الذي هو جزء من الشرق الأوسط لقرون، تخلله استعمار أوروبي، واقتصاد غير متطور. هناك عوامل عدة أنتجت «داعش»، ثم التكنولوجيا ساعدت «داعش» أكثر. فالتكنولوجيا أعطت قوة للناس والآيديولوجيا، وكما أن التكنولوجيا أعطت سلطة لأمور جيدة كي تحدث في حياة الناس والدول والاقتصاد كذلك أعطت قوة للراديكاليين والذين يمزقون الدول والثقافات.
الخطورة في الأمر الآن، أن هناك خطرًا حقيقيًا يواجهه العالم. براعة تنظيم داعش في استعمال وسائل الاتصال الاجتماعي، واستغلاله للواهمين، والغاضبين في كل العالم، إضافة إلى القدرات التي يتمتع بها «داعش» تجعل الوضع خطيرًا. لذلك فإن العمليات العسكرية هي جزء من الحل، فنحن نقوم بغارات مشتركة ضد «داعش» في عدة دول، لكن الأمر أعمق من ذلك.
* هل تعتقد بأن سياسة نوري المالكي في العراق لعبت دورًا في بروز «داعش»؟
- للأسف، فشل رئيس الوزراء المالكي في توحيد العراق، حيث نص الدستور العراقي على المشاركة في السلطة من قبل السنّة، والشيعة والأكراد. أعتقد بأن مالكي لم يسمح بهذا، بل سمح باستمرار الصراع في شمال العراق مع الأكراد، وفي الغرب مع السنّة، وفي مناطق الشيعة. وهذا أدى إلى غضب كبير وخيبات، وبدل أن يعمل على توحيد العراق، فإن سياساته قسمت العراق أكثر. نعم، أعتقد أن الكثير مما حدث في العراق سبب في بروز «داعش».
عندما ننظر أعمق إلى البراعة في التكتيك الاستراتيجي العسكري لـ«داعش»، نرى أنه يأتي من الضباط البعثيين السابقين الذين طردوا من العراق عندما غزت الولايات المتحدة العراق. ذلك كان خطأ ارتكبته الولايات المتحدة. غزو واحتلال العراق. هذا أيضًا كان عاملاً في نوعية الشرق الأوسط الذي نراه الآن. كذلك كان قصف ليبيا خطأ. أعتقد أن أمورًا كثيرة أدت إلى بروز «داعش».
* هذا يعني أنك توافق الرئيس باراك أوباما ندمه على الخطأ ما بعد قصف ليبيا؟
- نعم. أنا لم أكن وزيرًا للدفاع في ذاك الوقت. ولو كنت وزيرًا للدفاع لاتخذت الموقف نفسه الذي اتخذه الوزير روبرت غيتس، الذي كان معارضًا للتدخل. وأعتقد أن ذلك أيضًا كان خطأ أساسيًا أنتج ليبيا لا يمكن حكمها. إنها خارج نطاق السيطرة، تمامًا كما اليمن خارج نطاق السيطرة وأغلب سوريا خارج نطاق السيطرة وجزء كبير من العراق خارج نطاق السيطرة، والأوضاع تزداد سوءًا في لبنان. إن الشرق الأوسط الآن هو أقل استقرارًا وأخطر أكثر من أي وقت منذ الحرب العالمية الثانية. ومحاولة إعادة الاستقرار للشرق الأوسط لن تكون مهمة سهلة. وعندما أقول إعادة الاستقرار أعني وقف القتل بقدر ما نستطيع عبر مختلف حالات وقف إطلاق النار التي تقوم بتطبيقها الآن الأمم المتحدة في سوريا واليمن. وعندها فقط، عندما يسود نوع من الاستقرار يمكن لكل القوى في الشرق الأوسط، ليس الولايات المتحدة وليس روسيا، نحن نستطيع أن نساعد، بل على القوى في الشرق الأوسط أن تقرر أي نوع من الشرق الأوسط تريد، وعندها فقط يمكن لهذه القوى أن تبدأ بحل بعض الخلافات لتنطلق منها. مجددًا، أظن أنه بسبب كثير من الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبت في أوقات مختلفة، كلها أدت إلى بروز «داعش».
* كيف سيكون رد الفعل الأميركي لاستمرار التدخل الإيراني في اليمن، وسوريا، والعراق ولبنان عبر حزب الله؟
- حسنًا، لا تزال إيران أهم دولة راعية للإرهاب في العالم. وهي موجودة في الدول التي ذكرتها وكلنا، أعني الولايات المتحدة والسعودية ودول المنطقة نتعامل مع هذا، وأفضل طريقة تكون عبر عمليات وآلية إيجاد قواسم مشتركة مع الإيرانيين بحيث نجلبهم إلى التحالف مع مصالح السعودية وتركيا ومصر وأميركا والغرب. إن كان ذلك عبر اتفاق نووي أو ما شابه من أجل بدء عملية مع الإيرانيين لنفهم من خلالها ما هي مصالحهم. ولا أعتقد بأن من مصلحة إيرانية الاستمرار في رعاية الإرهاب والصراعات في الدول الأخرى. هذا لن يكون سهلاً.
أظن أن هناك قوتين مختلفتين على الساحة الإيرانية اليوم. وأعتقد بأن فريق روحاني–ظريف قائم، وأعرف الكثير من القادة الإيرانيين مذ كنت في مجلس الشيوخ، حيث كنت أزور الأمم المتحدة وأتناول الغذاء مع السفير الإيراني إلى الأمم المتحدة محمد جواد ظريف. أعتقد بأن هناك قوى في إيران نريد مساعدتها وتقويتها، بالطبع هناك قوى الظلام التابعة للمرشد الأعلى مثل الحرس الثوري الراغبين في أخذ إيران نحو اتجاه مختلف. الوضع معقد إنما يجب أن نكون أذكياء ونجد طرقًا للعمل مع الإيرانيين كلما توفرت الفرصة، ويجب أن نكون واضحين بأننا لن نقبل تصرفاتهم. من هنا فإن الوجود العسكري الأميركي القوي في الشرق الأوسط يجب أن يستمر في قواعدنا في الخليج، وهذا من أحد الأسباب التي دفعتني في مايو (أيار) 2014 لعقد أول لقاء لوزير الدفاع الأميركي مع وزراء دفاع دول مجلس التعاون الخليجي، وكان ذلك للبدء في جمع قدراتنا الدفاعية معًا للمصلحة المشتركة. يجب ألا نفترق هنا ونتمزق بما يريد البعض في إيران فعله، ويحاولون فعله بفصل دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة عن السعودية أو دول أخرى. لذلك يجب أن تبقى شراكتنا قوية في مواجهة ما تقوم به إيران في بعض هذه الدول.
* هل دول الخليج هم شركاؤكم العسكريون الأكثر قدرة، وهل هذه الدول قوية بما يكفي لتكمل وجودكم العسكري القوي في المنطقة؟
- أظن، وبشكل عام أن القوة العسكرية لشركائنا دول مجلس التعاون الخليجي في تحسن ملحوظ وتزداد قوة وتقدمًا، وهذا يعتمد على كل دولة منفردة. من الواضح أن السعودية هي الشريك الكبير، إنها دولة كبيرة. دولة الإمارات العربية المتحدة لديها مؤسسات عسكرية قادرة جدًا، وكل من هذه الدول تزداد قوة، من هنا، فإن علاقاتنا العسكرية معها إن كانت الجوية أو البحرية قوية، إننا ندمج أصولنا العسكرية بشكل فعال يوميًا مع قوات مجلس التعاون الخليجي، ومن المؤكد أن قواعدنا البحرية والجوية في البحرين وقطر مهمة جدًا هناك للولايات المتحدة ولشركائنا في مجلس التعاون الخليجي. نعم نحن نتوجه في الاتجاه الصحيح ونحتاج أن نستمر في تقويتها، ولدينا الكثير من التفاعل بين القادة العسكريين الأميركيين والقادة العسكريين الخليجيين، كما هناك الكثير من ضباط صف خليجيين يأتون إلى هنا للتدريب في كثير من مدارسنا العسكرية.
هل يجب أن نفعل أكثر؟ نعم. هل نستطيع أن نفعل أكثر؟ نعم. هل يمكن أن نصبح أفضل؟ نعم. إننا نسير في الاتجاه الصحيح ولن نقدم على فعل شيء أو نسمح بشيء يقسمنا أو يحيد بنا عن توجهنا من الاستمرار في تقوية هذه العلاقات العسكرية.
* بعد هذا الذي قلته، هل التوازن العسكري في الخليج لا يزال يميل لصالح شركائكم الخليجيين وبعيدًا عن إيران؟
- إيران دولة كبرى، وهي قوية ولديها قدرة عسكرية متطورة وسوف تستمر كقوة مميزة في الشرق الأوسط عسكريًا واقتصاديًا. وهذه حقيقة، والتوازن الذي أشرت إليه حاسم هنا. على إيران أن تدرك وتحترم هذا التوازن. لأن توازن القوى تاريخيًا مهم جدًا، فالحروب اشتعلت عندما اختل التوازن. لا نريد لهذا أن يحدث ولا نريد أن نلاحظ أن ذلك قد يحدث.
* هذا يعني أن الولايات المتحدة لن تصغي إلى إيران وإلى ما قاله أخيرًا وزير دفاعها حسين دهقان بأن على أميركا الخروج من المنطقة؟
- أميركا لن تخرج من الشرق الأوسط. تربطنا علاقات مشتركة، صداقة وشراكة في الشرق الأوسط منذ زمن طويل، خصوصًا منذ الحرب العالمية الثانية. لا توجد منطقة في العالم لا تؤثر على مصالح وعلاقات أميركا، وبالتأكيد الشرق الأوسط واحد من هذه المناطق. العالم يتحول ويتغير وبالطبع تراجع الولايات المتحدة مصالحها، ومن الواضح أن لدينا الكثير من الاستثمارات العسكرية المتطورة في الشرق الأوسط اليوم، وهذا غير مقبل على التغيير.
* هل ترى أي ضوء في نهاية النفق لنهاية الحرب في سوريا، وهل أن وجود الرئيس بشار الأسد يمنع الحل السياسي هناك؟
- نعم أرى ضوءًا في نهاية النفق، لأن هذا النوع من الصراعات والمعاناة التي تنتج عنها لن تدوم إلى ما لا نهاية، ولا بد من لحظة تسمح بنوع من التسوية، وأعتقد أننا نقترب من هذه اللحظة. وكما قلت فإن هذا لن يحصل من دون الروس، والإيرانيين والسعوديين والأتراك، من دون اللاعبين الأساسيين في الخارج بما فيهم الولايات المتحدة وروسيا. إننا نقترب من تلك اللحظة، لم نصل بعد.
أما بالنسبة إلى مستقبل الأسد، فأعتقد، من أي زاوية نظرنا إليه أو حكمنا عليه، فإن لا مستقبل للأسد في سوريا. فما فعله لشعبه ووطنه لا يعطيه شرعية البقاء. لكن ما يجب أن نكون حذرين منه هو أنه لا نستطيع أن نضع إزاحة الأسد كنقطة رئيسية لأية تسوية، لأنه إذا فعلنا ذلك فلن نصل إلى أي تسوية، فالروس والإيرانيون كانا واضحين جدًا تجاه هذه النقطة. يمكننا التوصل إلى تسوية حيث يمكن في النهاية تجريد الأسد من دوره، لكن إذا بدأنا بهذا الأمر المطلق فلن يكون هناك وصول إلى حيث نريد أن نصل. أظن أنه من الأذكى أن نتوصل إلى وقف فعال لإطلاق النار. إيقاف القتل والمعاناة، البدء في مناقشات، ثم الحديث عن الحكومة المستقبلية في سوريا، من سيكون في هذه الحكومة والشعب السوري يقرر الحكومة. وقد يكون الأسد فيها، لكنني لا أرى أي مستقبل له في سوريا، إنما يجب ألا نجعل مغادرته أساس المفاوضات قبل أي ترتيبات، لأن هذا سيدفع الروس والإيرانيين إلى الزاوية ولن نصل إلى نتيجة.
* يقولون هنا في لندن، إن الحرب ستنتهي في الصيف وهناك تنسيق بين الولايات المتحدة وروسيا؟
- لا أعرف إذا كانت ستنتهي في الصيف، لكن يمكنني القول إن الروس والأميركيين عملا معًا حول هذا. والطرفان قريبان من بعضهما بالنسبة إلى مستقبل سوريا اليوم عما كانا عليه قبل عام. الروس يريدون وجودًا هناك، لديهم منشأة هي الوحيدة لهم في الشرق الأوسط (قاعدة طرطوس)، لا يريدون خسارتها أو خسارة نفوذهم في المتوسط. أتفهم ذلك، إنما الروس يريدون لهذه الحرب أن تنتهي. الإيرانيون في موقع مختلف عن الروس، ثم في نيتهم الأذى لكن ليس من مصلحتهم أيضًا أن تبقى الحرب مشتعلة وليس من مصلحة الشرق الأوسط.
* هل الاجتماعات العسكرية السنوية بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي التي بدأتها أنت، ستستمر، وهل تدعم لقاءات سنوية بين رئيس الولايات المتحدة وزعماء دول الخليج في الرياض أو واشنطن؟
- أعتقد أن هذه الاجتماعات التي بدأتها على مستوى وزراء الدفاع مهمة جدًا، وأعتقد أنك تذكرين أن الرئيس أتبع اجتماعاتي بلقاء عامي 2014 و2015 مع زعماء الخليج في كامب ديفيد. والرئيس سيكون قريبًا في السعودية، للقاء القادة الخليجيين. إنه أمر حتمي وضروري لرئيس الولايات المتحدة. نعم، أعتقد أن اللقاءات ستستمر ويجب ان تستمر، وأنا سعيد جدًا لأن الرئيس أوباما متوجه إلى السعودية وسيلتقي زعماء مجلس التعاون الخليجي لأننا نحتاج أن نبني على ذلك. لا يمكن أن نسمح أن تصيبنا الخلافات بالعمى أو أن تستنزفنا، فهذا يبعدنا عن التركيز على حيث يجب أن نكون معًا لنحل هذه المشكلات، وهذا من مصلحتنا.
* تعاملت بشكل موسع مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، كيف ترى العلاقات الأميركية–المصرية وهل ترى مصر شريكًا استراتيجيًا؟
- أعتقد أن مصر بحكم الواقع هي أكبر دولة عربية وحجر الزاوية في العالم العربي، وستكون باستمرار مهمة للشرق الأوسط. أنا كنت أطرح دائمًا، خلال جلسات مجلس الأمن، أننا لا نستطيع كولايات متحدة أن نخسر تأثيرنا في مصر. العلاقات بين مصر وإسرائيل مثلاً هي أيضًا أساسية للاستقرار في الشرق الأوسط، وتلك العلاقة اليوم جيدة جدًا، خصوصًا في سيناء حيث خطر «داعش» ومجموعات إرهابية أخرى. الدول المجاورة كالأردن وسوريا مهمة أيضًا، من هنا، يجب أن نستمر في العمل مع مصر، وعلى دول المنطقة الاستمرار بالعمل مع مصر. يجب أن نحمي توازن هذه الدول ونستمر في العمل نحو حلول. لا يمكن أن نركز فقط على سوريا أو ليبيا أو اليمن أو العراق أو مصر، علينا أن نركز عليها كلها، مع العلم أن كل دولة منفصلة ومختلفة، وكلها يجب أن تكون في إطار واسع، إطار الشرق الأوسط.
* لكن لا أحد يركز على لبنان؟
- للأسف الوضع في لبنان لا يتحسن. لقد كان لبنان وبعدة طرق دولة مهمة جدًا، ويمثل الكثير من الأمور. أنا أرى لبنان كبوابة الشرق إلى الغرب وبوابة الغرب إلى الشرق. كان دولة مهمة لتضييق هوة الخلافات الثقافية والدينية وهذا ساعد على التجارة. تاريخ بيروت يشير إليها دائمًا باعتبارها العاصمة المصرفية للشرق الأوسط. كانت باريس الشرق الأوسط.
* كيف نستعيدها؟
- نحتاج أن نستعيدها. وهناك لاعبون كثر يتدخلون في لبنان. للأسف تستمر إيران في التدخل بطريقة سلبية، أشرت إلى «حزب الله»، نعم أعرف أن السعودية داعمة قوية لبعض المجموعات. أحب أن أقول إن رفيق الحريري (رئيس الوزراء السابق) كان صديقًا حميمًا لي، وفي الكتاب الذي كتبته وصدر عام 2008 في آخر سنة لي في مجلس الشيوخ أشرت إليه في كثير من الصفحات. كان رفيق الحريري واحدا من أكثر الزعماء إثارة للإعجاب، وكان اغتياله خسارة كبيرة للشرق الأوسط لما كان يفعله، وهذا هو السبب ربما لاغتياله، لأنه كان يشكل خطرًا على كثير من الناس. نحن بحاجة أن نجد شخصًا من طراز رفيق الحريري. قد يكون الوضع الآن أكثر تعقيدًا وأكثر خطورة، لا أعرف إلى أين تتجه الأمور. أنا على علاقة صداقة مستمرة مع بهاء رفيق الحريري، الابن البكر، وأعرف عددًا من اللبنانيين في واشنطن، أحاول أن أساعد قدر ما أستطيع وأعطي النصيحة حيث أستطيع. لكن الوضع معقد. والكل يعاني من وضع صعب، فلبنان يتأثر بكل ما يجري حوله.
* هل تشجع محادثات سرية–خلفية بين السعودية وإيران من أجل استقرار المنطقة؟
- أعتقد أنه من الحكمة فعل ذلك. أمنت دائمًا بمحادثات القنوات الخلفية، لأنه إذا نظرنا إلى النجاحات الكبيرة في التاريخ لهذا النوع من المحادثات، كما حصل بين الولايات المتحدة والصين، فتلك المحادثات السرية التي قام بها هنري كيسنجر مع نظيره الصيني ورئيس وزراء الصين آنذاك شو آن لاي، هذه القنوات الخلفية أنتجت نجاحات كبيرة، لأنه إذا اعتمدت فقط المحادثات العلنية، والشفافة بين الدول والقادة، فإنها ستكون دائمًا محدودة في توجهها بما يمكنهم أن يقولوا، وما يمكن أن يفعلوه، لكن القنوات الخلفية منفصلة، لا حدود لما يمكن القيام به، إنها هادئة، لا أحد يعرف بها، يمكن إجراء تجارب وجس نبض، يمكن إيجاد طرق للالتفاف، وبعد ذلك الإعلان عنها عندما تنتهي. من هنا، أشجع وبقوة «قنوات خلفية» ما بين السعودية وإيران. والواقع أن على السعودية وإيران أن تلتقيا. ستبقى هناك بينهما اختلافات، أحترم ذلك، لكن من أجل مستقبل الدولتين ومستقبل الشرق الأوسط عليهما أن تجدا ما يكفي من القواسم المشتركة من أجل تسيير الأمور. ليستا مضطرتين أن تكونا أفضل الأصدقاء، لا تحتاجان إلى ذلك، لكن إذا لم يتم تحقيق ارتفاع في منسوب العلاقات فإن الوضع الحالي سيؤدي إلى خطر مطلق في الشرق الأوسط وعلى الدولتين أيضًا.
* الرئيس أوباما زار كوبا. الآن سكان هيروشيما يأملون برؤيته في مدينتهم. هل تعتقد أنه يمكن أن نراه في طهران قبل أن يغادر الرئاسة؟
- أشك في حصول هذا. لست متأكدًا ما سيكون الهدف. قادة العالم وخصوصًا الرئيس الأميركي لا يمكنهم «أن يحطوا» هكذا في الدول، خاصة دولة مثل إيران. كانت عدوًا لأميركا منذ 1979 احتلت سفارتنا وأخذت وحجزت حرية 350 شخصًا من موظفي وزارة خارجيتنا. أعتقد أن الرئيس أوباما بالتفاوض مع إيران، وما استطاع أن يحققه معها، كان جيدًا وأنا دعمته، لأن شعوري قائم على أن الدول العظمى تتحاور فهذا واجب. التحاور ليس استرضاء أو استسلامًا. الدول العظمى يجب أن تكون لديها الثقة كي تتحاور. إذا لم تفعل فالذي يقع سلسلة من سوء الفهم، وهذه تؤدي دائمًا إلى الصراع أو إساءة الحساب. لذلك أشك في أنك سترين الرئيس أوباما في طهران، لكنني أعتقد أنه سيذهب إلى هيروشيما وهذا الشيء الصحيح الذي يجب القيام به. أنا كنت داعمًا للانفتاح على كوبا، ذلك أن السياسة الأميركية تجاه كوبا في السابق كانت سخيفة.
* بالنسبة إلى الانتخابات الأميركية، يقول بعض المراقبين ان زعماء الخليج سيفتقدون أوباما بمرارة شديدة، إذ ما عليهم إلا النظر إلى مستشاري السياسة الخارجية للمرشحين للرئاسة الآن؟
- ما نراه في الحملات الرئاسية الآن هو شعبوية أميركية، محبطة للغاية، غاضبة ومنفصلة عن حكومتها وعن سياستها. وعندما تنظرين إلى المقترعين لدونالد ترامب أو للسناتور تيد كروز، أو السناتور بيرني ساندرز، إذا أخذنا تلك الأصوات مجتمعة فكلها في الحقيقة أصوات احتجاج، إنها أصوات تقول نريد شيئًا جديدًا مختلفًا.
* لكنك لم تذكر السيدة هيلاري كلينتون؟
- إنها تختلف، مرشحة تعرف المؤسسة. كانت السيدة الأولى لمدة 8 سنوات، كنت معها في مجلس الشيوخ وكانت وزيرة للخارجية مدة 4 سنوات. إنها تمثل أصوات تختلف عن الثلاثة الذين ذكرتهم. هؤلاء الثلاثة يعكسون أصوات أميركا المحبطة والمنزعجة من كل شيء. قبل أربع سنوات ما كان يمكن أن نرى على المسرح أشخاصًا مثل ترامب أو كروز بسبب تصريحاتهم غير المسؤولة، لكن اليوم يختلف. على كل، سنستقر، دائمًا تسترجع أميركا أنفاسها وتستقر وتبدأ بتصور الأمور، وأمل أن نفعل ذلك مجددًا.
لقد قلت على مدى السنوات، إن السياسة تعكس المجتمع، لا تقود المجتمع. إذا كان توازن المجتمع مختلاً سيكون لدينا مرشحون يعكسون ذلك، وهذا ما حصلنا عليه.
* هل أنت مع كلينتون؟
- لست مع أحد. لم أقرر بعد على أي منهم، وأظن أن ما علينا فعله الانتظار لنعرف مرشحي الحزبين.
* وهل ستكون يومًا مرشحًا للرئاسة؟
- كلا.



السعودية تؤكد أهمية تضافر الجهود لترسيخ قيم التعاون والتعايش السلمي

نائب وزير الخارجية السعودي خلال إلقائه كلمة في المؤتمر العاشر لـ«تحالف الحضارات» المنعقد في العاصمة لشبونة (واس)
نائب وزير الخارجية السعودي خلال إلقائه كلمة في المؤتمر العاشر لـ«تحالف الحضارات» المنعقد في العاصمة لشبونة (واس)
TT

السعودية تؤكد أهمية تضافر الجهود لترسيخ قيم التعاون والتعايش السلمي

نائب وزير الخارجية السعودي خلال إلقائه كلمة في المؤتمر العاشر لـ«تحالف الحضارات» المنعقد في العاصمة لشبونة (واس)
نائب وزير الخارجية السعودي خلال إلقائه كلمة في المؤتمر العاشر لـ«تحالف الحضارات» المنعقد في العاصمة لشبونة (واس)

جددت السعودية، الثلاثاء، دعوتها لتكثيف التعاون بين الحكومات والمجتمع المدني والمؤسسات الثقافية والتربوية لترسيخ قيم التعاون والتعايش السلمي في الأجيال القادمة، لضمان مستقبل أفضل يتسم بالتنوع والموائمة، وذلك خلال المؤتمر العاشر لـ«تحالف الحضارات» الذي عُقد في العاصمة البرتغالية لشبونة.

ونيابةً عن الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي، شارك المهندس وليد الخريجي نائب وزير الخارجية في المؤتمر، مؤكداً في كلمة له على ما يشهده الوقت الحاضر من تحديات عالمية كبيرة تتطلب تضافر الجهود وتعزيز قيم التعاون والتعايش السلمي، مشيراً إلى أن تحالف الحضارات ليس مجرد منصة حوار، بل هو رسالة سامية تهدف لتعزيز فهم أعمق بين الشعوب والثقافات، وإيجاد جسور للتواصل تمكننا من تجاوز الخلافات وتعزيز الفهم المشترك.

المهندس وليد الخريجي أكد في مؤتمر «تحالف الحضارات» إيمان السعودية الراسخ بأن التنوع مصدر قوة وثراء (واس)

وأشار إلى أن مشاركة السعودية في هذا المؤتمر تؤكد أن «رؤية المملكة 2030» لا تقتصر على تقليل اعتماد المملكة على النفط وتحقيق النمو الاقتصادي فقط، بل هي مشروع ثقافي وطني يسعى لبناء قيم الاعتدال والانفتاح على الحضارات والثقافات الأخرى.

وبيّن نائب وزير الخارجية أن «رؤية المملكة 2030»، منظومة شاملة تُعنى بإرساء أسس التنوع الثقافي والانفتاح على العالم، وتعزيز دورها في دعم السلام العالمي ومحاربة التطرف ونشر التعايش السلمي بين مختلف الشعوب، ويأتي ذلك ضمن التزامها ببناء مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر، وهو ما يعزز دورها الإيجابي في المجتمع الدولي ويسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

وأشار إلى ما قدمته السعودية من تجارب وطنية عبر العديد من المبادرات التي أسهمت في إنشاء مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الديانات والثقافات، وإنشاء مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، وإنشاء مركز اعتدال لمكافحة الفكر المتطرف كنموذجٍ لتعزيز التسامح والتعايش بين مختلف مكونات المجتمع، بما يعكس إيمان المملكة الراسخ بأن التنوع مصدر قوة وثراء، مؤكداً في الوقت نفسه استمرار المملكة في دعم التحالف سياسياً ومالياً، معرباً عن ترحيب السعودية باستضافة الدورة الـ11 من مؤتمر تحالف الحضارات في العام المقبل 2025.

نائب وزير الخارجية السعودي خلال لقائه نظيره الروسي في العاصمة البرتغالية لشبونة (واس)

ولاحقاً، التقى المهندس وليد الخريجي، سيرغي فيرشينين نائب وزير خارجية روسيا، وخوسيه خوليو غوميز نائب وزير خارجية الدومينيكان (كل على حدة) على هامش المؤتمر، وجرى خلال اللقاءين استعراض العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون المشترك في شتى المجالات، بالإضافة إلى مناقشة المستجدات الدولية والموضوعات ذات الاهتمام المشترك.