رحيل الشيخ محمد أيوب أشهر من قرأ الحجازية بمحراب المسجد النبوي

عاد لإمامة المصلين في المسجد النبوي رمضان الماضي بعد انقطاع 19 عامًا

الشيخ محمد أيوب
الشيخ محمد أيوب
TT

رحيل الشيخ محمد أيوب أشهر من قرأ الحجازية بمحراب المسجد النبوي

الشيخ محمد أيوب
الشيخ محمد أيوب

شيع آلاف من المواطنين والمقيمين في المدينة المنورة (غرب السعودية)، ظهر أمس، الشيخ الدكتور محمد أيوب، إمام المسجد النبوي، إلى مقبرة «بقيع الغرقد»، بعد أن وفته المنية، فجر أمس السبت، عن عمر يناهز 64 عامًا.
وتناوبت الحشود على حمل جثمان الشيخ أيوب بعد انتهاء الصلاة عليه، ظهر أمس، إلى «بقيع الغرقد» القريبة من المسجد النبوي والقابعة في مواجهة القسم الجنوبي الشرقي من سوره، رافعة أكف الدعاء له بالرحمة والمغفرة.
وكان نجل الشيخ محمد أيوب، بث خبر وفاة والده رسميا عبر حسابه بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر» عبر تغريدة ذكر فيها: «إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيرا منها، توفي والدنا الشيخ محمد أيوب وستكون الصلاة عليه بإذن الله بعد صلاة الظهر»، ضج معها الموقع الاجتماعي بالدعاء للشيخ واستذكار مآثره؛ حيث وصل معها الهاشتاغ الذي خصصه محبو الشيخ لتقديم واجب العزاء من خلاله ونقل خبر وفاته إلى الترند العالمي.
وكان الشيخ أيوب قد عُين إماما متعاونا بالمسجد النبوي لـ7 سنوات منذ 1990 إلى 1997، قبل أن ينقطع عن الإمامة 19 عاما، ليعود إماما للمصلين في المسجد النبوي في شهر رمضان الماضي.
ويعد الشيخ الدكتور محمد أيوب أحد أشهر القراء في العالم الإسلامي، كما أنه من أشهر من قرأ بالحجازية في محراب المسجد النبوي، وعرف بعذوبة صوته، وله تسجيلات قرآنية في الإذاعة والتلفزيون، وسجل له مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف القرآن كاملا، كما سجلت له أيضا القراءة في صلاة التراويح والقيام في المسجد النبوي، كما حصل على عدد من الإجازات في القراءات، منها إجازة برواية حفص من شيخ قراء المدينة حسن بن إبراهيم الشاعر ومن الشيخ أحمد عبد العزيز الزيات، والشيخ خليل بن عبد الرحمن القارئ.
وولد الشيخ الراحل في مكة المكرمة 1952م، وبها نشأ وتلقى تعليمه؛ حيث درس وحفظ القران الكريم وهو ابن 12 عاما على يد الشيخ زكي داغستاني والشيخ خليل بن عبد الرحمن القارئ، في مسجد بن لادن، إلا أنه أخذ من الأخير التلاوات تلقينا فكان يرافق الشيخ أينما حل، فقد ذهب الشيخ خليل إلى الطائف ورحل معه الشيخ أيوب إلى هناك، وكان والد الشيخ أيوب قد أوصى الشيخ خليل قارئ بفراسته أن للشيخ أيوب مستقبلا عظيما في تلاوة القرآن الكريم وحفظه، ويروي ابن الشيخ خليل، إمام مسجد قباء، أن والده كان حريصا على طلابه ولا يفرض عليهم الحفظ كاملا، بل كل على حسب إمكاناته وقدراته.
فيما حصل الشيخ أيوب على شهادة الابتدائية من مدرسة تحفيظ القرآن التابعة لوزارة المعارف، وانتقل إلى المدينة المنورة ليكمل التعليم في المرحلة المتوسطة والثانوية، في معهد المدينة العلمي، وتخرج منه بعد ذلك.
والتحق الشيخ الراحل بالجامعة الإسلامية متخرجا في كلية الشريعة 1396هـ قبل أن يتخصص في التفسير وعلوم القرآن، فحصل على درجة الماجستير من كلية القرآن، وكان موضوع الرسالة «سعيد بن جبير ومروياته في التفسير من أول القرآن إلى آخر سورة التوبة»، وحصل على درجة الدكتوراه من الكلية نفسها عام 1408هـ، وكان موضوع الرسالة «مرويات سعيد بن جبير في التفسير من أول سورة يونس إلى آخر القرآن».
وإضافة إلى دراسته العلمية فقد تتلمذ الشيخ الراحل على يد العديد من المشائخ والعلماء في المدينة المنورة ودرس عليهم ألوانا من العلوم الشرعية، ومنها التفسير وعلومه. وكان من شيوخه بها: الشيخ عبد العزيز محمد عثمان، والشيخ محمد سيد طنطاوي، والشيخ أكرم ضياء العمري، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي، والشيخ عبد المحسن العباد، والشيخ عبد الله الغنيمان، والشيخ أبو بكر الجزائري.
كما عمل الشيخ الراحل أيوب بعد تخرجه في المرحلة الجامعية معيدا بكلية القرآن، وكلف بأمانة امتحانات الكلية لمدة عشر سنوات، وأصبح عضو هيئة التدريس في قسم التفسير منذ حصوله على الدكتوراه، إضافة إلى عمله الجامعي فهو عضو في اللجنة العلمية بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، كما تولى الإمامة والخطابة في عدد من المساجد بالمدينة، ومنها إمام متعاون في المسجد النبوي لـ7 سنوات، وإمام في مسجد قباء لصلاتي التراويح والقيام، كما شارك في عدد من الندوات والدورات والفعاليات.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».