عرض لوحات لرائد الكاريكاتير صاروخان لأول مرة بالقاهرة

في معرض «الكوميديا السياسية» بغاليري المسار

لوحات صاروخان المرسومة قبل 50 عامًا أشبه بالرسوم الكارتونية
لوحات صاروخان المرسومة قبل 50 عامًا أشبه بالرسوم الكارتونية
TT

عرض لوحات لرائد الكاريكاتير صاروخان لأول مرة بالقاهرة

لوحات صاروخان المرسومة قبل 50 عامًا أشبه بالرسوم الكارتونية
لوحات صاروخان المرسومة قبل 50 عامًا أشبه بالرسوم الكارتونية

يحتضن غاليري المسار للفن المعاصر، بالقاهرة، معرض «الكوميديا السياسية»، لفنان الكاريكاتير الراحل ألكسندر صاروخان (1898 - 1977). ويضم المعرض مجموعة منتقاة من أعمال رائد فن الكاريكاتير بمصر والعالم العربي، لم تعرض من قبل، وتبرز فن النقد السياسي في حقبة الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي. وقد افتتح المعرض الأحد الماضي، بحضور حفيدة صاروخان وزوج ابنته، وعدد كبير من محبي فن الكاريكاتير، وسوف يستمر المعرض حتى 30 أبريل (نيسان) الحالي.
وتتنوع اللوحات ما بين التصوير والكاريكاتير، وتحمل أسماء اللوحات تهكما على الوزارات المصرية آنذاك، أو على شخصيات قيادية ورؤساء الحكومة آنذاك، مثل: النحاس باشا، وسري باشا، وفؤاد سراج الدين، رئيس حزب الوفد، وعبد الرحمن عزام باشا، أمين عام جامعة الدول العربية، ومحمد نجيب، أول رئيس للجمهورية المصرية. ومن أهم اللوحات المعروضة: مصر في ملعب كرة القدم، ومصر في حمام السباحة، والسيرك، ومصر ضد مصر وجامعة الدول العربية. وتضج لوحات صاروخان بالحركة والحيوية، وتكتظ بالشخوص التي تعبر عن فئات مختلفة من الشعب المصري تنطق بلسان حالهم، فتبدو كتحقيق صحافي من آلاف الكلمات.
وأمضي صاروخان رحلة طويلة جدا مع الفن، حيث وصل إلى مصر عام 1924، بعد أن درس الفن في فيينا، ونشرت أعماله في التصوير والكاريكاتير في كثير من الصحف المصرية والمجلات، مثل: «آخر ساعة»، و«أخبار اليوم» و«روزا ليوسف».
وفي شهادته عن صاروخان، قال الفنان جمعة فرحات، رئيس الجمعية المصرية لفناني الكاريكاتير: «لا يمكن أن ينسى تاريخ الكاريكاتير في مصر هذا الفنان العبقري الذي دفع بحركة الكاريكاتير المصري إلى درجة غير مسبوقة في اتجاه فن حديث يخرج بالكاريكاتير من دائرة الرسم الكلاسيكي.. جاء صاروخان بعنفوانه، بخطه القوي والحركة التي تضج في رسومه بدرجة لم يألفها الكاريكاتير المصري من قبله، فأنت إذا شاهدت رسمًا لصاروخان، حتى مع بداياته الأولى في مصر، ستلحظ بلا أدنى مجهود هذه الحركة التي تشغي بها رسوماته».
ويضيف فرحات: «رسوم صاروخان لا يمكن أن تشيخ، هي دائمًا الخطوط دائبة الحركة في رصانة قوية أو ضعف لين، فشخوصه فوق أنها تعبر تعبيرًا دقيقًا عن روح الشخصية، لا مجرد محاكاة مظهرها، فإنك تحس بها دائما أمامك وكأنها صورة فنية، لكنها كاريكاتيرية، ولا تملك نفسك ساعتها إلا أن تبتسم كلما تختلف الشخصية بهذا السمت المرسومة به.. وقد جسد صاروخان أفكاره ببراعة، وهي تنم عن ثقافة عالية وموقف إنساني واضح ورأي سياسي».
وأصدر صاروخان كتابين عن الكوميديا السياسية، وأبرزهما: «هذه الحرب» عن الحرب العالمية الثانية عام 1945، وأضفى لمسة فنية في تناوله للنقد السياسي، وترك قرابة أربعين ألف عمل فني.
ولا تزال شخصية «المصري أفندي» الهزلية، التي ابتكرها صاروخان، علامة مميزة مثلت بداية فن التشخيص في الصحافة العربية، ومن أهم إنجازات صاروخان تدشينه لأول مجلة كاريكاتيرية مصرية باللغة الفرنسية، هي «لا كارافان» (القافلة)، في فترة الحرب العالمية الثانية، وقد توفى صاروخان في عام 1977، وخرج من مدرسته الفنية كبار فناني الكاريكاتير، وأهمهم: بيكار، ورخا وغيرهم كثيرون.
ويقول الفنان فاروق حسني، وزير ثقافة مصر الأسبق، في كلمته عن المعرض: «ارتبط اسم الفنان القدير صاروخان بقراء الصحف المصرية منذ العشرينات، ولمدة تزيد عن الخمسين عامًا، وقد وفد صاروخان إلى مصر ضمن آلاف الأرمن، حيث الملاذ الآمن والمساواة في الفرص، وأصبح مرموقًا في الأوساط الجماهيرية والصحافية والسياسية والفنية لرسومه اللماحة، وأسلوبه المتميز في الرسم الكاريكاتيرى، وانصهر في البيئة المصرية، وأصبح وطنيًا غيورًا، ورسخ لفنه موقعًا مركزيًا في تاريخ فناني الكاريكاتير المصريين».
بينما يقول تلميذه بيكار، في شهادته عن أستاذه صاروخان: «رسوم صاروخان أقرب إلى الرسوم المتحركة التي ابتدعتها سينما القرن العشرين.. كانت الديناميكية العارمة تحرك كل خط يرسمه، وتحيله إلى نبض متفجر، وحركة صاخبة لا تعرف الاستقرار».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».