نصير شمة يختبر عودًا صنع من ألياف الكربون

ابتكره باحث تونسي.. وعرض على هامش أيام قرطاج الموسيقية

جانب من الآلات الموسيقية المعروضة
جانب من الآلات الموسيقية المعروضة
TT

نصير شمة يختبر عودًا صنع من ألياف الكربون

جانب من الآلات الموسيقية المعروضة
جانب من الآلات الموسيقية المعروضة

اختبر عازف العود العراقي نصير شمة عودًا مصنوعًا من ألياف الكربون من ابتكار الباحث التونسي الطاهر بن سويسي، ضمن معرض الصناعات بمهرجان أيام قرطاج الموسيقية الذي اختتم أعماله اليوم.
وقال التونسي بن سوسي صاحب فكرة العود: «هذه ثمرة مجهود جماعي وعدة تجارب.. حاولنا من خلالها صناعة عود من ألياف الكربون بطريقة علمية قريبة من الصحيحة يتميز بنوعية جيدة على مستوى الميكانيكي والجانب الجمالي المتمثل في جودة الصوت وقوته وشدته».
وكان منظمو أيام قرطاج الموسيقية أعلنوا سابقا رهانهم على «صالون الصناعات الموسيقية»، الذي يقام على مدى ثلاثة أيام بقصر المؤتمرات في تونس العاصمة، ويُعد حجر الزاوية للمهرجان نظرا لما يقدمه من حراك وفرص للتلاقي بين الفنانين والمنتجين ومديري المهرجانات وصناع الآلات الموسيقية وغيرهم من المعنيين بالموسيقى.
وقال شمة في مؤتمر صحافي الخميس: «ندعم كل التجارب التي تتميز بالجرأة ومبنية على العلم والابتكار ورغبة حقيقية في التطوير».
وأضاف: «(أيام قرطاج الموسيقية) اهتمت بتفاصيل التفاصيل.. لم تقدم العروض الموسيقية فقط بل منحت أهمية للمطبخ الخلفي للفنون الذي يعزز التجارب ويعمقها ويجعلها غنية».
وتابع قائلا: «صناعة العود تحسنت في جودة الصوت والأخشاب والأوتار لكن عود الكربون هو تغيير جذري في المادة الخام التي تصنع منها الآلة».
وقال شمة عقب تقديم معزوفة على آلة العود المصنوعة من ألياف الكربون: «الصوت صوت عود ومتوازن في قراراته وجواباته، وأعتقد أن هذه الخطوة ستسهم مساهمة حقيقية في تطور صناعة الآلات الموسيقية خاصة التي تصنع من الخشب».
لم تكن الجولة في صالون الصناعات الموسيقية عادية بالمرة، فالزائر يكتشف ضروبًا من الآلات الموسيقية التي تعود إلى أبعد العصور بمحاذاة أحدث الآلات الموسيقية على الإطلاق.
الصالون جمع كل أصناف المتدخلين في قطاع المهن والصناعات والخدمات في مجال الموسيقى، وذلك للتعريف بمنتجاتهم والدعاية لها وعرضها أمام المختصين.
واحتضن الصالون أجنحة لعارضين من تونس والمغرب وفلسطين ومصر وسوريا والأردن وسلطنة عمان وتركيا وإيران والسنغال وبوركينا فاسو وفرنسا وبلجيكا وإسبانيا، جاءوا لعرض خبراتهم في مجالات فنون صناعة الآلات الموسيقية وإصلاحها بالإضافة إلى نشر المؤلفات المختصة في الموسيقى وعلومها، كما ضم المعرض العديد من المؤسسات والمنظمات والمعاهد الموسيقية والمهرجانات والجمعيات النافذة في المجال الموسيقي.
وبشأن أهمية هذا الصالون، قال حمدي مخلوف مدير أيام قرطاج الموسيقية في تصريح إعلامي إن إدارة المهرجان تراهن للسنة الثانية على التوالي على «صالون الصناعات الموسيقية»، الذي أقيم على مدى ثلاثة أيام، وأعتبره حجر الزاوية للمهرجان، نظرًا لما يقدمه من حراك وفرص للتلاقي بين الفنانين والمنتجين ومديري المهرجانات وغيرهم من المعنيين بالموسيقى. وعلى غرار ما هو معمول به في الأسواق الموسيقية الكبرى، خصصت هيئة التنظيم لقاءات سريعة بين الموسيقيين والمنتجين من أجل تبادل الخبرات والتجارب.
ويطمح الصالون في حيازة موقع له كسوق موسيقية وكمعرض لترويح الآلات الموسيقية التقليدية، ويؤسس لتقاليد تجعل من تونس نقطة تواصل بجنوب المتوسط تربط ما بين الدول العربية والأفريقية وبقية ممثلي المؤسسات والشركات العالمية المختصة بالصناعات الموسيقية.
وفي هذا الشأن، قالت سلوى حفيظ أستاذة الموسيقى المختصة في آلة العود، إن الصالون مثل لها فرصة مهمة للاطلاع على الاختلافات المميزة لصناعة العود وبقية الآلات الموسيقية بين بلد وآخر. وهو فرصة أصبحت سنوية للتعريف بالآلات الموسيقية التونسية وبصناع الآلات الموسيقية في تونس. وأكدت أن هذه التظاهرة لها انعكاسات ثقافية واجتماعية مهمة، وهي تتعدى حدود عالم الموسيقى إلى مجال السياحة الثقافية وصناعة الآلات الموسيقية تجلب جمهورًا من نوع مختلف عن بقية الأنشطة السياحية والثقافية.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».