«مرحى، قيصر» جذب هوليوود وخلط أوراقها.. ثم سقط

تفكيك فيلم وُلد مفككًا

جورج كلوني مخطوفًا
جورج كلوني مخطوفًا
TT

«مرحى، قيصر» جذب هوليوود وخلط أوراقها.. ثم سقط

جورج كلوني مخطوفًا
جورج كلوني مخطوفًا

لم يكن أحد يتوقع، حقيقة، أن يتهافت الناس على مشاهدة فيلم يدور حول هوليوود الخمسينات حتى وإن كان من إخراج الثنائي جووَل وإيثان كووَن.
هما اسمان كبيران لدى المهرجانات وبعض النقاد، لكن الجمهور عادة لا يأبه إذا أخرج الفيلم مخرج ذائع الصيت وآخر جديد، أو واحد أمطر مهرجانات السينما الدولية بأفلامه أو آخر لا يعرفه أحد سوى محيطه المباشر من العمل. لو كان الجمهور السائد يهتم لنجحت كل أفلام ستيفن سبيلبرغ بينما هناك ما سقط منها.
بالنسبة للأخوين كووَن، فإن فيلمهما الجديد «مرحى، قيصر» الذي افتتح برلين هذه السنة وباشر عروضه الأميركية في الأسبوع نفسه أنجز حتى الآن ما مجموعه 33 مليون دولار في الولايات المتحدة. مبلغ كاف لدفع أجر العاملين والديكور الذي تمّ تشييده وبعض الأسهم الكبيرة. ليس أن الأخوين سيجدان من الصعوبة من سيموّل فيلمهما المقبل، لكن هذا يختلف، في هوليوود، عما حققاه لها من قبل. إيراد متدن كهذا تم تسجيله بالنسبة لهما عندما قاما بإخراج «فارغو» سنة 1996. لكن ذلك الفيلم لم يكن هوليووديا بالمعنى الكامل بل اعتبر أساسًا من الأفلام المستقلة؛ إذ وزعته شركة بوليغرام، بينما تبنّـت هذا الفيلم شركة يونيفرسال.

* فدية

لا بد أن المشروع بدأ مغريًا في الأساس: فيلم عن هوليوود الخمسينات. هناك منتج شاطر، ومخرج يثير الضحك وهناك نجوم متورّطون وصحافية حمقاء وناقدة متباهية. إنها توليفة ناجحة. عندما مرر الأخوان اسم جورج كلوني وجوش برولين وتيلدا سوينتون وشانينغ تاتوم كنجوم للفيلم فكّـرت هوليوود بالمستوى النوعي على الفور. كانت تدرك أن بعض أفلام الأخوين كووَن وعلى الأخص «عزم حقيقي» (True Grit) و«لا بلد للمسنين» (No Country for Old People) أبرم نجاحًا لا بأس به: 171 مليون دولار للفيلم الأول و74 مليونا للفيلم الثاني (داخل أميركا الشمالية وحدها). أي واحد مضى عليه خمس سنوات في هوليوود يعلم أن المشروع المعنون «مرحى، قيصر» قد لا يحقق النجاح ذاته، لكن الاستثناءات حدثت وللأخوين سمعة طيّـبة بين هواة السينما المستقلة ومن يدري. العقد تم إبرامه. المشروع تم إنتاجه والفيلم سقط.
لكن هناك جانبًا كبيرًا لهذا الموضوع يتعلق أيضًا بهوليوود يتجاوز حجم نجاحات وحجم إخفاقات أفلام الأخوين كووَن عند وصولها إلى شاشات العرض، وهو أنه يتعامل مع هوليوود من زاوية ساخرة.
بالطبع ليس أن الدفاع عن هوليوود، وهوليوود الخمسينات أو أي فترة ذهبية ماضية، موكول لمكتب خاص يتدخل عند الضرورة، لكن الفيلم لا يسخر فقط بل يقلب الحقائق. إنه عن ممثل بالكاد لديه موهبة ما اسمه بيرد (جورج كلوني) يتعرض لعملية خطف تقوم بها جماعة من الكتاب والمثقفين اليساريين مطالبين بفدية. على إيدي مانيكس، رئيس الإنتاج في الاستديو الذي يتم تصوير فيلم بيرد الجديد (وعنوانه «مرحى، قيصر») لحسابه، تأمينها لضمان مواصلة العمل وقبل أن يصل اختفاء بطل الفيلم للصحافة الممثلة بوجهين ساخرين تؤديهما تيلدا سوينتون.
الفدية، حسب الخطّـة، ستذهب إلى ممثل اسمه بيرت (شانينغ تاتوم) الذي يقوم ببطولة فيلم موسيقي ويخطط للجوء إلى الاتحاد السوفياتي ومعه الفدية لإظهار إخلاصه للروس. أمر يحتاج إلى خيال غرائبي لتبريره، خصوصا أن محاكمات المكارثية لم يكن مضى عليها سوى سنوات قليلة. مانيكس لا يدري شيئا عن هذه الخطّـة. هناك ممثل آخر لأفلام وسترن سريعة هو هوبي دويل (يؤديه جيدًا ألدين إرنريتش) يُعيّـن لبطولة فيلم درامي يتطلب منه أداء لا يقدر عليه. مخرج الفيلم لورنس (راف فاينس) يفاجأ بضحالة موهبته ويشكوه لمانيكس لكن هذا يرفض استبداله. على صعيد آخر قريب، هناك ممثلة اسمها دي آنا (سكارلت جوهانسن) حبلى من مجهول وعلى مانيكس تدبير الأمر ليحمي سمعة الممثلة من الفضيحة. خصوصًا بوجود هاتين الصحافيتين الأشبه بالكواسر.

* الوجه الحقيقي لمانيكس

شخصية مانيكس هي المحورية إذن. حلال المشاكل الذي يعرف كيف يتجاوز، تبعا لمشاهد الفيلم، عقدا غير محسوبة مثل تمرير سيناريو فيلم من شأنه إثارة قلاقل دينية، أو إبقاء خطف الممثل كما لو أنها لم تقع، والرد على المخرج الشاكي بكل حزم وإقفال الباب على الموضوع من دون التسبب في خسارة المشروع الذي يعمل عليه.
في الحقيقة هذا ما كان عليه المنتج ورئيس قسم إداري في شركة مترو غولدوين ماير اسمه إيدي مانيكس. بالتالي هي شخصية عاشت ورحلت (سنة 1963) في الزمن الماضي، لكنها حقيقية. ما هو ليس حقيقيًا أنها لم تكن على شاكلة مانيكس الذي نراه في هذا الفيلم. كان حلالا للمشاكل ولكن بوسائل مثيرة للريب.
أشيع عنه أنه كان على علاقة بالمافيا، وأنه رجل قريب من عصابات لفترة. ثم إنه وقف وراء قتل بول بيرن، وهو منتج منفذ كان موظفًا في الاستديو ذاته وقتل في ظرف غامض سنة 1932. قبل ذلك كانت زوجته الأولى وُجدت ميتة واتهم بقتلها لكن الأدلة كانت غائبة.
في عام 1959 مات جورج ريڤز الذي لعب دور سوبرمان في مسلسل تلفزيوني استمر من سنة 1952 إلى 1958. قيل إن زوجة مانيكس الثانية لوني لانيير ربما قتلت أو اشتركت مع زوجها في قتل ريڤز الذي كان عشيقها بعلم زوجها. وهذا هو بعض المعلوم عن شخصية مانيكس، لكن من يشاهد الفيلم يجده شخصية مختلفة للغاية. هو في «مرحى، قيصر»، ونسبة لقصور وعاهات شخصية وعاطفية تشمل كل الشخصيات الأخرى من ممثلين إلى مخرجين إلى كتّـاب وإلى صحافيين، يبدو الأقرب إلى الكمال. صحيح أنه كاثوليكي متدين يذهب كل يومين أو ثلاثة للكنيسة لكي يعترف بأشياء صغيرة مثل «دخنت سيجارة من دون علم زوجتي بعدما وعدتها بالتوقف عن التدخين» (كما يرد في مطلع الفيلم)، لكنه ليس غبيًا وليس جاهلاً بعمله ولا يركض وراء مصلحته الذاتية ولا يسجل له (أو عليه) مغازلته للسكرتيرة أو حتى للممثلة الأنانية (في الفيلم) سكارلت جوهانسن.
في المقابل، يمارس الأخوان ما مارساه في أفلام سابقة لهما تم فيهما التعامل مع الشخصيات بقدر من الازدراء غير المبرر دائمًا. هذا يشمل «احرق بعد القراءة» (2000) و«قسوة غير محتملة» (2003) و«يا أخي، أين أنت؟» (2000). و«قتلة السيدة» (2004). الأمثلة الثلاث الأولى كلها من بطولة جورج كلوني أو اشتراكه، لكننا لن نجده تحت أي ضوء إيجابي، أو متمتعًا بشخصية سوية تثير الإعجاب أو قدرًا منه على الأقل.
في «مرحى، قيصر»، وسواء تم النظر إليه أو إلى الممثل الخائن لبلاده تاتوم، أو الممثل غير الموهوب (إرنريتش) أو إلى مخرجه المتفذلك راف فاينس أو إلى مجموعة الكتّـاب الذين يحضنون تعاليم ماركس رغبة في أميركا مختلفة، الجميع مثير للسخرية باستثناء إيدي مانيكس.
فيلم بهذا القدر من السخرية كان يمكن أن يُـقال فيه إنه نموذجي في موقفه ضد هوليوود، كما لو كانت هوليوود مؤسسة حزبا نازيًا مثلاً. لكن الفيلم ليس ناجحًا حتى في نطاق سخريته. نكاته تسقط أرضًا ومراميه مختلطة بلا منهج، ونظرته إلى الخمسينات والمكارثية لا تذهب به إلى أي اتجاه ذي قيمة. إنه فقط «فيلم من إخراج الأخوين كووَن».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».