«عطور» من تونس في افتتاح أيام قرطاج الموسيقية

تنافس 12 عرضًا على جوائز المهرجان

«عطور» من تونس في افتتاح أيام قرطاج الموسيقية
TT

«عطور» من تونس في افتتاح أيام قرطاج الموسيقية

«عطور» من تونس في افتتاح أيام قرطاج الموسيقية

انطلقت فعاليات أيام قرطاج السينمائية ليلة السبت الماضي بعرض «عطور» من تونس الذي شد الانتباه وأزاغ العيون والآذان، وقد أمنه محمد علي كمون عازف البيانو والمؤلف الموسيقي التونسي.
وكان عرض الافتتاح بمثابة الرحيق الذي جمع من مختلف الأزهار والورود، فقد مزج بحرفية عالية بين الموسيقى التونسية التقليدية وموسيقى الجاز والموسيقى السيمفونية الغربية والفنون البصرية مختلفة الألوان والأشكال، وقد استوحاه من الخصوصية الموسيقية التونسية بكل نكهاتها، فأبهر الحاضرين في هذا المهرجان الذي يستمر حتى السادس عشر من شهر أبريل (نيسان) الحالي. استوحاه من الخصوصية الموسيقية التونسية بكل نكهاتها.
سهرة الافتتاح عرفت مشاركة 40 عازفًا وفنانًا مع الأوركسترا التونسي بقيادة الفنان التونسي رشيد قوبعة ومرافقة العازفين نبيل عبد المولى على آلة الناي وزياد الزواري على آلة الكمنجة.
وبشأن هذه التظاهرة الموسيقية السنوية، قال حمدي مخلوف مدير الدورة الجديدة لـ«الشرق الأوسط» إنه اعتمد في برمجة فقرات المهرجان على 5 قواعد أساسية متمثلة في المسابقة الرسمية لمشاريع العروض الموسيقية، والانفتاح العربي والأفريقي والمتوسطي للمهرجان، إضافة إلى صالون الصناعات الموسيقية، وأهمية التكوين والمعرفة بالمجال الموسيقي، ثم الاعتماد على اللامركزية الثقافية.
وأضاف أنه أراد من خلال البرمجة أن يخلق تصورًا جديدًا لأيام قرطاج الموسيقية يقطع مع تقاليد هذه المناسبة الفنية التونسية التي عاشت على إيقاع دورات كثيرة مانحة للأصوات التونسية النصيب الأكبر من خلال المشاركات والمسابقات، على حد تعبيره، دون الالتفات الجدي إلى تجارب الآخرين.
وسيشهد شارع الحبيب بالعاصمة مجموعة من العروض الموسيقية على غرار مجموعة «خنافس» و«رضا ديكي» من تونس و«يكاد ليدرز» من غانا و«موسيقى قناوة» من المغرب و«جوبيتار وأوكواس» من الكونغو الديمقراطية.
ومن المنتظر تنظيم صالون الآلات الموسيقية من 12 إلى 14 أبريل، وقد اعتبرته هيئة تنظيم المهرجان مرآة عاكسة للمشهد الموسيقي في تونس وهو يحمل شعار «الإبداع والتنوع»، ويجسد مشروع السوق الموسيقية بصفة فعلية من خلال مشاركة أكثر من ثلاثين مهنيًا في مجال الإنتاج والترويج الفني وتنظيم العروض والمهرجانات الدولية.
وستكون للمشاركين في الصالون لقاءات مع أكثر من 500 فنان مشارك في الأيام من تونسيين ومن مختلف البلدان العربية والأفريقية والمتوسطية.
وعلى مستوى السهرات الفنية، تفتح قاعة سينما الريو بالعاصمة أبوابها من 10 إلى 15 أبريل لاحتضان سهرات أيام قرطاج الموسيقية التي يحيي السهرة الأولى التونسيان لطفي بوشناق وإيناس شطورو، أما السهرة الثانية فيؤثثها كل من محمد الجبالي ونبيهة كراولي (تونس)، تليها سهرة السراح ونوباتونز من السودان ثم سهرة «عسلة في المالح» للجليدي العويني (تونس) وحسان الدوس (تونس)، وتختتم سلسلة هذه السهرات بعرض مسار إجباري من مصر.
ويتنافس على جوائز أيام قرطاج الموسيقيّة 12 عرضًا موسيقيًا، وقد رصدت لها كثير من الجوائز للمشاركين في المسابقة، أهمّها «جوائز التانيت لأفضل مشاريع العروض» وتتمثل في التانيت الذهبي والتانيت الفضّي والتانيت البرونزي، بالإضافة إلى مجموعة من الجوائز الأخرى، وهي جائزة أفضل عرض أو عمل في الموسيقى التونسية وجائزة الجمهور والجائزة الخاصة للتأليف الموسيقي والجائزة الخاصة بالأداء (الآلاتي والغنائي) وجائزة أفضل كلمات (اللّغة العربية ولهجاتها).
ويشارك في المسابقة الرسمية لهذه الدورة عدد من المجموعات الموسيقية، ويشارك من تونس كل من «ملحمة الدغاجي» لمحمد بن سلامة، و«سروح» لسامي وسمير الدخلاوي، و«بياعة الورد» لخالد سلامة، و«أصلي» لصبري مصباح، و«فلاقة» لنصر الدين الشبلي، و«أسرار» لروضة عبد الله، و«ميزراب» لأحمد بغلاما، و«هربة» لمحمد الهادي العقربي، ومن المغرب مجموعة «بيسارة» لحميد مؤمن، ومن السنغال «سهد وذو ناتال باتش وورك» وهي لسار أبو كريم، ومن بنين «غانغبي براس باند» لأتاناز ديمون.
واختارت الهيئة المديرة لأيام قرطاج الموسيقية أن تكون لجنة تحكيم هذه الدورة مكونة من عدد من الأساتذة المتخصصين، من بينهم الفنان التونسي عدنان الشواشي الذي يرأس اللجنة، وأمين بوحافة وبشير السالمي والشاعرة فوزية العلوي ووناس خليجان وأميمة خليل من فلسطين ورائد عصفور من الأردن.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».