الفيلسوف الفرنسي إدغار موران يبرز في مراكش إيجابيات «السعادة الوطنية»

احتفاء بـ«اليوم العالمي للسعادة»

إدغار موران الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي خلال إلقاء محاضرته أول من أمس بمراكش احتفاء بـ«اليوم العالمي للسعادة» (تصوير: عبد الرحمن المختاري)
إدغار موران الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي خلال إلقاء محاضرته أول من أمس بمراكش احتفاء بـ«اليوم العالمي للسعادة» (تصوير: عبد الرحمن المختاري)
TT

الفيلسوف الفرنسي إدغار موران يبرز في مراكش إيجابيات «السعادة الوطنية»

إدغار موران الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي خلال إلقاء محاضرته أول من أمس بمراكش احتفاء بـ«اليوم العالمي للسعادة» (تصوير: عبد الرحمن المختاري)
إدغار موران الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي خلال إلقاء محاضرته أول من أمس بمراكش احتفاء بـ«اليوم العالمي للسعادة» (تصوير: عبد الرحمن المختاري)

بدعوة من «مركز القياديين الشباب»، قدم إدغار موران، الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي، أول من أمس، بمراكش، محاضرة في موضوع «نظرات متقاطعة حول «خام السعادة الوطنية» (أو «السعادة الوطنية الخامة»)، في إشارة ضمنية تضع مقارنات مع «الناتج الداخلي الخام»، الموظف بين الاقتصاديين.
وجاء تنظيم اللقاء تخليدا لـ«اليوم العالمي للسعادة»، الذي يحتفل به المجتمع الدولي، يوم 20 مارس (آذار) من كل عام. وهو احتفال اعتمد في 28 يونيو (حزيران) 2012، على هامش فعاليات الدورة الـ66 للجمعية العامة للأمم المتحدة، تحت عنوان «السعادة ورفاهية المجتمع والنموذج الاقتصادي الحديث»، وذلك اعترافا بـ«أهمية السعي للسعادة أثناء تحديد أطر السياسة العامة لتحقق التنمية المستدامة والقضاء على الفقر وتوفير الرفاهية لجميع الشعوب»، خاصة بعد أن أظهرت تجارب بعض الدول «أثر زيادة مستوى السعادة الوطنية على زيادة مستوى الدخل الوطني، بشكل أكد أن السعادة الوطنية الشاملة هي أهم ناتج وطني للبلاد».
وقال الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، في رسالة اعتماد هذا اليوم، إن «العالم بحاجة إلى نموذج اقتصادي جديد يحقق التكافؤ بين دعائم الاقتصاد الثلاث؛ التنمية المستدامة والرفاهية المادية والاجتماعية وسلامة الفرد والبيئة، ويصب في تعريف ماهية السعادة العالمية».
وعلى الرغم من سنوات عمره، التي قاربت الـ94 (ولد في باريس في 8 يوليو «تموز» من عام 1921)، فقد أصر موران، الذي راكم عشرات المؤلفات، في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا والمنطق والوعي والمعرفة وعلم الأحياء والفنون، لا سيما السينما، على أن يقدم محاضرته واقفا.
على عادة المفكرين والفلاسفة، اختار موران استراتيجية طرح الأسئلة، في سياق تناوله لمضمون مداخلته. من مزايا طرح السؤال أنه «حين يتحدد يفتح إمكانية الجواب»، السؤال الذي لا ينبثق عن ماهية شيء، كما يكتب الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر، إلا «عندما يصبح الشيء، الذي توضع ماهيته موضع السؤال، غامضا وملتبسا»، و«تصبح العلاقة بين الإنسان وما هو موضوع التساؤل واهنة أو مزعزعة».
لكن، هل يكفي طرح الأسئلة، بصدد مفهوم زئبقي كـ«السعادة»، للوصول إلى جواب قطعي، كامل ومتكامل، يلبي انتظارات المستمعين؟ ألم يكتب عالم النفس السويسري، سيغموند فرويد، متسائلا ومجيبا، في الآن نفسه: «ما الذي يطلبه الناس من الحياة، ويودون تحقيقه فيها؟ إن الإجابة عن هذا السؤال جلية، بحيث يصعب الشك فيها. فالناس يكافحون من أجل سعادتهم؛ إنهم يريدون أن يكونوا سعداء، وأن يبقوا على هذا النحو». لذلك يتساءل الناس، بحسب نيكولاس وايت، في مؤلفه «السعادة.. موجز تاريخي»، عن «طبيعة السعادة»، و«لا يجدون الإجابة سهلة، على الرغم من أنهم يظنون أنهم قادرون على الإجابة».
استغل موران استراتيجية طرح الأسئلة للعودة إلى وجهات نظر كبار الفلاسفة والمفكرين والشعراء، ووضع المقارنات بين أعلام وفاعلين في عوالم الاقتصاد والسياسة، كما استعرض تفاصيل من تجربته الشخصية، كمثقف وكإنسان.
حاول موران أن يتحدث بسعادة عن مفهوم السعادة. لم يقدم درسا في السعادة، في مفهومها ومتطلباتها. قدم، بالأحرى، عصارة تجربته مع الحياة والفلاسفة والشعراء، رابطا حديثه عن مفهوم «السعادة» بين الماضي والحاضر، مستشرفا المستقبل.
«هل نستطيع أن نقيس السعادة؟»، و«هل الثراء مرادف للسعادة؟»، و«هل يمكن لمجتمع أن يخلق السعادة؟»، و«ما أسباب السعادة؟»، و«ما الذي يخلق السعادة؟»، و«ما علاقة الـ(أنا) بالـ(نحن)، حين يتعلق الأمر بالسعي نحو (السعادة)؟»، كانت هذه أسئلة، إلى جانب أخرى، أطّر بها المحاضر مداخلته، منتقلا من سؤال إلى آخر، دون أن يكون ملزما بإعطاء جواب قاطع، طالما أنه يتحدث في مجال يرتبط بالنفس البشرية، وبما لا يُضبط ويُقاس، تماما كالكلام الذي يدور في نفسه ويلتبس بعضه ببعضه، على رأي أبي حيان التوحيدي، في مؤلفه «الإمتاع والمؤانسة».
يرى موران أن المجتمعات يمكنها أن توفر أسباب السعادة، لكن لا يمكنها، بالمقابل، أن تخلق السعادة، ثم ربط بين الـ«أنا» والـ«نحن»، مشددا على أن الأولى تحتاج الثانية؛ الأولى كمرادف للفردانية، والثانية كمرادف للعائلة والمجتمع والوطن، في ارتباط بمفاهيم الدين والثقافة وغيرها، منتهيا إلى أن الـ«أنا» يمكن أن تضحي في سبيل الـ«نحن». وانتقد موران الحضارة الغربية، وقال إنها طورت الفردانية من خلال الاحتفاء بالـ«أنا»، بتشديدها على الاستقلالية والمسؤولية، وتحدث عن نوع من اللاتوازن بين الـ«أنا» والـ«نحن» في هذه الحضارة، محذرا، في الوقت نفسه، من أن الانخراط الكامل في الـ«نحن» من دون تحديد دور للـ«أنا» والمسؤوليات المترتبة عنها قد يدفع إلى الظلامية والتطرف.
ودعا موران إلى التمييز بين «النجاح في الحياة» و«إنجاح الحياة»، معددا جملة أمثلة، بينها نموذج المناضل جنوب أفريقي نيلسون مانديلا، الذي على الرغم من أنه قضى أكثر من ربع قرن في السجن، استطاع أن يُنجح حياته، على عكس أثرياء العالم الذين ينجحون في حياتهم غير أنه لا يمكنهم، بالضرورة، أن يُنجحوا حياتهم.
ولأن الاحتفال بـ«اليوم العالمي للسعادة» جاء مرتبطا بـ«السعادة ورفاهية المجتمع والنموذج الاقتصادي الحديث»، فقد لامس موران، في جانب من مداخلته، علاقة السعادة بوضعية المقاولات، حيث انتقد السلبيات التي تتولد عن إعمال التراتبية الإدارية الصارمة، خاصة في ظل ما يترتب عن الأزمات الاقتصادية، ومتطلبات رفع الإنتاجية والتركيز على التنافسية من سلبيات، حيث صرنا أمام ضغط في العمل وتزايد في نسب البطالة وتنام في حالات الانتحار. لذلك دعا موران إلى انفتاح التراتبية الإدارية على مكوناتها، بشكل يخفف عن الإدارة مرضها، أي بيروقراطيتها، وذلك عبر إدماج البعد الفردي ضمن هذه التراتبية، مشيرا إلى أن المقاولة تبقى مغامرة غير مضمونة، وأن أحد أسباب ضمان نجاحها يكمن في أنسنتها، وصولا إلى سعادة الأفراد والجماعات.
وبالنسبة لموران، فالأمل في مجتمع سعيد يتلخص في قدرة الابتكار الخاصة بكل فرد، وفي التزام الجميع نحو أفق جديد للإنسانية، طريق وخيار السعادة، قبل أن يختم بالتشديد على أن «مقاومتنا للقلق والشك تكمن في زرع الحب والإيمان بالجماعة والصبر على الآخر، على أمل أن تنفتح بنا (هذه المقاومة) على السعادة».
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، قد كتب، بمناسبة احتفال هذه السنة بـ«اليوم الدولي للسعادة»: «لقد صار مفهوما السعادة والرفاهية الصِّنوان يتصدران بشكل متزايد المناقشات الدولية حول التنمية المستدامة والمستقبل الذي نصبو إليه. وتجاوز العديد من البلدان مرحلة الكلام الرنان الذي يتغنى بنوعية الحياة، لتعتمد بدلا من ذلك تدابير عملية تهدف إلى بلورة المفهومين في صلب تشريعاتها وآليات رسم سياساتها. ومن شأن هذه الممارسات الجيدة أن تلهم البلدان الأخرى، حتى يصير تحقيق الرفاهية على أوسع نطاق معيارا للقياس والمساءلة عوض الاكتفاء بمعيار الدخل القومي. ولئن كان للسعادة دلالات مختلفة باختلاف الناس، فإننا نتفق جميعا على أنها تعني العمل في سبيل إنهاء الصراع والفقر وغيرهما من الظروف المزرية التي تكابدها أعداد هائلة من بني البشر. والسعادة ليست ضربا من ضروب اللهو ولا هي ترف.
إنها مطمح متجذر في نفوس بني البشر، يتشاطره أفراد البشرية جمعاء. فلا ينبغي أن يُحرم منها أحد، بل يجب تيسيرها للجميع. وهذا الطموح مفهوم ضمنا في التعهد الوارد في ميثاق الأمم المتحدة بتعزيز السلام والعدل وحقوق الإنسان والتقدم الاجتماعي والارتقاء بمستويات المعيشة. وقد آن الأوان لترجمة هذا الوعد إلى عمل ملموس على الصعيدين الدولي والوطني، بغية استئصال شأفة الفقر، وتشجيع الإدماج الاجتماعي والانسجام بين الثقافات، وكفالة أسباب العيش الكريم، وحماية البيئة، وبناء المؤسسات التي ترفد الحكم الرشيد. فتلك هي أركان سعادة الإنسان ورفاهيته».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».