مصبغة يدوية في مصر تكافح للبقاء في ظل منافسة المصانع الحديثة

تواجه مزاحمة شرسة من ورشات صينية وهندية

جانب من أعمال المصبغة (رويترز)
جانب من أعمال المصبغة (رويترز)
TT

مصبغة يدوية في مصر تكافح للبقاء في ظل منافسة المصانع الحديثة

جانب من أعمال المصبغة (رويترز)
جانب من أعمال المصبغة (رويترز)

تهدد أزمة العملة الصعبة في مصر والمنافسة من المصانع الحديثة في آسيا واحدة من آخر المصابغ اليدوية في مصر، لكن عزاء أحد مالكيها هو أن الصناعة القديمة تتسم بالمرونة.
ويتفاخر محمد مصطفى بأن مهنته تعود إلى آلاف السنين، لذا فإنها تستطيع أن تصمد في وجه أي شيء.
ويقول مصطفى الذي يدير الورشة التي بنيت عام 1901 مع والده وإخوته، إنها «صناعة مريضة لكنها لن تموت. إن شاء الله ستعيش لمائة عام أخرى.
لكن الأوقات صعبة».
ويضيف مصطفى أن أسعار المواد الخام ارتفعت بشكل جنوني منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك في 2011، الأمر الذي فجر اضطرابات سياسية وأدى لتعثر الاقتصاد.
وقبل هذه الأيام عندما أججت الاحتجاجات في ميدان التحرير الآمال في مستقبل مشرق لملايين المصريين، كانت الورشة الصغيرة تحقق دخلاً يبلغ نحو 700 جنيه مصري أسبوعيًا. وتراجع هذا الرقم الآن إلى 400 جنيه.
وأثر نقص الدولار اللازم لشراء البضائع على أصحاب الأعمال الصغيرة التي كانت توظف عددًا كبيرًا من العمال.
وتواجه الورشة القديمة منافسة شرسة من مصانع في دول مثل الصين والهند.
وتقوم الورشة بصبغ الأقمشة المستخدمة في صنع القمصان والمفروشات وغيرها، وتقوم على أكتاف أب وابنيه بعد أن كانت توظف 15 شخصًا قبل سقوط مبارك.
لكن التاريخ يشير إلى إمكانية التغلب على العقبات. وتعود الصناعة إلى الأسرة الأولى الفرعونية قبل 3100 عام من ميلاد المسيح.
ولا يزال سلامة محمود سلامة المولود في عام 1937 يفخر بمصبغته رغم التحديات وبعد العمل فيها لمدة 42 عامًا. ويتحدث عن زبائنه من القاهرة والإسكندرية وأسوان بينما يجلس إلى جانب أجولة قرب ملصق لأحد الساسة.
وقال سلامة: «في البداية كانت مصر تتاجر في القطن والحرير والآن تستوردهما، لذا فإن الصناعة تعاني من ضعف.. قبل ذلك كان هناك تمويل من الحكومة».
لا يزال مصطفى أيضًا يفخر بشدة بعمله.
ويشي قميصه الذي تناثرت عليه بقع الصبغة المختلفة بكم العمل الذي يقوم به على أمل التغلب على الصعوبات في الورشة التي تقع في إحدى الزقاق بمنطقة الدرب الأحمر في حي مصر القديمة بالقاهرة.
ويقول إنه لا توجد سوى أربع ورش من هذا النوع في جميع أنحاء مصر.
ويقول وهو يتذكر كيف كان الإقبال عاليًا على المنتجات المصبوغة يدويًا مثل الإقبال على الشاي والسكر: «العمل اليدوي أفضل. لديك سيطرة أكبر على الألوان في كل المراحل».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».