«واتساب» يرفع مستوى حماية دردشات مليار مستخدم

محادثات وملفات مشفرة لا يمكن فكّها لحماية خصوصية المستخدمين.. تمنع تنصت القراصنة والحكومات

سيستفيد عديد من الأشخاص من هذه التقنية لحماية المحتوى الذي يتبادلونه مع الآخرين  مثل الصحافيين الذين يرغبون في حماية المواد المتبادلة (رويترز)
سيستفيد عديد من الأشخاص من هذه التقنية لحماية المحتوى الذي يتبادلونه مع الآخرين مثل الصحافيين الذين يرغبون في حماية المواد المتبادلة (رويترز)
TT

«واتساب» يرفع مستوى حماية دردشات مليار مستخدم

سيستفيد عديد من الأشخاص من هذه التقنية لحماية المحتوى الذي يتبادلونه مع الآخرين  مثل الصحافيين الذين يرغبون في حماية المواد المتبادلة (رويترز)
سيستفيد عديد من الأشخاص من هذه التقنية لحماية المحتوى الذي يتبادلونه مع الآخرين مثل الصحافيين الذين يرغبون في حماية المواد المتبادلة (رويترز)

حصل مشتركو تطبيق «واتساب»، البالغ عددهم أكثر من مليار، على مستويات حماية أعلى للخصوصية بعد التحديث الأخير الذي أطلقته الشركة مساء الثلاثاء الماضي، حيث أصبحت جميع الدردشات الصوتية والنصية والملفات المرفقة والصور مشفرة (مرمزة) على جميع نظم التشغيل التي يدعمها التطبيق («آندرويد»، «آي أو إس»، «ويندوز فون»، «نوكيا إس40 وإس 60»، «بلاكبيري» و«بلاكبيري 10»). وسيشاهد المستخدم رسالة داخل دردشاته بعد التحديث تؤكد له أن محادثاته الفردية والجماعية وجميع الملفات المتبادلة أصبحت مشفرة. وتجدر الإشارة إلى أنه يجب أن تكون جميع الأطراف المرتبطة بالدردشة تستخدم النسخة الأحدث من التطبيق لتفعيل ميزة التشفير، مع عرض رسالة للجميع تخبرهم، في حال عدم قدرة التطبيق على التشفير، بسبب عدم تحديث أحد الأطراف للتطبيق. ويتم تفعيل هذه الميزة بشكل آلي ومباشر لدى استخدام التطبيق.
وتأتي هذه الخطوة بعد نحو شهر من إعلان تضامن الشريك المؤسس لـ«واتساب» والرئيس التنفيذي للشركة، جان كوم، مع شركة «آبل» في قضية طلب مركز التحقيقات الفيدرالي الأميركي من «آبل» تطوير آلية لإلغاء حماية هاتف مجرم للبحث عن أدلة ومعلومات مرتبطة به، الأمر الذي رفضته «آبل» حمايةً لخصوصية مستخدمي أجهزتها، والذي انتهى أخيرا بإعلان مكتب التحقيقات الفيدرالية أنه لم يعد في حاجة إلى مساعدة «آبل»، ذلك أنه وجد طريقة خاصة للوصول إلى مبتغاه.
تشفير الرسائل والملفات المرفقة يعني أنه لن يكون بمقدور أي جهة معرفة المحتوى إلا أطراف المحادثة نفسها، ولن يستطيع أحد معرفتها حتى لو كان يتنصت على المحادثة، سواء كانوا قراصنة، أم مجرمين، أم نظم مراقبة حكومية. وسيستفيد عديد من الأشخاص من هذه التقنية لحماية المحتوى الذي يتبادلونه مع الآخرين، مثل الصحافيين الذين يرغبون في حماية المواد المتبادلة مع مصادرهم وإدارة التحرير، ورواد الأعمال والمصممون والكُتّاب والموسيقيون، وغيرهم. ويمكن معرفة ما إذا كانت محادثتك مع الطرف الآخر، سواء كان فردا أم مجموعة، مشفرة بالنقر على اسم الفرد أو المجموعة ومعاينة حالة التشفير ما إذا كان مفعلا أم لا، الأمر سيظهر على شكل صورة قفل ونص يشرح ذلك.
ويستخدم «واتساب» بروتوكول «سيغنال» Signal الذي صممته شركة «أوبين ويسبر سيستمز» Open Whisper Systems، الذي يهدف إلى منع الأطراف الأخرى من استراق النظر إلى المحتوى المتبادل بين الأطراف، مع عدم قدرة الأطراف الخارجية على استخدام المفاتيح الموجودة في أجهزة المستخدم لفك تشفير المحادثات. وتبدأ عملية إيجاد المفاتيح الرقمية بتحميل الطرف الأول لمفتاح عام من الأجهزة الخادمة للشركة، وتشفير الرسالة المرغوبة وإرسالها إلى الأجهزة الخادمة التي سترسلها بدورها إلى الطرف المتلقي الذي سيفك تشفيرها باستخدام مفتاح خاص.
وينضم «واتساب» إلى قائمة متزايدة من التطبيقات التي تدعم تشفير المحادثات، مثل «تيليغرام» و«سيغنال»، وغيرهما، الأمر الذي قد يجعل بعض الحكومات تفكر في حجب هذه الخدمات بسبب عدم قدرتها على مراقبة المحتوى في حال رفضت الشركات المطورة مشاركة آلية فك التشفير. ولكن عددا من الشركات لا تستطيع مشاركة المفاتيح الرقمية، لأنها لا تعرفها، نظرا لأنه يتم صنع تلك المفاتيح وفقا لعوامل عدة مرتبطة بالمستخدمين أنفسهم، وليس الشركة المطورة، الأمر الذي نجم عنه انتقادات كبيرة في حلقات قوى الأمن الرقمي التي تبحث عن المجرمين وأدلة مرتبطة بهم لحماية أمن المجتمعات. هذا، وتشير بعض التقارير إلى أن منفذي هجمات 13 نوفمبر (تشرين الثاني) في مدينة باريس كانوا قد استخدموا تطبيقي «تيليغرام» و«واتساب» للتواصل.
ويُعتقد أن تحديث «واتساب» الجديد مرتبط بازدياد شعبية وعدد مشتركي تطبيق «تيليغرام»، الذي روّج لنفسه بأنه يقدم منصة متكاملة لمحادثات مشفرة بهدف حماية خصوصية المستخدمين، الأمر الذي كان يفتقر إليه تطبيق «واتساب».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)