المعطف الواقي من المطر.. زاد جمالاً وأناقة رغم مرور أكثر من قرن على ولادته

يقيك مزاجية الطقس وتقلبات الموضة

المعطف الواقي من المطر.. زاد جمالاً وأناقة رغم مرور أكثر من قرن على ولادته
TT

المعطف الواقي من المطر.. زاد جمالاً وأناقة رغم مرور أكثر من قرن على ولادته

المعطف الواقي من المطر.. زاد جمالاً وأناقة رغم مرور أكثر من قرن على ولادته

رجل اليوم لا يبقى في مكان واحد؛ فهو إن لم يكن شابًا مغامرًا يرغب في اكتشاف الجديد وزيارة أماكن بعيدة، فهو رجل يحب السفر ويعتبره مهمًا للتعرف على ثقافات أخرى أو للهرب من روتين الحياة اليومية أو فقط للاستجمام والتسوق. هذا الرجل يثير اهتمام صُنّاع الموضة منذ زمن، إلى حد أنهم بدأوا يغيرون بعض تفاصيلها ويفصلونها على مقاسه لنيل رضاه، بطرحهم قطعًا كلاسيكية لا تعترف بزمان أو مكان، يمكنه استعمالها خريفًا وصيفًا. أي أن تخدمه أينما كان، مع مراعاتهم أن تكون بتصاميم أنيقة وتقنيات عالية.
من هذه القطع، التي تبرز في هذا الوقت تحديدًا من كل عام، نذكر المعطف المضاد للمطر. فحلول الربيع وتفتح الأزهار على دفء أشعة الشمس، لا يعني بالضرورة تحسن الطقس وصفاءه الدائم، إذ هناك دائمًا مفاجآت، تأخذ شكل زخات مطرية بين الفينة والأخرى أو انخفاض ملموس في درجات الحرارة مساء، الأمر الذي يجعل حاجة الرجل إلى قطعة تتميز بالعملية والأناقة؛ بأن تكون خفيفة على العين، ومن ناحية الوزن أيضًا. فالخفة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار قدرة القطعة على أن ترافقه في كل وجهاته من دون أن تثقل كاهله أو حقيبة سفره. وهذا تحديدًا ما نجح فيه هذا المعطف، بالنظر إلى أنه عندما يُطوى يبدو وكأنه مجرد إيشارب من الكشمير. ولأن العديد من هذه المعاطف تُغطي الفترة الواقعة بين الربيع والصيف، وفي بعض البلدان الأوروبية، تمتد إلى الخريف والشتاء، فإن صناعها يحرصون على استعمال أقمشة تتنفس لتمنح صاحبها الانتعاش حتى وإن كانت مبطنة. قد تكون دار «بيربري» أكثر من ارتبط اسمها بهذه القطعة الأيقونية، لأنها أكثر من أبدع فيها من الناحية الجمالية، كما أنها تدخل ضمن جيناتها، مما يجعلها تعود إليها في كل موسم لتجديدها وتطويرها. وتأكيدًا منها على أهمية هذا المعطف، وكيف غزا كل الثقافات إضافة إلى ديمقراطيته، رفعت أخيرًا شعارًا قويًا يقول: «يُصنع في بريطانيا ويستعمل في كل أنحاء العالم». ديمقراطيته بالنسبة لها تعود إلى أن ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية ظهرت به في عدة مناسبات سابقًا، كما ظهر به النجم براد بيت والنجمة الفرنسية كاثرين دونوف وهلم جرا من الشخصيات العالمية. وتزامنًا مع افتتاح ثاني محل لها في «مول الإمارات» بدبي، الذي تعتبره الأكبر مساحة، 15 ألف قدم مربع، وأيضًا أهمية في المنطقة العربية، إذ ستوفر فيه الدار كل تصاميمها، إلى جانب مستحضرات التجميل والعطور، إلا أنها، من ناحية الأزياء، ستعتمد على معطفها لكسب ود زبون المنطقة. والدليل أنها ستحتفل به في فعالية ضخمة بعنوان «فن الترانش» Art of the Trench تتزامن مع افتتاح المحل، وهي فعالية تجند لها منذ العام الماضي شخصيات عربية فنية واجتماعية، لإبراز جماليته ومناسبته للبيئة العربية. فقد تكون السوق العربية الأكثر مقاومة للمعطف لحد الآن، ربما لأن فكرة معطف وواقٍ من المطر غير واردة في بيئة لا تتساقط فيها الأمطار لعدة أشهر. بيد أن الدار البريطانية العريقة مصممة على أن تغير هذه النظرة وتدخلها خزانة الرجل والمرأة في المنطقة، من باب الأناقة والألوان والأقمشة المترفة، من الصوف والقطن إلى الدانتيل والبروكار وغيرها من الخامات والألوان التي تعشقها المنطقة. الجميل أنها منحت كل شخصية ظهرت به في حملتها حرية ارتدائها بالطريقة التي تتوافق مع متطلبات حياته اليومية، لهذا ارتداها بعض الرجال مع جينز أو مع الثوب، وبعض الفتيات فوق عباءة أو قفطان أو مع فستان أو تنورة. في كل الحالات كانت النتيجة مثيرة، تؤكد قوة هذه القطعة من الناحيتين الجمالية والعملية ومرونتها، أيًا كانت الثقافة والبيئة.
هذا التنوع تحديدًا هو ما يفسر القوة المتزايدة لهذا المعطف، فنظرة خاطفة إلى السوق وصفحات المجلات، تشير إلى أنه على الرغم من التغيرات الكثيرة التي تعرضت لها الموضة عبر العقود، بقي تصميمه صامدًا لم يتغير في أساسياته، كما ظل القطعة التي يتفق عليها الأبناء مع الأجداد والآباء بالنظر إلى تاريخها الطويل. وإلى الآن فإن صورته التي تظهر على منصات ميلانو هي نفسها التي تظهر على منصات نيويورك أو باريس أو لندن، وهي أيضًا الصورة نفسها التي رسمها السيد توماس بيربري في عام 1856، وصممها من أجل المحاربين الإنجليز في الحرب العالمية الأولى. ما يفرق بين تصميمه وباقي التصاميم الحالية أنه لم يبق مصنوعًا من قماش الغاباردين الذي يتميز بخفة فضلاً عن كونه يمنح الدفء في الشتاء، ويتنفس في الصيف فقط، وأدخل عليه كريستوفر بايلي مصمم «بيربري» أقمشة أخرى مثل البروكار، الدانتيل، الصوف وغيرها، مستغلاً تطور التكنولوجيا ومحترمًا متطلبات السوق.
في عصر توماس بيربري، لم تكن هذه التكنولوجيا متوفرة، ومع ذلك فإنه كان مبتكرًا، لأن الغاباردين كان جديدًا في ذلك الوقت، حيث اكتشف أنه يحمي المزارعين من تقلبات الطقس، ففكر أن يطوعه للجنود الذين كانوا يحفرون الخنادق ليختبئوا فيها خلال الحرب، ومن تم جاء اسمه «ترانش» وتعني الخندق.
ومع ذلك، لا يمكن القول إن توماس بيربري هو أول من مصمم هذا المعطف أو فكّر فيه؛ فقد سبقه إلى ذلك تشارلز ماكنتوش الذي كان، في الحقيقة، أول من قدمه من المطاط والنايلون المقاوم للمطر. كان واسعًا بعض الشيء وطويلاً إلى الكاحل. ويبدو أن بداية القرن العشرين كان فترة حاول فيها العديد من الخياطين اكتشاف خامات جديدة. وفي حين نجح بعضهم فشل البعض الآخر، لكنهم في كل الأحوال زرعوا الفكرة وعبّدوا الطريق للمزيد من الاختبارات والتطوير ركزت غالبًا على الخامات، إما باستعمال غشاء خفيف لتغليفه من الخارج أو بإدخال ألياف طبيعية أو بطلائه بمادة الراتينغ والشمع، بينما أدخل البعض الآخر مادة النايلون، وما شابها من مواد، للرفع من قدرته على المقاومة. ولحد الآن لم تتوقف عمليات التطوير وأغلبها يتم في معامل بريطانية أو سويسرية أو إيطالية مجهزة بآليات متطورة، كما توظف حرفيين مهرة يؤمنون بضرورة إرضاء الزبون حتى يبقى راضيًا ووفيًا لها. رضا الزبون، حسب قناعتهم، يأتي بحمايتهم له من الأمطار والرياح في الخريف، والإبقاء عليه منتعشًا في الربيع والصيف، مع الإبقاء على تصميمه الأساسي. فالتغييرات هنا تشمل تعديلات طفيفة، مثل الجيوب، أو إدخال تفاصيل على شكل طيات أو تطريزات على الظهر أو تحديد الخصر والأكتاف أو اللعب بأحجام وألوان الأزرار. ورغم أن ولادته كانت في بريطانيا، فإن شعبيته امتدت لكل أنحاء العالم، وبات مصممون آخرون يتبنونه بالتدريج، بمن فيهم الإيطاليون والفرنسيون. «بريوني» الإيطالية، مثلاً، التي تخاطب الرجل الكلاسيكي، أصبحت تطرحه بتصميم واسع بعض الشيء، تمزج فيه الحرير بالنايلون، بينما تقدمه «كانالي» على شكل سترات، نظرًا لطوله القصير، وتستعمل فيه المواد نفسها مع إمكانية ارتدائه على الوجهين، أما «برونيلو كوتشينيللي» فتقدمه حاليًا من الحرير المطلي بالراتينغ وبتصميم كلاسيكي. فالملاحظ أن القاسم المشترك بين البيوت الإيطالية، من «بريوني» و«كانالي» إلى «كوتشينيللي»، أنها تطمح لإرضاء الرجل والاستحواذ على اهتمامه، وإمكانياته طبعًا، بإغناء خزانته وتوفير كل القطع التي يمكن أن يحتاج إليها، لكن من دون أن تخضه أو تخض ما تعود عليه منها من تصاميم كلاسيكية. طبعا هناك إيطاليون آخرون من أمثال جيورجيو أرماني، سالفاتوري فيراغامو وغيرهم، لم يبخلوا عليه بتصاميم أكثر جرأة من حيث تبنيها الأسلوب الشبابي الذي يتجسد في جاكيتات قصيرة أو ألوان متوهجة أو خامات من البلاستيك المعالج. العنصر الثاني الذي لا يقل أهمية، وأصبح واضحًا أكثر رغم أنه ليس جديدًا، هو الأسلوب «السبور». فأغلب المصممين يحرصون عليه حاليًا ويتبارون على التميز فيه معتمدين على التكنولوجيا. المصمم البريطاني كريستوفر رايبورن، مثلاً قدم مجموعة بالتعاون مع شركة «فيكتورينوكس» السويسرية، أقل ما يمكن وصفها به أنها مزيج من الدقة والفنية والعملية، إضافة إلى مرونة تأخذ عدة أشكال، بما في ذلك ارتداؤها بأكثر من وجه.

* همسات

- تصاميمه الكلاسيكية تركز على الألوان الداكنة والطبيعية مثل الأزرق الغامق، والكحلي والأسود والبيج بكل درجاته، بينما التصاميم الشبابية تستعمل درجات ألوان من الطبيعة مثل الأخضر والأزرق والأحمر والأصفر. ولا يقتصر استعمال هذه الألوان المتوهجة على مصممين شباب بل أيضًا على أسماء مخضرمة في هذا المجال، مثل «بيربري» و«ماكنتوش». هذه الأخيرة قد تكون بقيت مخلصة لاستعمالها القطن المخلوط بالمطاط، لكنها لم ترَ مانعًا في إضافة جرعة لا بأس بها من الألوان الفاتحة، مثل الأحمر والأصفر.
- مهما اختلفت تصاميمه، لا يمكن القول إنه غير رسمي. فمهمته أن يقي الرجل من عوامل الجو، وفي الوقت ذاته أن يحمي ما يرتديه تحته، سواء كان بدلة مفصلة من الصوف أو بلايزر من الحرير، حتى إذا وصل إلى وجهته، ظهر متألقًا.
- يمكن القول إنها القطعة الأنسب في فصل الشتاء في بلداننا العربية حيث يكون الطقس دافئا رغم المطر، كما أنها الأنسب في الدول الأوروبية في الخريف والربيع، حيث تكون أشعة الشمس خادعة، تسمح للمطر بأن يتسلل من بينها في أي لحظة دون سابق إنذار.
- رغم أنه يأتي بأطوال مختلفة، يبقى الأضمن والأكثر أناقة هو ذلك الذي يغطي الركبة ببعض سنتمترات أو يجلس فوقها ببعض السنتيمترات.
- اختياره بحزام أو دون حزام، مسألة خاصة تتعلق بذوق صاحبه، لكن لا بأس من الإشارة إلى أن الحزام يناسب الرجل القصير أكثر، بينما التصميم المنسدل دون حزام يناسب الرجل المائل إلى السمنة أو يعاني من بروز الكرش.
- قد يعتقد الرجل الطويل أنه أكثر حظًا من غيره، لكن عليه هو الآخر أن يتجنب المعطف الذي يصل إلى الكاحل أو القصير جدًا. الأفضل بالنسبة له هو أن يصل إلى الركبة.

* نبذة تاريخية
* إذا كان الفضل في تصميم المعطف الواقي من المطر كما نعرفه اليوم يعود إلى توماس بيربري، فإن فكرة طرح قطعة مضادة للمطر تعود إلى تشارلز ماكنتوش الذي نجح عام 1823 أن يخترع مادة مطاطية لاصقة جمع فيها طبقتين من الأقمشة، بهدف وقاية سائقي عربات النقل والعاملين في الأماكن المفتوحة آنذاك من المطر والبلل. للأسف لم يكن اختراعه ناجحًا مائة في المائة، إذ كانت تنتج عنه رائحة كريهة في الشتاء، وفي الصيف يلتصق بالجسم بشكل غير صحي ومريح، لهذا فقد شعبيته بحلول عام 1830. عام 1854، التقطت شركة «هيليويل» الخيط وطرحته مرة أخرى بتصاميم بوجهين، أكثر أناقة وقوة في مواجهة عوامل الطقس. ورغم أنها تختلف كثيرًا عما طرحه تشارلز ماكنتوش، فإن الشركة أطلقت عليه اسم «ماكنتوش»، وهو لا يزال مستعملاً لحد اليوم رغم أن الشركة حاليًا تملكها شركة يابانية.
- يبدو أن هذه الفترة شهدت اهتمامًا كبيرًا بهذه القطعة وتطويرها، حيث ظهر مصممون آخرون حاولوا ترك بصماتهم عليها، مثل جون إيماري الذي افتتح محل خياطة في «ريجنت ستريت» عام 1851 تحت اسم «أكواسكوتم». «أكوا» ومعناها في اللاتينية الماء، و«سكوتم» الدرع. وسرعان ما بدأت الشركة تصنع معاطف للجنود البريطانيين، وكانت تتميز بطول يصل إلى الكاحل. وكانت تحقق إقبالاً لا يستهان به لولا دخول شاب عمره 21 عامًا، واسمه توماس بيربري على الخط في عام 1856.
كان شابًا متحمسًا ويتمتع بنظرة مستقبلية ورغبة جامحة في الابتكار. ولد بيربري وشب في الريف، الأمر الذي جعله يتنبه إلى أن المزارعين كانوا يستعملون ملابس من الكتان تدفئهم شتاء وتنعشهم صيفًا، فضل أنها كانت خفيفة الوزن، ولا تحدد حركتهم ومقاومة للبلل، لأنها كانت تنكمش بمجرد تعرضها للبلل. وهكذا فكر بأن يستعملها في معاطف واقية من عوامل الطقس للجنود. عام 1870 أصبح توماس بيربري أكبر منافس لـ«أكواسكوتم»، لا سيما بعدما توصل إلى نوع من القطن المصري يُنسج بطريقة تجعله مقاومًا للمطر أطلق عليها «غاباردين» لا يتميز بخفة الوزن فحسب بل لا تنبعث منه أية رائحة عندما يتعرض للماء. الآن أصبح القطعة اللصيقة باسم «بيربري» لأنها لم تتوقف أبدًا عن تطويره وتجميله إلى حد أنه بالنسبة للمرأة يمكن أن يغني عن فستان في حفل حميم أو دعوة غداء.



الأقمشة تبرز لاعباً أساسياً في أزياء المساء والسهرة هذا الموسم

الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
TT

الأقمشة تبرز لاعباً أساسياً في أزياء المساء والسهرة هذا الموسم

الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)

في عالم الموضة هناك حقائق ثابتة، واحدة منها أن حلول عام جديد يتطلب أزياء تعكس الأمنيات والآمال وتحتضن الجديد، وهذا يعني التخلص من أي شيء قديم لم يعد له مكان في حياتك أو في خزانتك، واستبدال كل ما يعكس الرغبة في التغيير به، وترقب ما هو آتٍ بإيجابية وتفاؤل.

جولة سريعة في أسواق الموضة والمحال الكبيرة تؤكد أن المسألة ليست تجارية فحسب. هي أيضاً متنفس لامرأة تأمل أن تطوي صفحة عام لم يكن على هواها.

اقترح المصمم رامي علي لربيع وصيف 2025 قطعاً متنوعة كان فيها التول أساسياً (رامي علي)

بالنسبة للبعض الآخر، فإن هذه المناسبة فرصتهن للتخفف من بعض القيود وتبني أسلوب مختلف عما تعودن عليه. المتحفظة التي تخاف من لفت الانتباه –مثلاً- يمكن أن تُدخِل بعض الترتر وأحجار الكريستال أو الألوان المتوهجة على أزيائها أو إكسسواراتها، بينما تستكشف الجريئة جانبها الهادئ، حتى تخلق توازناً يشمل مظهرها الخارجي وحياتها في الوقت ذاته.

كل شيء جائز ومقبول. المهم بالنسبة لخبراء الموضة أن تختار قطعاً تتعدى المناسبة نفسها. ففي وقت يعاني فيه كثير من الناس من وطأة الغلاء المعيشي، فإن الأزياء التي تميل إلى الجرأة والحداثة اللافتة لا تدوم لأكثر من موسم. إن لم تُصب بالملل، يصعب تكرارها إلا إذا كانت صاحبتها تتقن فنون التنسيق. من هذا المنظور، يُفضَّل الاستثمار في تصاميم عصرية من دون مبالغات، حتى يبقى ثمنها فيها.

مع أن المخمل لا يحتاج إلى إضافات فإن إيلي صعب تفنن في تطريزه لخريف وشتاء 2024 (إيلي صعب)

المصممون وبيوت الأزياء يبدأون بمغازلتها بكل البهارات المغرية، منذ بداية شهر أكتوبر (تشرين الأول) تقريباً، تمهيداً لشهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول). فهم يعرفون أن قابليتها للتسوق تزيد في هذا التوقيت. ما يشفع لهم في سخائهم المبالغ فيه أحياناً، من ناحية الإغراق في كل ما يبرُق، أن اقتراحاتهم متنوعة وكثيرة، تتباين بين الفساتين المنسدلة أو الهندسية وبين القطع المنفصلة التي يمكن تنسيقها حسب الذوق الخاص، بما فيها التايورات المفصلة بسترات مستوحاة من التوكسيدو أو كنزات صوفية مطرزة.

بالنسبة للألوان، فإن الأسود يبقى سيد الألوان مهما تغيرت المواسم والفصول، يليه الأحمر العنابي، أحد أهم الألوان هذا الموسم، إضافة إلى ألوان المعادن، مثل الذهبي أو الفضي.

المخمل كان قوياً في عرض إيلي صعب لخريف وشتاء 2024... قدمه في فساتين وكابات للرجل والمرأة (إيلي صعب)

ضمن هذه الخلطة المثيرة من الألوان والتصاميم، تبرز الأقمشة عنصراً أساسياً. فكما الفصول والمناسبات تتغير، كذلك الأقمشة التي تتباين بين الصوف والجلد اللذين دخلا مناسبات السهرة والمساء، بعد أن خضعا لتقنيات متطورة جعلتهما بملمس الحرير وخفته، وبين أقمشة أخرى أكثر التصاقاً بالأفراح والاحتفالات المسائية تاريخياً، مثل التول والموسلين والحرير والمخمل والبروكار. التول والمخمل تحديداً يُسجِّلان في المواسم الأخيرة حضوراً لافتاً، سواء استُعمل كل واحد منهما وحده، أو مُزجا بعضهما ببعض. الفكرة هنا هي اللعب على السميك والشفاف، وإن أتقن المصممون فنون التمويه على شفافية التول، باستعماله في كشاكش كثيرة، أو كأرضية يطرزون عليها وروداً وفراشات.

التول:

التول كما ظهر في تشكيلة المصمم رامي علي لربيع وصيف 2025 (رامي علي)

لا يختلف اثنان على أنه من الأقمشة التي تصرخ بالأنوثة، والأكثر ارتباطاً بالأفراح والليالي الملاح. ظل طويلاً لصيقاً بفساتين الزفاف والطرحات وبأزياء راقصات الباليه، إلا أنه الآن يرتبط بكل ما هو رومانسي وأثيري.

شهد هذا القماش قوته في عروض الأزياء في عام 2018، على يد مصممين من أمثال: إيلي صعب، وجيامباتيستا فالي، وسيمون روشا، وهلم جرا، من أسماء بيوت الأزياء الكبيرة. لكن قبل هذا التاريخ، اكتسب التول شعبية لا يستهان بها في القرنين التاسع عشر والعشرين، لعدد من الأسباب مهَّدت اختراقه عالم الموضة المعاصرة، على رأسها ظهور النجمة الراحلة غرايس كيلي بفستان بتنورة مستديرة من التول، في فيلم «النافذة الخلفية» الصادر في عام 1954، شد الانتباه ونال الإعجاب. طبقاته المتعددة موَّهت على شفافيته وأخفت الكثير، وفي الوقت ذاته سلَّطت الضوء على نعومته وأنوثته.

التول حاضر دائماً في تشكيلات المصمم إيلي صعب خصوصاً في خط الـ«هوت كوتور» (إيلي صعب)

منذ ذلك الحين تفتحت عيون صناع الموضة عليه أكثر، لتزيد بعد صدور السلسلة التلفزيونية الناجحة «سيكس أند ذي سيتي» بعد ظهور «كاري برادشو»، الشخصية التي أدتها الممثلة سارة جيسيكا باركر، بتنورة بكشاكش وهي تتجول بها في شوارع نيويورك في عز النهار. كان هذا هو أول خروج مهم لها من المناسبات المسائية المهمة. كانت إطلالة مثيرة وأيقونية شجعت المصممين على إدخاله في تصاميمهم بجرأة أكبر. حتى المصمم جيامباتيستا فالي الذي يمكن وصفه بملك التول، أدخله في أزياء النهار في تشكيلته من خط الـ«هوت كوتور» لعام 2015.

إطلالة من خط الـ«كروز» لدار «ديور» استعملت فيها ماريا غراتزيا تشيوري التول كأرضية طرزتها بالورود (ديور)

ما حققه من نجاح جعل بقية المصممين يحذون حذوه، بمن فيهم ماريا غراتزيا تشيوري، مصممة دار «ديور» التي ما إن دخلت الدار بوصفها أول مصممة من الجنس اللطيف في عام 2016، حتى بدأت تنثره يميناً وشمالاً. تارة في فساتين طويلة، وتارة في تنورات شفافة. استعملته بسخاء وهي ترفع شعار النسوية وليس الأنوثة. كان هدفها استقطاب جيل الشابات. منحتهن اقتراحات مبتكرة عن كيفية تنسيقه مع قطع «سبور» ونجحت فعلاً في استقطابهن.

المخمل

إطلالة من خط الـ«كروز» لدار «ديور» اجتمع فيها المخمل والتول معاً (ديور)

كما خرج التول من عباءة الأعراس والمناسبات الكبيرة، كذلك المخمل خرج عن طوع الطبقات المخملية إلى شوارع الموضة وزبائن من كل الفئات.

منذ فترة وهو يغازل الموضة العصرية. في العام الماضي، اقترحه كثير من المصممين في قطع خطفت الأضواء من أقمشة أخرى. بملمسه الناعم وانسداله وألوانه الغنية، أصبح خير رفيق للمرأة في الأوقات التي تحتاج فيها إلى الدفء والأناقة. فهو حتى الآن أفضل ما يناسب الأمسيات الشتوية في أوروبا وأميركا، وحالياً يناسب حتى منطقة الشرق الأوسط، لما اكتسبه من مرونة وخفة. أما من الناحية الجمالية، فهو يخلق تماوجاً وانعكاسات ضوئية رائعة مع كل حركة أو خطوة.

تشرح الدكتورة كيمبرلي كريسمان كامبل، وهي مؤرخة موضة، أنه «كان واحداً من أغلى الأنسجة تاريخياً، إلى حد أن قوانين صارمة نُصَّت لمنع الطبقات الوسطى والمتدنية من استعماله في القرون الوسطى». ظل لقرون حكراً على الطبقات المخملية والأثرياء، ولم يُتخفف من هذه القوانين إلا بعد الثورة الصناعية. ورغم ذلك بقي محافظاً على إيحاءاته النخبوية حتى السبعينات من القرن الماضي. كانت هذه هي الحقبة التي شهدت انتشاره بين الهيبيز والمغنين، ومنهم تسلل إلى ثقافة الشارع.

يأتي المخمل بألوان غنية تعكس الضوء وهذه واحدة من ميزاته الكثيرة (إيلي صعب)

أما نهضته الذهبية الأخيرة فيعيدها الخبراء إلى جائحة «كورونا»، وما ولَّدته من رغبة في كل ما يمنح الراحة. في عام 2020 تفوَّق بمرونته وما يمنحه من إحساس بالفخامة والأناقة على بقية الأنسجة، وكان الأكثر استعمالاً في الأزياء المنزلية التي يمكن استعمالها أيضاً في المشاوير العادية. الآن هو بخفة الريش، وأكثر نعومة وانسدالاً بفضل التقنيات الحديثة، وهو ما جعل كثيراً من المصممين يسهبون فيه في تشكيلاتهم لخريف وشتاء 2024، مثل إيلي صعب الذي طوعه في فساتين و«كابات» فخمة طرَّز بعضها لمزيد من الفخامة.

من اقتراحات «سكاباريللي» (سكاباريللي)

أما «بالمان» وبرابال غورانغ و«موغلر» و«سكاباريللي» وغيرهم كُثر، فبرهنوا على أن تنسيق جاكيت من المخمل مع بنطلون جينز وقميص من الحرير، يضخه بحداثة وديناميكية لا مثيل لها، وبان جاكيت، أو سترة مستوحاة من التوكسيدو، مع بنطلون كلاسيكي بسيط، يمكن أن ترتقي بالإطلالة تماماً وتنقلها إلى أي مناسبة مهمة. الشرط الوحيد أن يكون بنوعية جيدة حتى لا يسقط في خانة الابتذال.