{وثائق بنما} تثير جدلاً عالمياً.. وبوتين أكبر الغاضبين

تورد تفاصيل معاملات لـ214 ألف شركة أوفشور في 200 منطقة > مطالب أوروبية بالتحقيق فيها وتقديم المتورطين إلى العدالة

{وثائق بنما} تثير جدلاً عالمياً.. وبوتين أكبر الغاضبين
TT

{وثائق بنما} تثير جدلاً عالمياً.. وبوتين أكبر الغاضبين

{وثائق بنما} تثير جدلاً عالمياً.. وبوتين أكبر الغاضبين

هزّ أكبر تسريب معلومات في تاريخ الصحافة الأوساط السياسية العالمية، وكشف الاسرار المالية لعدد من القادة والمسؤولين البارزين والمشاهير ونجوم الرياضة وقيامهم بتحويل اموالهم إلى ملاذات ضريبية.
وكشف تحقيق صحافي ضخم استغرق عاما كاملا في نحو 11.5 مليون وثيقة سربت من مكتب المحاماة «موساك فونسيكا» الذي يعمل في مجال الخدمات القانونية منذ أربعين عاما وله مكاتب في 35 بلدا، عن شبكة من التعاملات المالية السرية تورط فيها عدد من النخبة العالمية، من بينهم مساعدون للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأقارب الرئيس الصيني شي جين بينغ، وعدد من مشاهير الرياضة والسينما.
وكشفت جهات صحافية أمس عن جزء بسيط من هذه الوثائق، ومن المنتظر أن تستمر في نشرها في الأيام المقبلة. وأكّد «الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين»، إحدى الجهات التي أشرفت على تحليل الوثائق، أنه بالإضافة إلى الشخصيات السياسية التي كشف عنها، تحتوي أوراق بنما على بيانات تتعلق بعمليات مالية لأكثر من 214 ألف شركة أوفشور في أكثر من 200 دولة ومنطقة حول العالم. وأوردت الأوراق أسماء 33 شخصا وشركة على الأقل، مدرجين على قائمة وزارة الخارجية الأميركية السوداء بسبب تعاملاتها مع إيران و«حزب الله» وكوريا الشمالية.
وكانت صحيفة «تسود دويتشه تسايتونغ» الألمانية قد حصلت على الوثائق المسربة من مصدر مجهول، وشاركت الصحيفة التسريبات المعروفة باسم «أوراق بنما» مع «الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين»، الذي وزعه على 370 صحافيا من أكثر من سبعين بلدا من أجل التحقيق فيها في عمل مضن استمر نحو عام كامل.
ورغم أن التعاملات المالية من خلال شركات «أوفشور» لا تعتبر غير قانونية بحد ذاتها، فإنه يمكن استغلالها لإخفاء أصول عن هيئات الضرائب، وتبييض أموال يمكن أن يكون مصدرها نشاطات إجرامية، أو إخفاء ثروة تم الحصول عليها بشكل غير قانوني سياسيا.
وأظهرت الوثائق أن بنوكا وشركات ومساعدين مقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي لم يرد اسمه هو شخصيا في التحقيق، متورطون بتهريب أموال تزيد عن ملياري دولار بمساعدة من مصارف وشركات وهمية، وهو ما أكسبهم نفوذا خفيا لدى وسائل الإعلام وشركات صناعة السيارات في روسيا، بحسب «الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين». إلا أن الكرملين ندد أمس بذلك، معتبرا أن الرئيس الروسي هو المستهدف الرئيسي بها.
وقال دميتري بيسكوف السكرتير الصحفي للرئيس الروسي إنه «وعلى الرغم من عدم ظهور اسم بوتين في تلك الوثائق الاستقصائية، إلا أنه من الواضح أن الهدف الرئيسي لهذا الضخ الإعلامي هو الرئيس بوتين، لاسيما في سياق الانتخابات البرلمانية المقبلة قريباً، وكذلك في سياق المدى البعيد، أي الانتخابات الرئاسية الروسية بعد عامين».
ولم يتوقف السكرتير الصحفي للرئيس الروسي في اتهاماته لوثاق بنما عند هذا الحد، بل ذهب إلى وصفها بأنها «درجة عالية من بوتينفوبيا» أي الخوف من بوتين والعداء له. وبعد أن وصف «درجة خوف القوى الخارجية من بوتين» بأنها وصلت مستويات «يصبح من البديهي معها عدم الحديث عن روسيا وعن نشاطاتها الناجحة بشكل جيد، وتحتّم الحديث عنها بصورة سيئة فقط»، ربط بيسكوف هذه الحملة ضد بلاده والرئيس بوتين بما قال إنه «نجاح روسيا في سوريا»، معيداً إلى الأذهان أن «الوضع في مدينة تدمر على سبيل المثال أدى إلى تغير جذري في الوضع وذلك بدعم من روسيا».
ورنّ صدى الفضيحة المالية التي كشفتها «أوراق بنما» عاليا في مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وانهالت الانتقادات على المسؤولين والجهات المتورطة وتنافست الأطراف المهتمة على المطالبة بتقديمهم إلى العدالة.
وقال سيرغي ستانيشيف، رئيس كتلة الحزب الاشتراكي الأوروبي في البرلمان الأوروبي، في تصريحات مكتوبة تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منها، إن «هذه الوثائق تكشف إجرام الأغنياء على نطاق واسع ولم يسبق لها مثيل»، وأثنى على الجهة التي كشفت عن الفساد، مشددا على ضرورة تعزيز العمل الذي يقوم به الاتحاد الأوروبي لمعالجة التهرب الضريبي وغسيل الأموال.
من جهتها، رأت مجموعة الخضر في البرلمان الأوروبي أن المعلومات التي تم الكشف عنها مؤخرًا يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار لإجراء مراجعة كاملة وشاملة للقواعد الأوروبية في مجال التهرب الضريبي، وأوضحت أنه «تجب معاقبة المصارف التي ترفض التعاون، والتشديد على الشفافية في التعامل مع حسابات الشركات وفروعها، ومنع استخدام الشركات الوهمية لتجنب الضرائب». كما طالبت بتحويل اللجنة البرلمانية الخاصة بالضرائب إلى لجنة تحقيق تملك كل الوسائل والآليات اللازمة لكشف الحقائق.
بدورها، اتهمت إيفا جولي، نائبة رئيس لجنة الضرائب في البرلمان الأوروبي، السياسيين والقادة الأوروبيين بـ«التواطؤ»، فـ«رغم علمهم بمدى اتساع عمليات التهرب الضريبي، فهم يرفضون اتخاذ ما يلزم من إجراءات». ولفتت النظر إلى قيام كثير من المصارف الموجودة في لوكسمبورغ وبريطانيا بالانخراط في عملية التهرب الضريبي.
وفي باكستان، دافعت عائلة رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف عن امتلاكها لشركات أوفشور بعد أن ورد اسمها في وثائق بنما. وجاء في تلك التسريبات أن السجلات تظهر تورط ثلاثة من أبناء نواز شريف الأربعة، بينهم مريم التي يعتقد أنها ستكون خليفته السياسية، وحسن وحسين اللذان تظهر السجلات أنهما تملكا شركة عقارية في لندن من خلال شركات أوفشور أدارها مكتب المحاماة.
وقال حسين ابن شريف لإذاعة «جيو»، أكبر إذاعة خاصة في البلاد، بأن عائلته «لم ترتكب أي خطأ». وقال: «هذه الشقق لنا، وشركات الأوفشور هذه أيضا لنا». وأضاف: «ليس هناك ما يعيب فيها، ولم أخفها أبدا ولست بحاجة إلى إخفائها».
من جهته، وعقب اتهامه في التورط في التهرب الضريبي، واجه رئيس وزراء أيسلندا سيغموندور ديفيد غونلوغسون انتقادات ودعوات للاستقالة. فقد كشفت الوثائق عن امتلاك غونلوغسون سندات بنوك بملايين الدولارات خلال الأزمة المالية التي كانت تعاني منها بلاده، عندما انهار النظام المالي للبلاد واضطرت البنوك إلى طلب مساعدة إنقاذ مالية. ودعت رئيسة الحكومة الأيسلندية السابقة يوهانا سيغوردادوتير، إلى استقالته. وسلّطت التحقيقات الضوء كذلك على عائلات عدد من كبار المسؤولين الصينيين، من بينهم الرئيس. وقالت: إنهم استخدموا ملاذات أوفشور آمنة لإخفاء ثرواتهم.
من جانبه أكد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أمس أن ما كشفته التحقيقات الأولى عن الملاذات الضريبية سيؤدي إلى تحقيقات في فرنسا، شاكرا الذين كشفوا هذه المعلومات، متوقعا أن تجني خزينة الدولة منها «موارد ضريبية». في غضون ذلك، أعلنت حكومة بنما أنها «لا تتساهل» مع أي صفقات مشبوهة، واعدة بـ«التعاون القوي» مع أي تحقيق قانوني.
في السياق ذاته، ذكرت صحيفة «لا ناسيون» الأرجنتينية التي شاركت في التحقيق أن الرئيس الأرجنتيني ماوريسيو ماكري كان عضوا في مجلس إدارة شركة أوفشور مسجلة في جزر الباهاماس، لكن الحكومة الأرجنتينية أكدت أول من أمس أن الرئيس «لم يساهم أبدأ في رأسمال هذه الشركة»، بل كان «مديرا عابرا» لها.
ومن بين الشخصيات التي ورد ذكرها في التحقيق لاعبا كرة القدم ميشال بلاتيني، وليونيل ميسي، والرئيس الأوكراني بترو بوروشنكو، إلى جانب الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) الذي لم يستفق بعد من الفضائح المتتالية التي هزت أعلى هرمه في الأشهر الأخيرة. وبرز اسم ميشال بلاتيني الذي استعان بخدمات مكتب المحاماة في 2007 عندما تولى رئاسة الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، لتأسيس شركة في بنما.
وتعليقا على هذه المعلومات قال بلاتيني في بيان بأن المرجع في هذه القضية هو «إدارة الضرائب في سويسرا، بلد إقامته الضريبية منذ 2007».
وتشمل الوثائق معاملات جرت على مدى أكثر من أربعة عقود (1977 - 2005) لشركات تولى تسجيلها مكتب المحاماة البنمي، ومن بينها معاملات أجراها يان دونالد كاميرون، والد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون والذي توفي في 2010. وأخرى أجراها موظفون مقربون من الرئيس الفنزويلي الراحل، هوغو تشافيز.
وطالبت هيئة الإيرادات والجمارك البريطانية بنسخة من البيانات المسربة، حتى يتسنى لها فحص المعلومات، فيما انهالت الانتقادات على رئيس الوزراء. وقالت جيني جرانجر، المديرة العامة للإنفاذ بالهيئة في بيان: «تلقينا بالفعل كما كبيرا من المعلومات عن شركات المعاملات الخارجية.. وطلبنا من الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين أن يقدم لنا البيانات المسربة التي حصل عليها. سنفحص هذه البيانات عن كثب وسنتعامل معها بسرعة وعلى نحو ملائم».
وعمل أكثر من 500 بنك والفروع والشركات التابعة لها مع مكتب «موساك فونسيكا» منذ السبعينات لمساعدة العملاء على إدارة شركات أوفشور. وساعد بنك «يو بي إس» في تأسيس أكثر من 1100 شركة، بينما أسس بنك «إتش إس بي سي» وفروعه أكثر من 2300 شركة.
وقال: «الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين» بأنه من حيث الحجم فإن «أوراق بنما» هي على الأرجح «أكبر تسريب للمعلومات في التاريخ».



أورتيغا وزوجته يشددان قبضتهما على نيكاراغوا

دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
TT

أورتيغا وزوجته يشددان قبضتهما على نيكاراغوا

دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)

في إطار سعيهما لتعزيز قبضتهما على السلطة، يهاجم رئيس نيكاراغوا دانيال أورتيغا ونائبته وزوجته روزاريو موريو الكنيسة الكاثوليكية، بعدما عملا على سجن أو نفي شخصيات معارضة.
بدأ المقاتل السابق في جبهة التحرير الوطني الساندينية، بدعم قوي من زوجته، بالتأسيس لاستمرارية في السلطة منذ عودته إليها في عام 2007. وسمحت تعديلات دستورية في العامين 2011 و2014 برفع الحظر المفروض على إعادة انتخاب الرئيس، الذي كان منصوصاً عليه سابقاً في الدستور، حسبما تقول عالمة الاجتماع إلفيرا كوادرا التي تعيش في المنفى في كوستاريكا.
وتشير كودارا لوكالة «الصحافة الفرنسية» إلى أن أورتيغا (76 عاماً) «حوّل بذلك شكل الحكومة التي نصّ عليها الدستور» من أجل الانتقال إلى نظام «استبدادي» يضع «صنع القرار المطلق في أيدي الثنائي الرئاسي».
ومنذ القمع الدامي لاحتجاجات عام 2018 التي كانت تُطالب باستقالة الزوجيْن، تمرّ نيكاراغاوا بـ«أزمة مطوّلة لا يمكن تخطّيها» لأن أورتيغا وزوجته «أكّدا استمراريتهما في السلطة خلال انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2021. ومن خلال مأسسة الدولة البوليسية».
وأُعيد انتخاب أورتيغا لولاية رابعة على التوالي خلال انتخابات غاب عنها جميع منافسيه الأقوياء المحتملين، بسبب اعتقالهم أو إرغامهم على العيش في المنفى.
ولطالما دان المجتمع الدولي أفعال النظام في نيكاراغوا. وطالبت منظمة الدول الأميركية، أول من أمس الجمعة، الحكومة في نيكاراغوا بوقف «المضايقات والقيود التعسّفية» بحق المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام والمنظمات الدينية والمعارضين. وطالبت أيضاً بـ«الإفراج الفوري عن السجناء السياسيين الذين يُقدّر عددهم بنحو 190».
ويعتبر المحلل والنائب السابق في نيكاراغوا إيليسيو نونييز، الذي يعيش هو أيضاً في المنفى، أن جبهة التحرير الوطني الساندينية «تنتقل من موقع الحزب المهيمن إلى موقع الحزب الواحد (...) مع خلق عبادة شخصية لا مثيل لها حالياً في أميركا اللاتينية».
ومنذ عام، تمّ اعتقال 46 معارضاً أو مجرد منتقد للحكومة وحُكم عليهم بالسجن لفترات تصل إلى 13 عاماً. وكان سبعة منهم يريدون الترشّح إلى الرئاسة.
- قمع الإعلام
وكانت وسائل الإعلام أيضاً من الأهداف الأولى للسلطة.
لم تعد صحيفة «لا برينسا» La Prensa، التي كانت تنشر نسخة ورقية، موجودة إلّا على الإنترنت، بعدما اختار صحافيوها المنفى خوفاً من الاعتقال، وذلك عقب مصادرة مقرّها وزجّ مديرها لورينزو هولمان بالسجن.
وأغلقت السلطات أيضاً المحطة التلفزيونية التابعة للكنيسة الكاثوليكية في نيكاراغوا، بالإضافة إلى عدة إذاعات في أبرشيات مختلفة، وعشرات وسائل الإعلام المستقلة.
في 15 أكتوبر (تشرين الأول) 2020. أصدرت نيكاراغوا تشريعاً يستهدف الذين يتلقون أموالاً من الخارج ويفرض تسجيلهم لدى السلطات بصفة «عملاء أجانب». وأثار هذا القانون انتقادات المجتمع الدولي لما يشكله من خطر على الصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان.
وبموجب هذا القانون، اعتبرت أكثر من ألف مؤسسة ومنظمة غير حكومية كان بعضها يكرّس عمله للدفاع عن حقوق الإنسان، غير قانونية. وأغلقت جامعات خاصة ومنظمات ثقافية بين عشية وضحاها.
في يوليو (تموز) اضطرت راهبات مجمّع الإرساليات الخيرية الذي أسسته الأم تيريزا، إلى الرحيل من نيكاراغوا، وطُردن كأنّهن «منبوذات»، حسبما قال مركز نيكاراغوا للدفاع عن حقوق الإنسان.
- «كنيسة صامتة»
وتُظهر الكنيسة الكاثوليكية نفسها على أنها آخر معقل يحمي من الإجراءات التعسّفية. لكن الموالين للحكومة يعتبرون الكهنة والأساقفة الذين ينتقدون النظام «أنبياء مزيّفين».
ومنعت الشرطة أسقف ماتاغالبا (شمال شرق) المونسنيور رولاندو ألفاريز من التنقّل، منذ 4 أغسطس (آب)، مما يعكس ذروة الأزمة مع نظام يسعى إلى إسكات رجال الدين في الكنيسة الكاثوليكية المحلية لقمع أصوات المعارضة.
وقال ألفاريز في إحدى عظاته: «لطالما أرادت الحكومة كنيسة صامتة، لا تريدنا أن نتكلّم وأن نندّد بالظلم».