فنان فلسطيني يرسم على الصبّار حكايات شعبه ومآسيه وصموده

يعبر عن نضالات شعبه ضد الاحتلال دون الالتفات للسطح الشائك

الفنان أحمد يرسم على شجر الصبار
الفنان أحمد يرسم على شجر الصبار
TT

فنان فلسطيني يرسم على الصبّار حكايات شعبه ومآسيه وصموده

الفنان أحمد يرسم على شجر الصبار
الفنان أحمد يرسم على شجر الصبار

اعتاد الجمهور على رسم الصبار كرمز لمأساة الفلسطيني، ولكن لم يعتد الرسم على الصبار، كما يفعل أحمد محمد كامل ياسين، من بلدة عصيرة الشمالية، قرب نابلس، الذي يدرس في سنته الأخيرة بكلية الفنون الجميلة في جامعة النجاح الوطنية بمدينة نابلس.
طوال فترة دراسته يرسم على لوحات من القماش، وورق، لكن مع متابعته لتطور تقنيات الرسم التصويري في العالم عبر الإنترنت، والتقدم والإبداع الذي وصل إليه الفنانون في العالم، شعر بأهمية الابتكار، ولكن من وحي البيئة الفلسطينية، وبما يعكس قضاياها، فكان الخيار بالرسم على الصبار، الذي هو رمز للصمود الفلسطيني، فأينما وجد الصبار، فإنه لا بد أن فلسطينيًا في المكان، أو كان.
يقول ياسين: «كانت تهجسني على الدوام فكرة تغيير سطح الرسم التقليدي كالقماش والورق، فوجدت في نبتة الصبار ضالتي، خصوصًا أنها نبتة معمرة، ومقاومة للجفاف، فوجدت فيها سطحي الجديد الذي أعبر برسوماتي عليه عن قضية شعبي»، مضيفًا: «حين كنت صغيرًا كنت أرسم على الورق، وبرزت موهبتي في المدرسة.. في البدايات كنت أخاف من الرسم بالألوان، وبعد أن أنهيت الثانوية العامة، لم أتردد للحظة في الالتحاق بكلية الفنون الجميلة، خصوصًا في تخصص الرسم التصويري الذي يستهويني، ودعمتني أسرتي في خياري الأكاديمي هذا، كما دعمني أساتذتي لاحقًا».
وأشار ياسين إلى تأثره بالفنان العالمي مايكل أنجلو، الذي اشتهر نحاتًا في الأساس، حيث كان يشدد على أنه كان يرى منحوتاته داخل الحجارة قبل تكوينها، وأن هذه المنحوتات تناديه ليخرجها ويشكلها كما كانت داخل الحجارة.
ويقول ياسين: «حين كنت أنظر إلى ألواح الصبار، كنت أشعر أن ثمة أناسًا يصرخون من داخلها، هم سكان الصبار، وما فعلته هو إخراج سكان الصبار، كما كان مايكل أنجلو يخرج سكان الحجارة.. صحيح أنني رسمت ما يتعلق بالقضية الفلسطينية من رموز، كمفتاح العودة، والوجوه المليئة بالتجاعيد، لكني رسمت أيضًا ما يدخل في إطار كوني».
ياسين الذي ابتكر هذه الطريقة في الرسم على الصبار يعبر عن نضالات شعبه ضد الاحتلال، باستخدام ألوان (الأكريليك)، دون الالتفات لأية معوقات قد يتسبب بها السطح الشائك، حيث يتعمد إزالة البروز الشوكي للصبار قبل الرسم على ألواحه.
وتستغرق الرسمة على لوح الصبار الواحد، حسب ياسين، ما بين ساعتين إلى نهار كامل، حسب تعقيدات الرسمة، وأبعادها ما إذا كانت أحادية أو ثنائية أو حتى ثلاثية، كتلك اللوحة التي تبدو كمدخل باب عتيق، ثبّت في داخلها مفتاحًا عملاقًا لمنزل كان فلسطينيًا، مفتاحًا حقيقيًا لأحد اللاجئين الحالمين بالعودة إلى ديارهم التي هجروا منها عنوة على يد العصابات الصهيونية عام 1948، ليخرج بلوحات على ألواح الصبار تحاكي مأساة اللجوء، وحكايات النكبة، والنكبات المستمرة والمتواصلة بفعل سياسات الاحتلال الإسرائيلي.
ويطمح ياسين إلى المشاركة في فعاليات ومعارض دولية، تجعل منه فنانًا معروفًا على مستوى عالمي، وتمكنه من نقل موهبته، وقضية شعبه إلى العالم، عبر تقنية الرسم على ألواح نبتة الصبار المرنة، في مساحة جديدة للتعبير الفني.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».