معركة سياسية في الكونغرس بعد منح واشنطن طهران الضوء الأخضر للتعامل بالدولار

سياسيون وخبراء ماليون أميركيون لـ «الشرق الأوسط» : الإجراء يضفي الشرعية على واحدة من أسوأ الجهات المالية في العالم المتورطة بتمويل الإرهاب

معركة سياسية في الكونغرس بعد منح واشنطن طهران الضوء الأخضر للتعامل بالدولار
TT

معركة سياسية في الكونغرس بعد منح واشنطن طهران الضوء الأخضر للتعامل بالدولار

معركة سياسية في الكونغرس بعد منح واشنطن طهران الضوء الأخضر للتعامل بالدولار

منحت الولايات المتحدة الضوء الأخضر على ما يبدو أمام إيران للتعامل بالدولار الأميركي، رغم معارضة شديدة من الكونغرس بعد الاتفاق النووي الذي أبرم مع واشنطن ودول الغرب الكبرى السنة الماضية للحد من برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات عنها.
ولم يعد مفاجئا تراجع أوباما عن وعود كان قطعها للشعب الأميركي والكونغرس على حد سواء. وآخرها هي عدم السماح لإيران بالتعامل بالدولار الأميركي. ولكن هناك إشارات من وزارة الخزينة قد تطيح بتلك العقوبة وتسمح للمصارف الإيرانية بالتعامل بالدولار.
في كلمة ألقاها بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، بواشنطن حذر وزير الخزانة الأميركي جاك ليو من الإفراط في استخدام العقوبات المالية التي يمكن أن تضعف دور الولايات المتحدة والدولار في الأسواق العالمية.
وعندما سئل وزير الخزانة جاك ليو من قبل الكونغرس قبل نحو أسبوعين عن توضيحات حول استعداد إدارة أوباما السماح لإيران بالاستفادة من النظام المالي في الولايات المتحدة أو التعامل بالدولار، رفض الوزير الإجابة عن هذا السؤال مع أنه كان أكد للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ في يوليو (تموز) أن بنود الاتفاق النووي (JCPOA) لن تمنح إيران استعمال النظام المالي الأميركي.
ولكن ليو قال مساء الأربعاء في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: «يجب أن نكون واعين للمخاطر التي ينطوي عليها الإفراط في استخدام العقوبات الذي يمكن أن يضعف موقفنا القيادي في الاقتصاد العالمي وفاعلية العقوبات نفسها». في المقابل قال إنه يجب عدم الانسياق «بسهولة» وراء فرض العقوبات.
وأقر الوزير بأن واشنطن يجب أن تكون «مستعدة لتخفيف العقوبات عندما تعطي نتيجة» رغم أن الأمر صعب في حالة إيران.
ما إن أنهى الوزير ليو كلامه حتى علت الأصوات المعترضة على هذا التغيير الخطير في نهج الإدارة الأميركية التي كانت قطعت وعدا على الكونغرس بعدم إزالة العقوبات المفروضة على إيران في شأن التعامل مع المصارف الأميركية أو حتى التعامل بالدولار.
يقول ماريك دوبوفيتز مدير مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات لـ«الشرق الأوسط»: «إن هذا الإجراء من شأنه أن يضفي الشرعية على واحدة من أسوأ الجهات المالية غير المشروعة في العالم المتورطة بشدة في صناعة الصواريخ الباليستية وتمويل الإرهاب وغسل الأموال. كما أن هذا القرار يعد هبة أخرى من إدارة باراك أوباما أحادية الجانب. وفي المقابل لم تقدم طهران أي تنازلات متبادلة».
في رسالة إلى الرئيس أوباما الأسبوع الماضي، قال النائب براد شيرمان نائب كاليفورنيا الديمقراطي: «إن السماح لإيران بالتعامل بالدولار في الأعمال التجارية مع إيران «من الواضح أنها غير مطلوبة» في الاتفاق النووي. مضيفا أن هذا القرار يشكل سابقة سيئة، وأنها لن تكون المرة الأخيرة التي يتلقى الإيرانيون مساعدة إضافية من إدارة البيت الأبيض.
يقول دوبوفيتز وهو واحد من منتقدي الاتفاق النووي «بعد الإفراج عن مئات المليارات من الدولارات من قبل الرئيس أوباما لصالح نظام ما زال يمارس الإرهاب على صعيد دولي ويتحدى الاتفاقات التي وقع عليها والتي يمتنع بموجبها عن الاستمرار بإطلاق تجاربه الصاروخية فمن شأن توجه إدارة الرئيس أوباما أن يفقد واشنطن ورقة ضغط أساسية تستطيع فيها استهداف برنامج إيران والحرس الثوري لتمويل الإرهاب».
وتابع: «سيسمح هذا الإجراء بمتابعة طهران برنامجها الصاروخي من دون الخوف من عقوبات موجعة، كما من شأنه تمكينها من الاستمرار في زعزعة استقرار المنطقة من خلال دعمها المالي لنظام الأسد و«حزب الله» تحديدا لا حصرا».
وأضاف دوبوفيتز: «إنه إذا كانت إدارة أوباما ستمنح إيران التعامل بالدولار - أهم عملة في العالم - فعقوبات الولايات المتحدة على إيران سوف تقوض بشكل كبير دون الحصول على أدنى مقابل من الجهة الإيرانية».
وبحسب باتريك كلوسون مدير الأبحاث في معهد واشنطن المتخصص بشؤون الشرق الأوسط فإن تصريحات وزير الخزانة تكشف عن «معركة سياسية داخلية مع الكونغرس».
ورأى أن فتح الباب أمام تخفيف العقوبات عن إيران «سيكون صعبا للإدارة». وتدخل وزير الخزانة لا يهدف سوى إلى «منع الكونغرس من فرض عقوبات جديدة» على إيران.
وأكد أنه إذا كانت الإدارة تعتبر أن «لديها مشكلة مع نظام العقوبات وصعوبات في رفعها بعد التزام دولة ما بالتعهدات، فعليها الحديث مثلا عن بورما» مذكرا بأن الكثير من العقوبات لا تزال مفروضة على هذا البلد رغم عملية إرساء الديمقراطية فيه.
وفي تصريحات لباتريك كلاوسون بشأن التداعيات المحتملة لسماح الولايات المتحدة لحكومات وبنوك أجنبية باستخدام الدولار الأميركي في تعاملاتها مع إيران يقول كلاوسون الذي شغل منصب كبير الخبراء الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لـ«الشرق الأوسط» إذا استطاعت الشركات الإيرانية تسمية وارداتها وصادراتها بعملة الدولار، فسوف يكون من الأسهل عليها تنفيذ عملياتها التجارية. وفي حين لا تضع الولايات المتحدة قيودا على استخدام الدولار في العمليات التجارية، مثلا في السلع الطبية والغذائية، تضع قيودا على استخدام الدولار في مبيعات الحكومة الإيرانية من النفط - مما يعني أن بيع النفط سيصبح أصعب على الشركة الوطنية الإيرانية للنفط. وفي أي سوق للنفط، يتوفر فيه النفط الخام، تصبح تلك مشكلة خاصة للشركة الوطنية الإيرانية للنفط، نظرا لأن المشترين يمتلكون خيارات كثيرة، وليس عليهم شراء النفط الإيراني، حيث يمكنهم التحول إلى جهة أخرى. وهكذا يصبح على إيران أن تقدم تخفيضات في السعر، وأن تبيع أقل. وبالتالي تنخفض عائدات الشركة الوطنية الإيرانية للنفط مما ينعكس بدوره في قلة العائدات التي تحصل عليها الحكومة الإيرانية. وإذا استطاعت الشركة الوطنية الإيرانية للنفط تسمية مبيعات النفط بالدولار فسوف تحصل على عائدات أكبر، وبالتالي سوف تحصل الحكومة الإيرانية على عائدات أكبر.
وأضاف كلاوسون الذي أدلى بشهادات أمام لجان الكونغرس لأكثر من عشرين مرة، وعمل كشاهد خبير في أكثر من ثلاثين قضية فيدرالية ضد إيران» يسري المنطق ذاته على كثير من التعاملات الأخرى التي يتم تسميتها بعملة الدولار. أحد الأمثلة المهمة على ذلك هو: التأمين. تشير الطريقة التي يعمل بها سوق التأمين العالمي في مجال التأمين التجاري إلى عدم وجود شركة ترغب في تحمل المخاطر الكاملة بتقديم بوليصة تأمين بقيمة مليار دولار على إحدى ناقلات البترول عند دخولها إلى الميناء. يتطلب الميناء عادة وضع مليار دولار للتأمين في حالة ألحقت الناقلة ضررا كبيرا بالميناء. لذلك يتم توزيع أو الاشتراك في المخاطر بين مجموعة من شركات التأمين. وفي العموم تتم «إعادة التأمين» بعملة الدولار. لذلك من الصعب العثور على شركات أخرى تهتم بالانضمام إلى تحمل تلك المخاطر إذا لم تكن تستخدم الدولار. وتلك نقطة مهمة أخرى، حيث عادة ما تتم الأنشطة التجارية بعملة الدولار، والتي كانت أصعب وأكثر تكلفة على إيران، وسوف تصبح في الوقت الحالي أيسر وأكثر نفعا على الجانب المالي.
وفي سؤاله حول تأثير التعاملات بالدولار على توفر مزيد من المال للحكومة الإيرانية، والذي يعني امتلاك الحكومة الإيرانية لمزيد من المال زيادة احتمالية دعمها للإرهاب قبل أي شيء. يقول كلاوسون إن أحد الأسباب الرئيسية لوقوع إيران في صعوبات حال عودتها إلى الاندماج في النظام المالي العالمي هو وجود مخاوف كثيرة من أن البنوك الإيرانية لا تطبق إجراءات من النوع الذي تم تطويره على مدار الأعوام الخمسة عشر الأخيرة لمواجهة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وهي إجراءات لمكافحة غسل الأموال AML ومكافحة تمويل الإرهاب. وهناك إجراءات كثيرة تم تطويرها للتأكيد على معرفة المؤسسات المالية بعملائها لضمان عدم استخدامهم كواجهة للقائمين على غسل الأموال أو تمويل الإرهاب. ولكن لا تطبق المؤسسات الإيرانية تلك الإجراءات. كما أن محافظ البنك المركزي الإيراني ذاته اعترف بأنهم ليس لديهم الإجراءات التي تفي بتلك المعايير الحديثة.
في الواقع، إيران واحدة من دولتين فقط، الثانية هي كوريا الشمالية، في قائمة مراقبة فريق العمل المعني بمكافحة غسل الأموال - وهي مجموعة ترصد أكثر من 36 دولة من بينها روسيا والصين والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وكندا والولايات المتحدة واليابان وأستراليا. وتشترك جميعها في الشعور بالقلق من أن إيران لا تطبق الإجراءات المناسبة للتعرف على العملاء، والتي كانت ستعطي الثقة في أن البنوك الإيرانية لا تعمل وسيطا لغسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وعن إمكانية حدوث خلاف في الكونغرس حول هذا التحول الجديد المحتمل يقول مدير الأبحاث في معهد واشنطن «عندما أدلى وزير الخزانة ليو بشهادته، لم يقدم إجابة مباشرة على سؤال طرح عليه بما إذا كانت الإدارة تدرس إنهاء الحظر على التعاملات الدولية، وقد أدى ذلك إلى توجيه انتقادات حادة، ومنها مقال نشر في «وول ستريت جورنال» وغيره، حيث تم إلقاء اللوم على الإدارة الأميركية بسبب عدم اتخاذها موقفا صارما. وذلك عندما لم يجب على السؤال. ولكني أقرأ عدم إجابته على الأسئلة في سياق ذلك الحوار الغاضب بينه وبين رئيس اللجنة رويس. ومع ذلك أعترف بأنني أرجو أن توضح الإدارة موقفها. لقد طرح هذا السؤال أيضا في وزارة الخارجية، ومرة أخرى كانت الإجابة متلاعبة، إذ قالوا: «اذهبوا واسألوا وزارة الخزانة، ولا تسألونا». أرجو أن تخرج الحكومة ببيان واضح حول ذلك الأمر. لقد أصبح البعض يفسرونه كإشارة على أن الولايات المتحدة تدرس السماح باستخدام عملتها الدولار في التعاملات مع إيران. وذلك من المؤكد سيتم استغلاله من المعارضين في الكونغرس لأن ليو وعددا من المسؤولين الآخرين أكدوا في الصيف الماضي أنه لن يحدث. وعن حق رجوع الكونغرس عن هذه الخطة أكد كلاوسون أن الكونغرس يستطيع إقرار التشريعات. والتصرف العام للإدارة في مثل تلك الأمور هو القول إن سلطة الكونغرس يجب أن تظل بعيدة وأنها تحتاج إلى مرونة لإقرار تلك القضايا بمفردها.
وأفاد مسؤولون أميركيون وفقا لوكالة أنباء «أسوشيتد برس» عن أن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما قد تبلغ الحكومات الأجنبية والبنوك ببدء استخدام الدولار في بعض الحالات لتسهيل الأعمال التجارية مع طهران.
ومع عدم صدور قرار رسمي تحدثت مصادر مطلعة عن دراسة وزارة الخزانة الأميركية لإصدار تصريح عام يسمح للمؤسسات المالية بالوصول للدولار من أجل تداول العملات الأجنبية، لدعم ما وصف بالتجارة المشروعة مع إيران.
وذكرت المصادر أن «هذا التصريح سيلغي حظرًا استمر لعدة سنوات تعهدت الإدارة الأميركية بالإبقاء عليه خلال دفاعها عن الاتفاق النووي أمام المشرعين والعامة المشككين في الاتفاق».



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.