مهندسون شباب يربطون العراق بالعالم عبر شبكات إنترنت متطورة

المهندس خالد وليد: لأول مرة يستخدم المواطن العراقي الأقمار الصناعية مباشرة لأغراض الاتصالات

فريق مهندسي الشركة وجميعهم من الشباب («الشرق الأوسط»)
فريق مهندسي الشركة وجميعهم من الشباب («الشرق الأوسط»)
TT

مهندسون شباب يربطون العراق بالعالم عبر شبكات إنترنت متطورة

فريق مهندسي الشركة وجميعهم من الشباب («الشرق الأوسط»)
فريق مهندسي الشركة وجميعهم من الشباب («الشرق الأوسط»)

عندما تتطلع إلى بغداد وبقية المدن العراقية من الجو سوف ترى غابة من الهوائيات المختلفة الارتفاع قائمة فوق أسطح الأبنية، تلك هي الهوائيات التي تنقل خدمات الإنترنت للمشتركين بطرق تقليدية يشوبها كثير من العوائق، حيث الانقطاعات والتأخير وعدم الوضوح في أفضل الحالات، فهذه الطريقة هي السائدة منذ سنوات لحل مشكلة التواصل عبر الشبكة العنكبوتية في عموم العراق.
لكن اليوم صار بإمكان العراقيين القفز إلى مرحلة تكنولوجية متطورة في عالم الاتصالات عبر الإنترنت، وذلك بالتواصل مع العالم عبر الأقمار الصناعية مباشرة دون الحاجة لخدمات الكابل الضوئي ذات الخدمات المحدودة في العراق، ودون الحاجة إلى المرور من خلال أساليب تقليدية تتلخص في الاعتماد على الهوائيات التي توفر شبكات توزع خدمات الإنترنت للمشتركين المحليين.
والمعروف أن الشباب العراقيين هم من أوجدوا حلولا للاتصال عبر الإنترنت منذ 2003، وعبر طرق وأساليب معقدة، واليوم يعود الشباب ذاتهم لإيجاد طرق أكثر حضارية تتناسب ومتطلبات عصر السرعة، حيث تمكن عدد من الشباب العراقيين من تأسيس شركة لتكون وكيلة واحدة من كبرى شركات الاتصال الإماراتية «ياه سات» التي لها ثلاثة أقمار صناعية خاصة بالاتصالات، لتوفر للعراقيين إمكانية الاتصال بالأقمار الصناعية مباشرة للحصول على خدمات متطورة في مجال الإنترنت.
ويقول مهندس الاتصالات ونظم الكومبيوتر، الشاب خالد وليد طه، المفوض لشركة «سكاي أوروبت» لـ«الشرق الأوسط» في بغداد وباعتباره الوكيل الحصري لشركة «ياه سات» في العراق: «لقد فكرت مع مجموعة من المهندسين العراقيين الشباب أن نبحث عن سبل متطورة لربط العراق بالعالم من خلال تقديم خدمات حديثة تقنيا في مجال الإنترنت الذي بقي حكرا للشباب، لكن بسبب الأوضاع الاقتصادية والأمنية الصعبة في البلد وانشغال أصحاب رؤوس الأموال الضخمة بمجالات الاستثمارات التقليدية التي تدر عليهم أرباحا سهلة وسريعة، مما أبعدهم عن الاستثمار في مجالات الاتصالات؛ فكرنا نحن بالدخول إلى هذا المجال الحيوي والاستثمار في المستقبل وكخدمة نقدمها إلى مستخدمي الإنترنت الذي بات اليوم شريان الاتصالات في العالم».
وأضاف طه قائلا «لهذا قررنا القفز نحو المستقبل وإدخال أحدث التقنيات في هذا المجال، ألا وهو توفير خدمات الإنترنت عبر الأقمار الصناعية فأطلقنا خدمات (ياه كليك)»، منوها بأن «هذه الخدمات الحديثة متوفرة في عدد من دول عالمنا العربي، خصوصا في الخليج العربي والعالم، لكنها بالتأكيد تعد حديثة ومتطورة في العراق، إذ لا يزال المستهلك يعتمد على خدمات الكابل الذي وصل إلى مناطق محددة من العراق، ولم يصل إلى البيوت والشركات، لهذا تعمد شركات الإنترنت إلى تزويد خدمة الإنترنت للمستفيدين من خلال هوائيات عالية تزود المستهلكين بذبذبات من خلال شبكات أصغر حتى تصل إلى المشتركين، وهي في ذلك تخسر كثيرا من جودة الاتصال وسرعته، إضافة إلى تكاليف نصب الهوائيات العالية والشبكات الفرعية، بينما توفر خدمات قمر (ياه سات) وعبر نظام (ياه كليك) خدمة اتصال مباشرة من القمر الصناعي (الستلايت) الذي يغطي عموم العراق إلى أجهزة الكومبيوتر في الشركات والمؤسسات والبيوت عبر صحن لاقط صغير كما هو معمول به في التقاط إشارة البث التلفزيوني، أي أنها خدمة مباشرة وسريعة وغير مكلفة».
وأضاف أن «مثل هذه الخدمات كانت تكلف كثيرا، إذ إن سعر منظومة «الستالايت» كانت تكلف أكثر من ثلاثين ألف دولار، وبجودة أقل كثيرا عن المنظومة المختصرة الحديثة التي لا يتجاوز سعرها مائتي دولار وبكفاءة متطورة للغاية، خصوصا أن هذه الاتصالات لا تتعرض للانقطاعات أو التشابك»، مشيرا إلى أن «أهمية (ياه كليك) تكمن حاليا في العراق، وبالإضافة إلى استخدامها من قبل الشركات العملاقة والمؤسسات الشركات المتوسطة والاستخدامات الشخصية فإنها مهمة في المناطق البعيدة التي لم تصلها خدمات الكابل الضوئي الذي يكلف إيصاله لهذه المناطق مبالغ عالية جدا، خصوصا في البلدات الجبلية في إقليم كردستان العراق، وفي المناطق المحررة من سيطرة تنظيم داعش مثل محافظة الأنبار وصلاح الدين التي تم تدمير البنية التحتية فيها من قبل التنظيم الإرهابي».
وأشار المهندس طه إلى أن «شركتنا تعتمد على فريق عمل كلهم من الشباب العراقيين، حيث وفرنا فرص عمل لمهندسين تدربوا في الإمارات العربية والأردن وفي بغداد وتفوقوا في تطوير خبراتهم العملية والعلمية».
من جهته، أوضح رجل الأعمال الإماراتي خالد الضبي، أحد مديرون «ياه سات» الإماراتية بأن «الاتفاقية مع شركة (سكاي أوروبت) العراقية تمهد الطريق لتشغيل وتوزيع خدمة (ياه كليك) التابعة لـ(ياه سات) لجميع المؤسسات الحكومية والقطاعات التي تستخدم خدمات الاتصالات من شركة (سكاي أوروبت) العراقية»، مشيرا إلى أن «هذه الاتفاقية، وهي الأولى مع العراق، تتيح لـ(سكاي أوروبت) توسيع نطاق مشاريعها القائمة مع الحكومة العراقية والقطاع الخاص، وذلك من خلال (ياه كليك) ضمن قائمة خدماتها».
وأضاف الضبي قائلا، لـ«الشرق الأوسط»، إن «(ياه سات) الإماراتية التي ستطلق قريبا قمرها الصناعي الثالث تأسست في عام 2007. لتلبية الطلب المتزايد في المنطقة على خدمات الاتصالات الفضائية من قبل الهيئات الحكومية والشركات والأفراد، ولدعم طموحات إمارة أبوظبي في تعزيز مكانتها باعتبارها مركزا للبث والاتصالات السلكية واللاسلكية، وتشمل تغطية الشركة حاليا 28 دولة في أسواق الشرق الأوسط وأفريقيا ووسط وجنوب غربي آسيا وأميركا اللاتينية».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».