القاهرة تبدأ جولة جديدة بحثًا عن «نفرتيتي» خلف مقبرة «توت عنخ آمون»

الآثار المصرية: العمل مُستمر والخطوة المقبلة مسح راداري ثالث بعمق 40 مترًا

خبير آثار يعرض للصحافيين رادارا يستعمل لمسح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك بالأقصر (أ.ف.ب)
خبير آثار يعرض للصحافيين رادارا يستعمل لمسح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك بالأقصر (أ.ف.ب)
TT

القاهرة تبدأ جولة جديدة بحثًا عن «نفرتيتي» خلف مقبرة «توت عنخ آمون»

خبير آثار يعرض للصحافيين رادارا يستعمل لمسح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك بالأقصر (أ.ف.ب)
خبير آثار يعرض للصحافيين رادارا يستعمل لمسح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك بالأقصر (أ.ف.ب)

أعلنت وزارة الآثار في مصر أن العمل مُستمر في مقبرة الملك «توت عنخ آمون» المُلقب بالفرعون الذهبي، في وادي الملوك بمحافظة الأقصر جنوب مصر، وأضافت أنها ستقوم في الخطوة المقبلة بمسح راداري ثالث بعمق 40 مترا، نهاية أبريل (نيسان) الجاري من أعلى المقبرة من الخارج، على أن يتم عرض النتائج في مايو (أيار) المٌقبل في مؤتمر بالمتحف المصري الكبير بالقاهرة تحت عنوان «مؤتمر المتحف المصري الكبير الدولي الثاني عن توت عنخ آمون».
في غضون ذلك، قال سلطان عيد مدير آثار الأقصر، إن «المسح الجديد سوف يكشف عن باقي الفراغات خلف مقبرة توت عنخ آمون»، مضيفا لـ«الشرق الأوسط» أمس، أن «العمل في البحث سوف يتم بحضور جميع العلماء، للوصول لأي نتائج جديدة قد تكشف عن الوصول لاكتشاف أثري كبير في مصر».
وتقوم القاهرة بمجهود كبير للإعلان عن كشف أثري عالمي بعد استجابتها لصحة النظرية الأثرية التي أطلقها العالم الإنجليزي نيكولاس ريفز ورجح فيها وجود غرف إضافية خلف جدران مقبرة «الملك الذهبي» قد تضم مقبرة إحدى الملكات. واعتمد ريفز في نظريته على نتائج صور وأشعة مقطعية لعمل نموذج لمقبرة «توت عنخ آمون».
والمعروف تاريخيا أن «توت عنخ آمون» قد مثل فترة انتقالية في تاريخ مصر القديمة، حيث أتى بعد أخناتون الذي حاول توحيد آلهة مصر القديمة في شكل الإله الواحد؛ لكن في عهد «توت عنخ آمون» تم العودة لعبادة آلهة مصر القديمة المتعددة، وتم اكتشاف مقبرته عام 1922 من قبل عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر.. وأحدث الاكتشاف وقتها ضجة إعلامية واسعة في العالم.
من جهتهم، يؤكد خبراء آثار مصريون أنه كانت هناك شواهد من قبل تؤكد وجود مقبرة خلف جدران مقبرة «توت عنخ آمون».. وكان من الممكن الوصول لهذا الكشف قبل ست سنوات، خلال عمليات الحفر والتنقيب التي قام بها المجلس الأعلى للآثار المصرية حينها في منطقة وادي الملوك بالأقصر؛ لكن لم يتم البدء في ذلك، نظرا للأحداث التي مرت بها مصر، لافتين إلى أن «البحث سوف يستغرق أشهرا؛ لكن في النهاية سوف يتم الوصول لكشف أثري جديد».
وأعلنت وزارة الآثار في مصر أمس (الجمعة) أن النتائج الأولية لأعمال المسح الراداري الرقمي، الذي أجراه فريق العمل المصري الأميركي بمقبرة الملك «توت عنخ آمون» رقم 62 بوادي الملوك بالأقصر، واستمرت على مدار أكثر من عشر ساعات، قد أظهرت عدم تعارض نتائج المسح الراداري السابق، غير أن الوزارة قالت: إن «الأمر يحتاج لمزيد من الوقت للخروج بالنتائج النهائية».
وقامت الآثار بعمل مسح راداري آخر للمقبرة بواسطة جهاز رادار رقمي أكثر دقة في مارس (آذار) الماضي، وتم الإعلان عن اكتشاف غرفتين خلف مقبرة «توت عنخ آمون» في الجانب الغربي والشمالي، ويعتقد أنه يوجد بهما مواد عضوية ومعدنية.
وأوضحت وزارة الآثار في بيان لها أمس، أن خبراء الرادار أشاروا إلى أنه تم إجراء 40 عملية مسح راداري بارتفاعات مختلفة لجدران المقبرة تصل إلى 5 مستويات باستخدام جهازي رادار، أحدهما بتردد 400 ميجاهيرتز، والثاني بتردد 900 ميجاهيرتز.. لافتين إلى أنه سيتم الإعلان عن النتائج خلال أسبوع.
وضم فريق العمل الدكتور خالد العناني وزير الآثار المصري، والدكتور ممدوح الدماطي وزير الآثار السابق، والدكتور محمود عفيفي رئيس قطاع الآثار المصرية، وعبد الله أبو العلا رئيس قطاع المشروعات، والدكتور ياسر الشايب أستاذ مساعد بكلية الهندسة جامعة القاهرة، والدكتور عباس محمد عضو مركز البحوث الجيوفيزيقية، بالإضافة إلى «Eric Berkenpas» و«Alan Turchik» خبراء الرادار بناشيونال جيوجرافيك.
والملكة نفرتيتي التي توفيت في القرن الرابع عشر قبل الميلاد كانت تشتهر بالجمال الخلاب الذي خلده تمثال نصفي يبلغ عمره 3300 سنة ومعروض حاليا في متحف برلين.
وتوفيت نفرتيتي في ظروف غامضة أدت إلى إنهاء حكم زوجها الملك أخناتون الذي حكم بين عامي 1379 و1362 قبل الميلاد. ولم يستدل الأثريون على مكان مقبرتها.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)