30 سنة على وفاة صلاح أبو سيف أبو الواقعية

صلاح أبو سيف
صلاح أبو سيف
TT

30 سنة على وفاة صلاح أبو سيف أبو الواقعية

صلاح أبو سيف
صلاح أبو سيف

* هذا العام هو المناسبة الثلاثون لرحيل المخرج الفذ صلاح أبو سيف. ففي 22 من يونيو (حزيران)، سنة 1997 نال الموت من أحد أفضل وأهم مخرجي السينما العربية منذ بداياتها، ومن دون مغالاة، إلى اليوم.
ما يجعل مخرج ما مهم في سينما بلاده وسينما الجوار هو النتاج الخاص الممهور بأسلوب المخرج الفني ورؤيته الشخصية لما يسرده. هاتان السمتان ليستا من اختصاص بضعة مخرجين فقط، بل للكثير من المخرجين الذين مرّوا بالسينما وعليها وقدّموا أعمالاً لا تشابهها إلا أعمال مخرجيها أنفسهم. هناك برغمان واحد وأنطونيوني واحد وفيلليني واحد وكوروساوا واحد وغودار واحد و… صلاح أبو سيف واحد أيضًا. كل من هؤلاء تبع مدرسته وأجاد فيها وقدّم أعمالاً وصلت إلى البلاغة الفنية بسببه هو.
* لمسة اجتماعية
ولد سنة 1915 وتسلم عمله الأول في منتصف الثلاثينات عندما عين موظفًا في قسم المونتاج في استوديو مصر. أحب ما مارسه وأصبح مديرًا للقسم بعد ثلاث أو أربع سنوات من عمله فيه ما مكنه من السفر إلى باريس لدراسة المونتاج هناك. قطع دراسته عندما زحف النازيون على فرنسا وعاد إلى مصر وأكمل عمله في توليف الأفلام. هذه البداية «المونتاجية» تتشابه مع تلك التي شهدت ولادة المخرج كمال الشيخ في الفترة ذاتها. كلاهما تعلم الإخراج من المونتاج ولكل منهما شأن مهم جدًا في السينما التي اختار المثول إليها.
اختيار صلاح أبو سيف كان المدرسة الواقعية. ليس على نحو دائم في البداية، إذ قام سنة 1946 بإخراج أول أفلامه «دايمًا في قلبي» الذي كان دراما اجتماعية - عاطفية مربوطة بحبل واهن بالفيلم الأميركي «جسر ووترلو» لمرفن ليروي. الثاني كان تشويقيًا - اجتماعيًا عنوانه «المنتقم» وهو بذرة توجهات أبو سيف الواقعية، لكن الأفلام الثلاثة التي تبعت «المنتقم» كانت مختلفة، وهي «مغامرات عنتر وعبلة» و«شارع البهلوان» و«الصقر».
مع «لك يوم يا ظالم» عاد أبو سيف إلى ذلك الدرب التشويقي ذي اللمسة الاجتماعية. مثل «المنتقم» وضع نجيب محفوظ السيناريو (الذي وضع أيضًا سيناريو «مغامرات عنتر وعبلة») وكلاهما وجد في الآخر معينًا على تقديم السلسلة اللاحقة من الأعمال التي تبحر في تقديم قضايا اجتماعية بالحفر الواقعي لحياة شخصياتها، كما الحال في «ريا وسكينة» (1953) و«الوحش» (1954) و«شباب امرأة» (1956) و«الفتوة» (1957).
هذه المجموعة المحدودة من الأفلام هي التي جعلت النقاد يعتبرونه، وعن صواب، المخرج الواقعي الأول في السينما المصرية. فكما برهنت أفلام أخرى من تلك الفترة كما لاحقًا، ليس كل فيلم دار في حارة شعبية بات واقعيًا. ما يُـبث في المشهد من معالجة ترتبط بعمق الشخصيات ومصادرها النفسية والعاطفية (وبالتالي الاجتماعية) هو ما يمنح الفيلم الجانب المكمّـل لنزول الكاميرا إلى المواقع «الطبيعية».
لكن صلاح أبو سيف أخرج الكثير من الأفلام غير الواقعية أيضًا. بعد مرحلة نجيب محفوظ التي انتهت بـ«بين السماء والأرض» سنة 1959 بدأ المخرج باستلهام الروايات الأدبية التي قد تعالج أوضاعًا اجتماعية أو تنتمي إلى حالات فردية. قام سنة 1960 بتقديم رواية محفوظ «بداية ونهاية» التي كتب لها السيناريو صلاح عز الدين، ذلك أن خلفية العلاقة بين أبو سيف ومحفوظ لم تشمل قيام الروائي بكتابة سيناريوهات أفلامه. بعد هذا الفيلم داوم أبو سيف اللجوء إلى الأعمال الأدبية مقتبسًا كتابات إحسان عبد القدوس ويوسف إدريس ولطفي الخولي وعبد الحميد جودة السحار من بين آخرين.
* الضحية والجلاد
لكن أبو سيف، حتى في هذه الأعمال ذات الكناية الأدبية، اختلف عن كل من اعتمد على الأدب المكتوب في صنع أعماله. كان شديد الحرص على أداء غير مفتعل وعلى توليفة المشهد التي لا تنفصل عن البيئة واقعيًا (حتى من دون أن يأتي الفيلم تبعًا للمدرسة الواقعية ذاتها). هذا كله قبل أن نراه وقد أنجز فيلمين من أهم أعماله وهما «حمام الملاطيلي» (1973) عن قصة إسماعيل ولي الدين، و«السقا مات» (1977) عن رواية يوسف السباعي.
هذا كله معزز دائمًا، في أفلام أبو سيف، بإدارة ممثلين رائعة. هو الذي منح فاتن حمامة دورًا ضد المتوقع من وجهها الملائكي في «لك يوم يا ظالم» لاعبة دور الشريرة. وهو الذي منح فريد شوقي البعد الذي كان يبحث عنه للانتقال من أدوار شر صغيرة إلى أدوار شر كبيرة بدءًا من «الأسطى حسن» (1952) ثم بطلاً ضد ظلم أسياد سوق الخضار في «الفتوة» (1957).
وفي حين أن المرأة كثيرًا ما كانت ضحية المجتمع الجارف للبراءة، فإن المسألة عند أبو سيف لم تكن المرأة أو الرجل، بل كليهما متناوبين على لعب الضحية والجلاد. في «لك يوم يا ظالم» تطلب الأمر امرأة قوية (فاتن حمامة) كذلك في «شباب امرأة» (تحية كاريوكا). هذا الأخير تطلب رجلا ضعيفًا (شكري سرحان) بينما قدّم «الفتوة» رجلا قويًا (فريد شوقي).
لجانب كل ذلك، نجد أن المفهوم العام لمن هو قوي ومن هو ضعيف ينهار تحت وطأة مجتمع مليء بالغايات الفردية المتشابكة وغير العادلة وذلك تبعًا لما سادت أعمال نجيب محفوظ ذاتها. هذا الانهيار متمثّـل في «السقا مات» حيث كل من عزت العلايلي وفريد شوقي مهزومان حيال عالم ليس لهما لكن كل منهما هرب من المواجهة ليرتب حياته على النحو الذي يرتئيه.
كثيرون يرون أن آخر أفلام أبو سيف كانت سقيمة. أن «المجرم» (1977) ليس بقوّة «لك يوم يا ظالم» (هو إعادة صنع له)، وأن «البداية» (1988) خليط من الغايات غير المنجزة وأن لا جديد تحت شمس أبو سيف في «المواطن مصري» (1991)، لكن الواقع هو أن كل واحد من هذه الأفلام تميّـز بلغة أبو سيف الخاصة وبقدر كبير من حرفته وخبرته.



شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز