أدباء وشعراء نقلوا بيروت وبغداد والقيروان وفاس إلى الدار البيضاء

سهرة فنية في ختام المهرجان العالمي للمدن العتيقة

ياسين عدنان يفتتح أمسية المدن القديمة
ياسين عدنان يفتتح أمسية المدن القديمة
TT

أدباء وشعراء نقلوا بيروت وبغداد والقيروان وفاس إلى الدار البيضاء

ياسين عدنان يفتتح أمسية المدن القديمة
ياسين عدنان يفتتح أمسية المدن القديمة

لم تكن أمسية بيضاوية فحسب بل ليلة من ألف ليلة، تلك التي ختمت المهرجان الدولي للمدن العتيقة في الدار البيضاء، أول من أمس. فقد نجحت العصا السحرية للمنظمين، بإمكانيات لا تُذكر، من استحضار مراكش والقيروان وبغداد وبيروت وغيرها من المدن التي لأسمائها رنين الذهب على الأسماع، اجتمعت كلها على مسرح بيت تراثي في المدينة القديمة لـ«أنفا»، التسمية القديمة لمدينة بحرية متوسطية مرت عليها جحافل غزاة كثيرين وما زالت شامخة تبتسم للتاريخ وتغمز لضيوفها بعينها. و«أنفا» كلمة أمازيغية تعني القمة. وما زال الاسم يطلق على منطقة غرب المدينة، وتشمل أقدم حي بمدينة الدار البيضاء.
إنها المرة الأولى التي تستضيف فيها المدينة حدثًا أدبيًا وفنيًا بهذا التنوع. بل إن المهرجان كله كان فكرة نبعت في مخيلة الفنان زكريا الحلو، تداولها مع زملاء له فبادروا إلى تأسيس جمعية تتولى تحقيق الفكرة التي وجدت من يؤمن بها: فنانون وأدباء ومثقفون ومهندسون معماريون وممثلون ومخرجون سينمائيون من أبناء المدينة، تعاونوا على تعزيز التراكم الثقافي والمشاركة في مشروع شامل لتأهيل المدن المغربية العريقة. كان رئيس الجمعية وزملاؤه واضحين في رؤيتهم، وهي أن المدن العتيقة ليست مجرد فضاءات من المباني الآيلة للسقوط، مكتظة بكثافة سكانية عالية، يلفها الضجيج وتؤرقها المشكلات المعقدة للبنى التحتية، بل هي «قيمة إنسانية ومخزون للذاكرة ورابط بين الماضي والحاضر». وهكذا صاغوا شعار المهرجان: «حضارة منفتحة على مستقبل أفضل».
لم يكن الترفيه، إذن، هو الهدف بل تحريك روح العمل المفيد للبيئة. وظهرت عشرات الورشات التي جمعت بنات المدينة وأبناءها، وهم قد ارتدوا ملابس الرياضة والعمل وتوزعوا في زنقات (أزقة) البلدة داخل الأسوار القديمة، حاملين المكانس وأوعية الدهان الأبيض وأعادوا للبيضاء نصاعتها. وأوضحت الممثلة سامية أقريو، عضو اللجنة المنظمة، أنهم لم يكونوا راغبين في مهرجان يهبط عليهم بالمظلة بل يقوم الأهالي أنفسهم بإعداده، وهكذا كان. واستقبلت دار الثقافة فعاليات المهرجان ومعارضه وندواته. وكان مبنى الدار، في الأصل، كنيسة. وفي الزقاق القديم نفسه يتجاور اليوم مسجد وكنيسة ومعبد يهودي، لا تفصل بينهم سوى بضعة أمتار.
في مدخل دار الثقافة، يستوقف الزائر معرض المصور عثمان الأشعري. وهو قد بحث عن البطاقات البريدية التي كان الرجال والسفراء والمغامرون يتداولونها وتصور جوانب من الدار البيضاء في أوائل القرن الماضي. ثم عاد إلى الأماكن نفسها والتقط لها صورًا حديثة، بكل ما عبثت به أنامل السنين وشطبته من ملامحها. ووضع الفنان صور اليوم بمقابل صور الأمس. وإذا كانت بعض المباني الجديدة جميلة فإن الحاضر العمراني ليس بأبهى من الماضي. أراد المنظمون ألا يكون المهرجان سياحيًا أو تنمويًا فحسب. وهم قد راهنوا على زج الثقافة فيه وجس نبض البيضاويين وهم يستقبلون أدباء عربًا وآخرين جاءوا من مدن المغرب لتقديم قراءات ممسرحة ومغناة، الكل عن مدينته. وكان الرهان في محله، فقد خرج سكان الأحياء القديمة من بيوتهم، وجاءت النساء حاملات أطفالهن، وسهر الجميع في أمسية ربيعية منعشة احتضنها مركز «أجيال»، ما بين قاعة فسيحة وسطح يطل على أضواء الميناء. وكم كان الشاعر والروائي المغربي ياسين عدنان صادقًا وهو يفتتح الأمسية قائلاً إن المدن العتيقة ليست مجرد مبان قديمة تحتاج إلى ترميم. بل هي في الأساس أسلوب حياة علينا أن نتشبث به. وأضاف مسترسلاً: «كان المغاربة، والعرب عمومًا، يعيشون متماسكين داخل المدن القديمة، يؤمنون بالجوار، ويعيشون داخل الحي الواحد مثل أسرة واحدة. وحتى أبواب البيوت في مدننا العتيقة كانت متشابهة لا تستطيع أن تخمن ما إذا كانت ستنفتح عن رياض مهيبة بحديقة غناء ذات أحواض وأشجار أم عن بيت صغير من غرفتين. ففضيلة التواضع كانت هي الأصل، والجيران يعيشون متجاورين لا يخدش الجار جاره ولا يتباهى أمامه. لذلك علينا أن نتعلم اليوم من الدروس التي تقدمها لنا المدن العتيقة على مستوى نمط العيش. والأدب قد يساعدنا على ذلك لأنه يتيح فرصة أن نستعيد هذه المدن ونحافظ عليها ونتشبث بها ونستخلص منها دروس فن العيش».
قاد ياسين عدنان، جمهور البيضاء، في جولة استثنائية عبر المدن العتيقة يكون أدلاؤها من الروائيين والشعراء والموسيقيين. فقد سافر الشاعر عبد الرفيع الجواهري بالحضور إلى فاس العتيقة. ثم عادت بهم الروائية اللبنانية إيمان حميدان إلى بيروت الجريحة، بيروت ما بعد الحرب الأهلية. أما الروائي ووزير الثقافة السابق فقد بعث بنص نقل المستمعين في رحلة أندلسية موريسكية، ما بين الرباط وغرناطة. وحضرت بغداد بكل وجوهها القديمة والحديثة في قراءة قدمتها إنعام كجه جي. والقيروان جاءت بكل عبقها مع مختارات شعرية للشاعر التونسي المنصف الوهايبي. ومع إدريس الملياني بدا الجمهور مسحورًا وهو يستمع إلى فصول من روايته الجديدة «كازانفا»، مر بها على تاريخ الدار البيضاء واستعرض الرحالة والضيوف والطامعين والغزاة في نص بديع. وقطع مراد القادري، من خلال زجلياته الجميلة، وادي أبي رقراق باتجاه سلا. ومن اللغة العربية انتقل المستمعون إلى الفرنسية مع الشاعرة فاطمة شهيد التي قرأت مناجاة عميقة لمسقط رأسها وقلبها: تارودانت.
ومن وراء الجميع، أبدع المخرج محمود الشاهدي في تقديم خلفية فيلمية للمدن التي تغنى بها الأدباء. ويمكن القول بكل صدق إن لمساته هي التي منحت القراءات نكهتها. ومعه المغنية هاجر الشرقي التي لحنت وقدمت مقاطع مما قرأه الشعراء. ولكي تكتمل متعة الفرجة، كانت شابة لها ليونة الفهد، تدعى ساندرا، ترافق القراءات بعرض كوريغرافي مدهش تتسلق فيه ملاءة بيضاء وتتلوى معها معتمدة على عضلات من حديد، مثل لاعبة سيرك تجازف من دون شبكة طوارئ. بل إن السهرة كلها نجحت لأنها كانت مغامرة لم تضع في حسابها احتمال الفشل.



إشادة بانفتاح السعودية على تقديم الفن الراقي

نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
TT

إشادة بانفتاح السعودية على تقديم الفن الراقي

نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»

شهدت الرياض وجدة فعاليات مسرحية وغنائية عقب انتهاء شهر رمضان، انطلقت مع عيد الفطر واستقطبت مشاركات مصرية لافتة، منها مسرحية «حتى لا يطير الدكان»، من بطولة الفنانَيْن أكرم حسني ودرة، في موسمها الثاني على مسرح «سيتي ووك جدة»؛ إلى عرض ستاند أب كوميدي «ذا إيليت» المقام على «مسرح محمد العلي» بالرياض، بينما شاركت الفنانة المصرية أنغام بحفلات «عيد القصيم»، والفنان عمرو دياب بحفلات «عيد جدة».
وتشهد العاصمة السعودية حفل «روائع الموجي»، الذي تحييه نخبة من نجوم الغناء، بينهم من مصر، أنغام وشيرين عبد الوهاب ومي فاروق، بالإضافة إلى نجوم الخليج ماجد المهندس وعبادي الجوهر وزينة عماد، مع صابر الرباعي ووائل جسار، بقيادة المايسترو وليد فايد وإشراف فني يحيى الموجي، ومشاركة الموسيقار رمزي يسى.
عن هذا الحفل، يعلّق الناقد الفني المصري طارق الشناوي لـ«الشرق الأوسط»: «نشجّع تكريس الكلمة الرائعة والنغم الأصيل، فحضور نجوم مصر في فعاليات المملكة العربية السعودية، يشكل حالة تكامل من الإبداع»، معرباً عن غبطته بمشهدية الزخم الفني، التي يواكبها في الرياض وجدة.
ووفق «جمعية المؤلفين والملحنين الرسمية» في مصر، ورصيد محمد الموجي، صاحب مقولة «أنا لا أعمل كالآلة تضع فيها شيئاً فتخرج لحناً؛ إنها مشاعر وأحاسيس تحتاج إلى وقت ليخرج اللحن إلى النور»، قد وصل إلى 1800 لحن، ليعلّق رئيسها مدحت العدل لـ«الشرق الأوسط» بالتأكيد على أنّ «الاحتفاء بالرموز الفنية من (الهيئة العامة للترفيه)، كاحتفالية الموجي، أمر غاية في الرقي ويدعو للفخر»، موجهاً التقدير للجميع في المملكة على النهضة الفنية الكبيرة.
واستكمالاً لسلسلة الفعاليات الفنية، فإنّ مدينة جدة على موعد مع حفلين للفنان تامر عاشور يومي 5 و6 مايو (أيار) الحالي، بجانب حفل الفنانَيْن محمد فؤاد وأحمد سعد نهاية الشهر عينه. وعن المشاركات المصرية في الفعاليات السعودية، يشير الناقد الموسيقي المصري محمد شميس، إلى أنّ «القائمين على مواسم المملكة المختلفة يحرصون طوال العام على تقديم وجبات فنية ممتعة ومتنوعة تلائم جميع الأذواق»، مؤكداً أنّ «ما يحدث عموماً في السعودية يفتح المجال بغزارة لحضور الفنانين والعازفين والفرق الموسيقية التي ترافق النجوم من مصر والعالم العربي». ويلفت شميس لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّ «هذا التنوع من شأنه أيضاً إتاحة مجال أوسع للمبدعين العرب في مختلف الجوانب، التي تخصّ هذه الحفلات، وفرصة لاستقطاب الجمهور للاستمتاع بها بشكل مباشر أو عبر إذاعتها في القنوات الفضائية أو المنصات الإلكترونية»، معبّراً عن سعادته بـ«الحراك الفني الدائم، الذي تشهده المملكة، بخاصة في الفن والثقافة وتكريم الرموز الفنية والاحتفاء بهم».
وشهد «مسرح أبو بكر سالم» في الرياض قبيل رمضان، الحفل الغنائي «ليلة صوت مصر»، من تنظيم «الهيئة العامة للترفيه»، احتفالاً بأنغام، إلى تكريم الموسيقار المصري هاني شنودة في حفل بعنوان «ذكريات»، شارك في إحيائه عمرو دياب وأنغام، بحضور نخبة من نجوم مصر، كما أعلن منذ أيام عن إقامة حفل للفنانة شيرين عبد الوهاب بعنوان «صوت إحساس مصر».
مسرحياً، يستعد الفنان المصري أحمد عز لعرض مسرحيته «هادي فالنتين» في موسمها الثاني، ضمن فعاليات «تقويم جدة» على مسرح «سيتي ووك‬» بين 3 و6 مايو (أيار) الحالي. وعنه كان قد قال في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»، إنّ «الحراك الثقافي الذي تشهده المملكة يفتح آفاقاً وفرصاً متنوعة للجميع لتقديم المزيد من الفن الراقي».