تستهل العائلات التونسية القاطنة في منطقة نابل (شمال شرقي تونس) أول أيام جني زهر النارنج (الأرنج) خلال هذه الأيام بالزغاريد والغناء وإعداد ما لذ وطاب من المأكولات استبشارا بحلول الموسم. وتتابع الأنامل الرقيقة والصغيرة في تجمعات عائلية بهيجة تويجات الزهر زهرة وراء أخرى تجمعها برفق وحنو لتحولها خلال أيام إلى روائح الزهر التي تفوح من مختلف شوارع وأزقة المدن الواقعة في منطقة الوطن القبلي (ولاية - محافظة - نابل) شمال شرقي العاصمة التونسية.
وتتواصل هذه الروائح بشكل نفاذ طوال أشهر الربيع، وبذلك يعرف كل زائر إلى مدن دار شعبان الفهري وتازركة وبني خيار ونابل والحمامات أنه في موسم جني زهرة الأرنج التي تستخرج منها العائلات عطر الزهر وتتسابق عدة دور للعطور العالمية على مادة «النيرولي» المميزة لروح تلك العطور وتنشط نحو 10 وحدات صناعية لاستخراج ماء الزهر وتصدير معظمه إلى الخارج.
ويقدر إنتاج هذا الموسم بنحو 1380طنا ويباع الزهر بـ«الوزنة» وفق ما هو متعارف عليه في تلك المدن وهي تقارب أربعة كيلوغرامات من الزهر ويتراوح ثمنها هذا الموسم بين 18و26 دينار تونسيا (9 إلى 13دولارا أميركيا) وذلك حسب جودة المنتج حسب الوزنة الواحدة.
وحسب إفادة نبيل المرزوقي (من سكان نابل) فإن الوزنة الواحدة من الزهر توفر نحو أربعة لترات من ماء الزهر وهي تعادل قارورتين من الحجم الكبير التي تسمى لدى أهل الاختصاص (الفاشكة). وتسمى قارورة الزهر التي تتخذ شكلا مختلفا عن بقية القوارير (الفاشكة)، وقد اتخذتها بعض المدن؛ إذ تتوسط هذه القارورة مدينة بني خيار والمعروفة بغابات الزهر أو شجر النارنج.
ويضيف المرزوقي أن عبق العطور يفوح خلال فصل الربيع من كل بيت، ويرجع دخول هذه العادة الحسنة إلى الأندلسيين الذين حلّوا بتونس منذ القرن الـ15 للميلاد فقد أسهموا بشكل مهم في تطوير زراعة الأرنج، ونقلوا إلى التونسيين طرق تقطير واستخراج الزهر خاصة زيت النيرولي.
ولا يزال سكان نابل بمختلف مدنها ومناطقها محافظين على عادة تقطير الزهر (استخراج ماء الزهر وزيت الزهر) منذ أكثر من خمسة قرون، وتعتبره العائلات بمثابة العلامة المميزة لمنطقة الوطن القبلي كله.
وتمتد حقول وبساتين الزهر على مساحة 450 هكتارا توجد بها قرابة 120 ألف شجرة نارنج ويتراوح إنتاجها السنوي بين 1200و1600 طن من الزهر.
وتعتبر الجهة أحد أهم أقطاب تصدير زيت «النيرولي» الرفيع الذي يستعمل في صناعة العطور ومواد التجميل. وتصدر منطقة نابل سنويا ما بين 500 و700 كلغ من زيت النيرولي ذي الجودة العالية نحو الأسواق الفرنسية.
وينصح مرشد خليل صاحب ورشة تقطير الزهر أن يتم التقطير في «قطار تقليدي» وهو وعاء يكون الجزء الأسفل مقدودا من النحاس وأما الجزء العلوي فهو من مادة الفخار وهو ما يضفي على حد قوله نكهة فواحة ورائحة زكية على ماء الزهر، ويجعله مختلفا عن الطرق العصرية في التقطير المعتمدة على مادة الألمنيوم.
روائح العطور تفوح في بيوت تونس خلال موسم تقطير الزهر
عادة تعود للأندلسيين قبل أكثر من 5 قرون
روائح العطور تفوح في بيوت تونس خلال موسم تقطير الزهر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة