مؤتمر للتعليم في مخيم الزعتري للاجئين السوريين

في خيمتين كبريين على مبعدة 20 كيلومترًا عن الحدود السورية

مدرسات سوريات يسجلن للدخول إلى المؤتمر
مدرسات سوريات يسجلن للدخول إلى المؤتمر
TT

مؤتمر للتعليم في مخيم الزعتري للاجئين السوريين

مدرسات سوريات يسجلن للدخول إلى المؤتمر
مدرسات سوريات يسجلن للدخول إلى المؤتمر

في خيمة تعصف بها ريح باردة من كل جانب، وعلى وقع صرير الحديد المتواصل، وقف الخبير في التعليم أدريان تينان، يشرح لأساتذة اللغة الإنجليزية في مخيم الزعتري للاجئين السوريين، كيف يمكنهم أن يدرّسوا لتلامذتهم من دون كهرباء وإنترنت وكتب ودفاتر أو حتى أقلام للكتابة. وفي خيمة أخرى مجاورة كان خبير آخر هو بول هارفي، يعلم مجموعة أخرى من الأساتذة السوريين، كيف يمكن لحناجرهم وحدها أن تكون وسيلة للتعليم، حين يعدمون كل وسيلة أخرى.
طوال يومين، بقي الأساتذة السوريون من مخيم الزعتري في الأردن، الذي يبعد عشرين كيلومترًا عن الحدود السورية، يتلقون تدريبات من متمرسين في المجال، ضمن أول مؤتمر من نوعه يقام في مخيم للاجئين. وهو مؤتمر نظمه «المجلس الثقافي البريطاني» أنهى أعماله يوم الثلاثاء الماضي، لمساعدة من يسمون «متطوعين» لتعليم أطفال المخيم.
نحو عشر مدارس رسمية في مخيم الزعتري تديرها الدولة الأردنية وأساتذتها كلهم من الأردنيين، فيما أقامت الهيئات والمنظمات الدولية ما يقارب ثلاثين مركزا للتدريب، يأتيها التلامذة للتقوية، بسبب سوء المستوى التعليمي، الذي بدأ يتسبب في كارثة حقيقية للأطفال. وهؤلاء يشكلون، حسب التقديرات، نصف عدد سكان المخيم البالغ ثمانين ألف سوري.
من أصل 380 متقدما لشهادة الثانوية العامة (التوجيهي) العام الماضي، لم ينجح سوى ثمانية طلاب فقط. امتحانات الفصل الأول لهذا العام، التي تعد مؤشرًا للعام المقبل، لم ينجح أحد. وهو ما ينذر بأن يبقى أطفال المخيم دون شهادات أو حتى تعليم.
بعضهم انقطع عن الدراسة بسبب صعوبات اللجوء، ومن يتوقف عن ارتياد المدارس لسنتين، يصبح خارج النظام التعليمي بالكامل تبعًا للنظام الأردني. آلاف الأطفال في مخيم الزعتري لم يعد يحق لهم الذهاب إلى المدرسة، وتحاول الهيئات الموجودة هنا في مراكز التدريب تعليمهم القراءة والكتابة، وبعض المهارات، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
تحضيرًا للمؤتمر، تم تنظيم دورة تعليمية مدتها ثلاثة أشهر لبعض ممن يعملون في مراكز التدريب من الأساتذة المتطوعين السوريين، لمساعدتهم على الخروج من الأساليب التقليدية في التعليم، إلى طرق أكثر حداثة وحيوية.
المؤتمر الذي عقد في الزعتري حضره هؤلاء الأساتذة المتطوعون من داخل المخيم إلى جانب آخرين من خارجه، ووصل عددهم إلى أكثر من مائة أستاذ ومعلمة. وإلى جانب الدروس التي تلقوها من الخبراء في الخيمتين الرئيسيتين، قام الأساتذة الذين تدربوا طوال الأشهر الثلاثة السابقة بتعليم زملاء آخرين لهم، في عشرات من ورش العمل التي انعقدت في صفوف صغيرة، هي عادة ما يرتادها التلامذة لمساعدتهم ومعاضدتهم في دروسهم. تلحظ على الحيطان التي طليت باللون الأزرق، عبارات كتبت بالعربية: «العلم يرفع بيتًا لا عماد له.. والجهل يهدم بيت العز والشرف»، أو «وما نيل المطالب بالتمني.. إنما تؤخذ الدنيا غلابا». يقف كل أستاذ وسط مجموعة من زملائه الذين لم يخضعوا للتدريب، ويشرح لهم سبلا جديدة تعلمها، يمكنها أن تجذب تلامذتهم خلال الصف وتساعدهم لتخطي ضعفهم.
يبدأ تعليم الإنجليزية في الأردن من الصف الأول الابتدائي، بينما لا يتعلم السوريون اللغة الأجنبية إلا بدءًا من الصف السادس. هذا يخلق مشكلة كبرى، يحاول المجلس الثقافي البريطاني أن يردم الفجوة. بمناسبة المؤتمر، حضر مسؤولون تربويون من إنجلترا إلى الزعتري لمتابعة العمل عن قرب. تصريحات الدخول استغرقت وقتًا، الوجود كان يجب أن يبقى في إطار رقعة المؤتمر، الحركة للضيوف ليست مسموحة خارج الدائرة التي تجري فيها النقاشات والتدريبات. الغداء الذي أقيم للمؤتمرين طبخ على يد طاهٍ في المخيم نفسه. يبدو الزعتري مثل مدينة نبتت في صحراء، مسيجة بأسلاك تجعلها منيعة الاختراق.
المدرسون السوريون، الذين يطلق عليهم اسم «متطوعين»، يعترفون أن التدريبات التي تلقوها مفيدة للغاية. إحدى المدرسات تعلق كبير أهمية على ما تعلمته، وسعيدة بحصولها على شهادة، لأنها في الأصل لم تكمل تعليمها، فهي بمثابة تعويض بالنسبة لها. لا أحد يشكك في جدوى التدريب. لكن إحدى المدرسات قالت: «لعل التعليم على أهميته ليس أولويتنا هنا. مشكلاتنا كثيرة جدًا. التعليم في المدارس الرسمية ضعيف وكل هذه الدروس التي تأتي إضافية تضيع التلميذ وتشتت انتباهه. كثرة البرامج والمشاريع تجعل الفائدة ضئيلة. نحن بحاجة إلى مزيد من التنسيق بين هذه الهيئات التي تريد مساعدتنا، بدل أن يأتونا بالمفرق. إنهم يقدمون إلينا العون بطريقة خاطئة، ولا تصيب الهدف كما يجب. كثيرون في الزعتري لا يريدون أن يعطوا أسماءهم. الكلام كثير، والجرأة على التحدث بصوت عالٍ، تكاد تنعدم.
تقول إنا سيرل، مسؤولة برامج تعليم اللغة الإنجليزية في «المجلس الثقافي البريطاني»: «التنسيق موجود بين الهيئات بشكل دوري، في مخيم الزعتري. نحن نفعل ما في وسعنا، لكن المشكلات أكبر من أن يمكن حلها بسهولة». وتتابع أنّا التي كانت تجوب ورشات عمل المؤتمر، وتحضرها لترى التقدم الحاصل على الأرض: «الأهالي هنا، يطلبون منا مزيدا، لكننا لا نستطيع أن نفعل كل شيء. نريد أيضًا للمعلمين أنفسهم أن يقوموا بمجهود. نحن ندرب مجموعة، وهذا ما فعلناه طوال الأشهر الثلاثة الماضية، وهذه المجموعة بدورها تدرب زملاءها، وهكذا تتسع الدائرة. وتصل الخبرات إلى أكبر عدد ممكن من الأشخاص».
المشكلات في المخيم الذي تحوّل إلى سجن كبير أكبر من تحدٍّ، وكل معونة تبدو أشبه بنقطة ماء في صحراء قاحلة. توضح أنّا «أن الأهالي، يقولون إن تعليم أطفالهم الإنجليزية، هو وسيلتهم لتأمين مستقبلهم، كما أنهم يحتاجون الإنجليزية في معاملاتهم اليومية. المخيم ممتلئ بالموظفين التابعين للهيئات الدولية، الآتين من بلدان مختلفة، ولا وسيلة للتواصل في هذه الحالة سوى الإنجليزية».
آية مدرسة متطوعة سورية تعيش في مخيم الزعتري مع زوجها وأطفالها، كانت من بين الذين تلقوا تدريبات، وأدارت ورشة عمل خلال المؤتمر. رغم سعادتها بالتدريب الذي تلقته، واعتبارها ما حصلت عليه فرصة لتطوير معارفها، فإنها تقول إن أهالي المخيم آتون في غالبيتهم من أماكن ريفية وبيئات محافظة. حتى التحديث في وسائل التعليم يلقى بعض الصدود وشيئا من السخرية عند التلاميذ وربما عائلاتهم. تعتبر آية «أن البنية الاجتماعية لا تساعد كثيرًا على التطوير الجزئي والتدريجي. هناك حاجة إلى فتح حوارات توعية مع الأهالي. أن تشرح لهم بعض المفاهيم». وتتابع آية: «واحدة من المآسي تزويج الصغيرات، حتى لرجال مسنين أو متزوجين». «مؤتمر في مخيم» الذي أقيم في الزعتري، حمل شيئًا من الأمل، وأتاح يومين من اللقاءات لهؤلاء القابعين في المخيم، مع آخرين آتين من خارجه. فرصة نادرًا ما تسنح للاجئين الذين يقولون إن الزمن قد طال كثيرًا، وإنه بعد خمس سنوات من الحرب هناك بين أطفالهم من لا يذكرون سوريا، أو يعرفون شيئًا عنها سوى ما يسمعونه ممن حولهم.

الجلسة الأولى من المؤتمر في مخيم الزعتري



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».