الرياض: «مسك الخيرية» تشجع الأطفال بـ4 قوى لإطلاق الطاقات الإبداعية

42 موهوبًا وموهوبة يستعرضون تجارب الإصرار والنجاح

جانب من الحضور الجماهيري لفعاليات {عوالمنا} ({الشرق الأوسط})
جانب من الحضور الجماهيري لفعاليات {عوالمنا} ({الشرق الأوسط})
TT

الرياض: «مسك الخيرية» تشجع الأطفال بـ4 قوى لإطلاق الطاقات الإبداعية

جانب من الحضور الجماهيري لفعاليات {عوالمنا} ({الشرق الأوسط})
جانب من الحضور الجماهيري لفعاليات {عوالمنا} ({الشرق الأوسط})

شكلت أربعة محاور رئيسية، لغة التواصل بين ما تضمنه مسرح فعالية «عوالمنا» من أنشطة وفقرات، والحضور الذي تجاوز عدده ألفي شخص معظمهم من الأطفال، في تجمع تربوي نظمته «مؤسسة محمد بن سلمان بن عبد العزيز (مسك الخيرية)»، واحتضنته العاصمة السعودية الرياض، أمس. وتمثلت المحاور في قوة التعلم، وقوة العطاء، وقوة الإرادة، وقوة الخيال، التي تضمنت جميعها رسائل وتوجيهات للأطفال، لتشجيعهم على الإبداع وتنمية المهارات وإبراز المواهب.
ونثر أكثر من 42 موهوبا وموهوبة، إبداعاتهم في المسرح الذي أقيم عليه الحفل في جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، بين عروض مسرحية كوميدية، وأخرى خاصة بألعاب خفة، وفقرات ملهمة تدعو الأطفال إلى القراءة والتسلح بالمعرفة والاطلاع، كان أبطالها أطفال تميزوا في إلقائهم وحديثهم للحضور، إلى جانب استعراض تجارب وقصص أصر أصحابها من الأطفال على الاستمرار فيها حتى رأوا نور النجاح.
هذه الأنشطة والفقرات وجهت للأطفال رسائل عدة تدور حول أربعة محاور رئيسية هي قوة التعليم، لأنه سلاح العصر ويحتاج إلى بذل جهود ذاتية من شأنها رفع مستوى الوعي والإدراك. أما القوة الثانية فهي قوة العطاء التي تتطلب ترك أثر طيب عبر مساعدة الآخرين في البيت والمدرسة والحي. في حين تتمثل القوة الثالثة في قوة الإرادة التي تعني الصبر والتكرار وعدم اليأس، بحيث تكون هذه جميعها صفات البطل. بينما تكمن القوة الثالثة في التخيل الذي يرسم المستقبل، فعندما يتخيل الطفل، فهو يبتكر ويبدع لحل ما يحيط به من مشكلات.
وتأتي الفعالية لتسليط الضوء على إبداع الأطفال وإبراز مواهب المتميزين منهم من جانب، وإيجاد منصة لإلهام وتشجيع الأطفال على الإبداع وتنمية مهاراتهم من جانب آخر.
وخلال الفعالية التي شارك في تنظيمها 31 شابا وشابة ونحو 131 مرشدا غالبيتهم من الأطفال، شاركت الطفلة السعودية المبدعة منى المواش، التي تحدثت عن موهبتها في شرح مادة الرياضيات، مما جعلها تنشئ حسابًا على «سناب شات»، ليصل عدد المتابعين لها إلى ألف متابع ومتابعة، حيث عمدت إلى شرح مادة الرياضيات للصف الأول المتوسط، وما دون ذلك، لمساعدة صديقاتها ومن هم بحاجة للشرح.
أما الطفل عبد العزيز الرشيد، فقد فاجأ الحضور باصطحابه لدافور (موقد نار صغير) معه، داعيًا إلى استثمار تسمية بعض الأطفال لبعضهم بـ«الدوافير»، وذلك لكي يتمكنوا من الإبداع والنجاح، مستشهدًا بشخصيات مثل بيل غيتس وأحمد زويل، وحياة سندي، على اعتبار أنهم كانوا «دوافير» في بداية حياتهم، داعيًا الأطفال إلى أن يحذوا حذوهم، ويحولوا شغفهم بالعلم إلى نجاح ومصدر دخل لهم.
كما شهدت الفعالية، مشاركة الطفلة سوسن المالكي التي رسمت لوحة أكلمت فيها مع لوحات أخرى اسم وشعار فعالية «عوالمنا»، وكانت خلال رسمها للوحة تخاطب الجمهور وتتحدث إليهم عبر تسجيل صوتي عن قصتها وشغفها بالرسم.
ولم تخل الفعالية من مشاركة أطفال قضوا تجارب صعبة في حياتهم، حيث تحدث أحدهم عن قصة أبيه مع مرض «السرطان»، وكيف أنه أصبح وإخوته يحرصون على رضا أبيهم ويفرحونه دومًا حتى يتجاوز مرحلة المرض؛ إذ ساهم ذلك في إطلاق طاقة إيجابية في أسرته جعلت من والده رجلا سعيدا رغم مرضه.
أما الطفل عبد الله الجاسر، الذي يبلغ من العمر 12 عامًا، فقد أدى به شغفه بتشغيل الألعاب إلى البحث، عن طريق شبكة الإنترنت، عن كيفية تشغيل الألعاب، ومن ثم تشغيل وبرمجة الروبوتات، حتى أصبح يبرمج الروبوت عن طريق جهاز الهاتف.
وتحرص «مسك الخيرية» من خلال إقامتها فعالية «عوالمنا»، التي تأتي امتدادًا لجهود المؤسسة في فعالية «تيديكس الأطفال» طوال الأعوام الماضية، على إبراز المبدعين الصغار وتشجيعهم وفتح آفاق نجاحات جديدة أمامهم، بمشاركة عدد من الأطفال وأولياء الأمور والاختصاصيين التربويين.
وتهدف فعالية «عوالمنا» إلى خلق فرص لمشاركة الأطفال ولإبراز مواهبهم، وتأهيل مهارات الأطفال للظهور أمام الجمهور، وخلق مجتمع ترفيهي وإلهامي موجه من الأطفال وللأطفال، وكذلك تعزيز القيم الجمالية الأصيلة، حيث تعد «عوالمنا» أن البطولة لدى الطفل ليست معقدة كما تصورها الأفلام وكتب التاريخ، بل هي أبسط من ذلك، فهي تكمن في التفاصيل الصغيرة، وفي أسلوب الحياة، التي من شأنها جميعًا جعل حياة الطفل أكثر جمالاً.
وتؤمن مؤسسة «مسك الخيرية» بأن ما يشكله الأطفال من نسبة كبيرة في إجمالي تعداد سكان المملكة العربية السعودية، أمر يؤكد على ضرورة العناية بهم، والاستماع إلى أفكارهم وتوجهاتهم، وكذلك مشاركة تجاربهم، ونشر الإلهام والتحفيز في جيلهم.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)