نقاش في العراق حول الأزمة المالية.. وسبل تعظيم الموارد

وسط تساؤلات عن تسبب المشكلة في فشل الدولة

رجال يملأون المياه من نهر الفرات بالنجف جنوب العراق (رويترز)
رجال يملأون المياه من نهر الفرات بالنجف جنوب العراق (رويترز)
TT

نقاش في العراق حول الأزمة المالية.. وسبل تعظيم الموارد

رجال يملأون المياه من نهر الفرات بالنجف جنوب العراق (رويترز)
رجال يملأون المياه من نهر الفرات بالنجف جنوب العراق (رويترز)

يمر العراق حاليا بأخطر أزمة اقتصادية منذ عام 2003 وقد تهدد مستقبله بالكامل، ومن أسباب هذا التدهور الكبير الانخفاض الحاد في أسعار النفط وسيطرة تنظيم داعش على ثلث مساحة العراق (حيث الكثير من حقول النفط والمصافي والبنوك المحلية والأجنبية)، واتساع رقعة الفساد الإداري والمالي في البلد، الأمر الذي أدى إلى إحجام المستثمرين الأجانب عن الدخول في السوق العراقي.
ورغم أن ميزانية العراق كانت خلال الأعوام السابقة لـ2015 تفوق مائة مليار دولار فإن نحو 80 في المائة من هذه الميزانية يذهب للمصاريف التشغيلية من رواتب وتقاعد (معاشات) ومصروفات يومية، أما المبلغ المخصص للاستثمار فهو لا يتجاوز 20 في المائة من هذه الميزانية ويتم إنفاقها فقط على المشاريع الحالية التي لم تنجز بعد، وحتى هذا المبلغ الضئيل لن يكون متوفرا بسبب حاجة البلد إلى مبالغ كبيرة جدا لشراء الأسلحة لمواجهة تنظيم داعش الإرهابي.
وفي هذا السياق، شهد مركز الرتوة للدراسات والاستشارات، ندوة حوارية ناقشت ما يعانيه العراق في ظل أزمة اقتصادية خانقة تحت عنوان (الأزمة المالية وسبل تعظيم الموارد المالية)، وحل ضيفا فيها مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون الاقتصادية، الدكتور مظهر محمد صالح.
وقال صالح في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «العراق من الدول الغنية بالثروات والموارد البشرية ولكن للأسف الشديد نتيجة للسياسات المضطربة بعد 2003 وبسبب الإدارة المالية غير الصحيحة، واعتماد نهج المحاصصة الطائفية والإثنية، وانتشار الفساد الإداري والمالي في مفاصل الدولة كافة، وعمليات تهريب الأموال إلى خارج العراق، كل ذلك أدى إلى تفاقم الأزمة المالية والاقتصادية التي جعلت العراق في مصاف الدول الفقيرة، حيث يعيش 37 في المائة من المواطنين العراقيين تحت خط الفقر».
وأضاف صالح أن «ما فاقم الأوضاع المالية الصعبة، هو ازدياد أعداد الموظفين والمتقاعدين والمواطنين الذين يتقاضون رواتب الرعاية الاجتماعية، الذين بلغ عددهم 8 ملايين مواطن، مليون منهم يتقاضون رواتب ثابتة».
وأشار صالح إلى أن «تزايد المبالغ المصروفة على العمليات العسكرية في الحرب ضد تنظيم داعش، أدى إلى تفاقم الظروف المالية الصعبة، فضلا عن أن انخفاض أسعار النفط، ما يستدعي التفكر في عدم الاعتماد على الاقتصاد الريعي، والاتجاه إلى تشجيع الزراعة والصناعة والقطاع الخاص».
وتحدث في الندوة عدد من الأكاديميين المختصين في الشأن الاقتصادي، بشكل موجز عن عقود جولات التراخيص النفطية «عقود خدمة وليست عقود مشاركة كما في إقليم كردستان».
وقام عدد من الحضور بإجراء مداخلات تمحورت حول عدد من القضايا، من بينها «الاقتراض الداخلي والخارجي، خاصة من صندوق النقد الدولي وتأثير الاقتراض على الاقتصاد العراقي»، «قضية استقطاع نسبة من رواتب الموظفين وإنهاء خدمة موظفي العقود وعمال الأجر اليومي»، «الادخار الإجباري والسند الوطني»، «ضرورة التوجه الجاد إلى إنعاش الصناعة والزراعة وعدم الاعتماد على الاقتصاد البترولي»، «تشجيع السياحة الدينية وخصوصا في المدن الدينية لمردودها المالي الكبير اقتداء بتجربتي السعودية وإيران».
ووصف الخبير في الشؤون الاقتصادية والسياسية الباحث رحيم الشمري، أن «الوضع الحالي للعراق خاصة الاقتصادي وإجراءات الحكومة بعيدة عن الحل الجذري، والبلاد تمر منذ أكثر من عام بأزمة اقتصادية نتيجة الانخفاض الحاد بأسعار النفط، المورد الأساسي شبه الوحيد لإيرادات البلاد».
وقال الشمري في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «الوضع المالي والاقتصادي للعراق أصبح من الصعب تداركه في الوقت الراهن نتيجة الاحتياجات المالية المرتفعة لمواجهة التنظيمات الإرهابية المسلحة، وتكاليف تجهيز القوات الأمنية بالأسلحة والآليات والتموين والتي تستحوذ في كل عام على ثلث الموازنة العامة، خصوصا أن ميزانية عام 2016 التي أُقرت من الحكومة والبرلمان، هي الأدنى في ميزانيات العراق في العشر سنوات الأخيرة».
وأضاف الشمري أن «العراق ليس، كما يصفه الإعلام، بلدا مفلسا، فالاحتياطي يُقدر بـ60 مليار دولار، وكذلك يمتلك مصرف الرشيد والرافدين الحكوميان رصيدا وودائع تقدر بـ300 مليار دولار، لكن إجراءات الحكومة الإصلاحية ما زالت تحتاج لوقت، كما أننا في حاجة لخطوات أكثر عمقا».
وقال الشمري إنه رغم أن أعضاء فريق المستشارين الاقتصاديين لرئيس الوزراء لهم رؤية وخبرة، لكنهم ما زالوا بحاجة ماسة للمساندة الدولية، حتى بعد تأمين مخصصات رواتب الموظفين والمتقاعدين لهذا العام بالكامل، ونجاح الحكومة في تحصيل 5 مليارات دولار في أول شهر من عام 2016 من الضرائب التي تم تفعيلها في بداية العام.
وأشار الشمري إلى أن «البلاد تحتاج لإصلاح اقتصادي ودراسات دولية تمكنها من استغلال مواردها في قطاعات المعادن والصناعة والزراعة، وكذلك قطاعات السياحة الدينية والأثرية والترفيهية، وهذا يجب أن يحدث سريعا لأن العراق تحتاج لموارد لإعادة إعمار المناطق المحررة من احتلال الإرهابيين، ومعالجة أزمة نزوح ما يقرب من 4 ملايين فرد من ديارهم، وصعوبة تأمين احتياجاتهم بالمناطق التي نزحوا إليها وكيفية إعادتهم إلى ديارهم بعد التحرير».
وأكد الخبير الاقتصادي أن «الدولة في العراق تحتاج لخطوات جادة وقوية تتوفر فيها عناصر الثقة والصدق بين كل الأطراف خاصة السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، ومن دون توفر الرؤى الإصلاحية فإن أي دعوات وتصريحات لن يكتب لها النجاح وتبقى حبرًا على ورق، مؤكدًا أن وضع البلاد صعب وأي إصلاحات يجب أن تقودها خبرات مهنية، وتمتلك رؤية قادرة على إخراج البلاد من واقعها الأمني والاقتصادي والسياسي الشائك، وأن تلتزم الأحزاب والحركات السياسية وحتى الكتل البرلمانية جانب الحياد وتتمسك بوحدة العراق والدستور، مع تفعيل عمل السلطة القضائية التي تحتاج لإعادة النظر في مفاصلها وقوانينها كافة، والعراق إذا لم يتمكن من الخروج من المحنة فإنه أمام خيار إعلان فشل الديمقراطية الناشئة والفراغ السياسي».



«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

صورة جماعية للمشاركين في مؤتمر «كوب 16» في اختتام أعماله (واس)
صورة جماعية للمشاركين في مؤتمر «كوب 16» في اختتام أعماله (واس)
TT

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

صورة جماعية للمشاركين في مؤتمر «كوب 16» في اختتام أعماله (واس)
صورة جماعية للمشاركين في مؤتمر «كوب 16» في اختتام أعماله (واس)

أنتج مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) الذي عقد في الرياض، 35 قراراً حول مواضيع محورية شملت الحد من تدهور الأراضي والجفاف، والهجرة، والعواصف الترابية والرملية، وتعزيز دور العلوم والبحث والابتكار، وتفعيل دور المرأة والشباب والمجتمع المدني، والسكان الأصليين لمواجهة التحديات البيئية، بالإضافة إلى الموافقة على مواضيع جديدة ستدرج ضمن نشاطات الاتفاقية مثل المراعي، ونظم الأغذية الزراعية المستدامة.

هذا ما أعلنه وزير البيئة والمياه والزراعة رئيس الدورة الـ16 لمؤتمر الأطراف، المهندس عبد الرحمن الفضلي، في كلمة بختام أعمال المؤتمر، مؤكداً التزام المملكة بمواصلة جهودها للمحافظة على النظم البيئية، وتعزيز التعاون الدولي لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي، والتصدي للجفاف، خلال فترة رئاستها للدورة الحالية للمؤتمر.

وكان مؤتمر «كوب 16» الذي استضافته المملكة بين 2 و13 ديسمبر (كانون الأول)، هو الأول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما يؤكد دور المملكة الريادي في حماية البيئة على المستويين الإقليمي والدولي.

أعلام الدول المشارِكة في «كوب 16» (واس)

وشهد المؤتمر الإعلان عن مجموعة من الشراكات الدولية الكبرى لتعزيز جهود استعادة الأراضي والقدرة على الصمود في مواجهة الجفاف، مع تضخيم الوعي الدولي بالأزمات العالمية الناجمة عن استمرار تدهور الأراضي. ونجح في تأمين أكثر من 12 مليار دولار من تعهدات التمويل من المنظمات الدولية الكبرى، مما أدى إلى تعزيز دور المؤسسات المالية ودور القطاع الخاص في مكافحة تدهور الأراضي والتصحر والجفاف.

ورفع الفضلي الشكر لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده على دعمهما غير المحدود لاستضافة المملكة لهذا المؤتمر الدولي المهم، الذي يأتي امتداداً لاهتمامهما بقضايا البيئة والتنمية المستدامة، والعمل على مواجهة التحديات البيئية، خصوصاً التصحر، وتدهور الأراضي، والجفاف، مشيراً إلى النجاح الكبير الذي حققته المملكة في استضافة هذه الدورة، حيث شهدت مشاركة فاعلة لأكثر من 85 ألف مشارك، من ممثلي المنظمات الدولية، والقطاع الخاص، ومؤسسات المجتمع المدني، ومراكز الأبحاث، والشعوب الأصلية، وقد نظم خلال المؤتمر أكثر من 900 فعالية في المنطقتين الزرقاء، والخضراء؛ مما يجعل من هذه الدورة للمؤتمر، نقطة تحول تاريخية في حشد الزخم الدولي لتعزيز تحقيق مستهدفات الاتفاقية على أرض الواقع، للحد من تدهور الأراضي وآثار الجفاف.

خارج مقر انعقاد المؤتمر في الرياض (واس)

وأوضح الفضلي أن المملكة أطلقت خلال أعمال المؤتمر، 3 مبادرات بيئية مهمة، شملت: مبادرة الإنذار المبكر من العواصف الغبارية والرملية، ومبادرة شراكة الرياض العالمية لتعزيز الصمود في مواجهة الجفاف، والموجهة لدعم 80 دولة من الدول الأكثر عُرضة لأخطار الجفاف، بالإضافة إلى مبادرة قطاع الأعمال من أجل الأرض، التي تهدف إلى تعزيز دور القطاع الخاص في جميع أنحاء العالم للمشاركة في جهود المحافظة على الأراضي والحد من تدهورها، وتبني مفاهيم الإدارة المستدامة. كما أطلق عدد من الحكومات، وجهات القطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدني، وغيرها من الجهات المشاركة في المؤتمر، كثيراً من المبادرات الأخرى.

وثمّن الفضلي إعلان المانحين الإقليميين تخصيص 12 مليار دولار لدعم مشروعات الحد من تدهور الأراضي وآثار الجفاف؛ داعياً القطاع الخاص، ومؤسسات التمويل الدولية، لاتخاذ خطوات مماثلة؛ «حتى نتمكن جميعاً من مواجهة التحديات العالمية، التي تؤثر في البيئة، والأمن المائي والغذائي، للمجتمعات في مختلف القارات».

وأعرب عن تطلُّع المملكة في أن تُسهم مخرجات هذه الدورة لمؤتمر الأطراف السادس عشر، في إحداث نقلة نوعية تعزّز الجهود المبذولة للمحافظة على الأراضي، والحد من تدهورها، إضافةً إلى بناء القدرات لمواجهة الجفاف، والإسهام في رفاهية المجتمعات بمختلف أنحاء العالم، مؤكداً التزام المملكة بالعمل الدولي المشترك مع جميع الأطراف المعنية؛ لمواجهة التحديات البيئية، وإيجاد حلول مبتكرة ومستدامة لتدهور الأراضي والتصحر والجفاف، والاستثمار في زيادة الرقعة الخضراء، إلى جانب التعاون على نقل التجارب والتقنيات الحديثة، وتبني مبادرات وبرامج لتعزيز الشراكات بين الحكومات، والقطاع الخاص، والمجتمعات المحلية، ومؤسسات التمويل، والمنظمات غير الحكومية، والتوافق حول آليات تعزز العمل الدولي المشترك.