ارتفاع وتيرة «خفض التوقعات» للاقتصاد الألماني

10 % من الألمان يملكون 60 % من الثروة

متعاملون في بورصة فرانكفورت بألمانيا (رويترز)
متعاملون في بورصة فرانكفورت بألمانيا (رويترز)
TT

ارتفاع وتيرة «خفض التوقعات» للاقتصاد الألماني

متعاملون في بورصة فرانكفورت بألمانيا (رويترز)
متعاملون في بورصة فرانكفورت بألمانيا (رويترز)

ارتفعت وتيرة «خفض التوقعات» للاقتصاد الألماني، على خلفية تراجع معدلات النمو في الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وفي بعض الأسواق المجاورة حول العالم.
وخفض حكماء الاقتصاد الألماني (خمسة من كبار الخبراء تستعين بهم الحكومة الألمانية) من توقعاتهم الخاصة بنمو الاقتصاد الألماني للعام الحالي بصورة طفيفة، وأشارت توقعاتهم إلى أن الاقتصاد الألماني سيحقق العام الحالي نموًا بنسبة 1.5 في المائة مقابل 1.6 في المائة في التوقعات السابقة.
وكان البنك المركزي الألماني قد توقع، تباطؤ الاقتصاد الألماني في الربع الثاني من العام بعد أن شهد نموًا ثابتًا في الأشهر الثلاثة الأولى. وصرح البنك (بوندسبنك) في تقريره الشهري الأخير أن «الاقتصاد الألماني بدأ عام 2016 بزخم كبير»، إلا أنه «من المتوقع أن يشهد النمو الاقتصادي تباطؤًا في الربع الثاني».
وقال إن الاقتصاد الألماني شهد «معدلاً قويًا من النمو» في الربع الثاني من عام 2015، بينما بلغ النمو في الربعين الثالث والرابع نسبة تقارب 0.3 في المائة، وهو ما «يطابق التوقعات».
واستبعد حكماء الاقتصاد الألماني حدوث تداعيات على معدل النمو على خلفية الهجمات الإرهابية التي وقعت في العاصمة البلجيكية بروكسل. ورأى الخبراء أن نفقات الاستهلاك ونفقات الدولة على إيواء ودمج مئات الآلاف من اللاجئين، بالإضافة إلى الوضع الجيد في سوق العمل جاءت في طليعة العوامل التي مثلت قاطرة التحفيز للحالة الاقتصادية فيما خلت هذه العوامل من التصدير.
وتوقعوا أن يحقق أكبر اقتصاد في منطقة اليورو وفي أوروبا، في العام المقبل نموًا بنسبة 1.6 في المائة.
وفيما يتعلق بالنفقات الحكومية على اللاجئين، توقع الخبراء أن تتمكن الحكومة من توفير هذه النفقات في العام الحالي والعام المقبل دون اللجوء إلى ديون جديدة، وقدروا التكاليف الإضافية في هذا المجال بـ13.7 مليار يورو للعام الحالي وبـ12.9 مليار يورو للعام المقبل.
واستبعد الخبراء أن يكون لتدفق اللاجئين تأثير قوي على سوق العمل في البلاد قبل حلول العام المقبل، متوقعين حدوث ارتفاع طفيف في أعداد العاطلين في العام الحالي إلى 2.8 مليون، كما توقعوا أن يقترب هذا العدد في العام المقبل من ثلاثة ملايين شخص.
وقد وفر الطلب الدولي القوي على السلع الألمانية مناعة للبلاد من الهزات الخارجية بما في ذلك تباطؤ الاقتصاد الصيني وعدد من الدول الناشئة إضافة إلى التوترات الجيوسياسية، إلا أن مجموعة العوامل السلبية بدأت تؤثر على مؤشرات معينة.
وقال البنك المركزي الألماني، إن توقعاته بالنسبة للربع الأول ستطابق وربما تتجاوز قليلاً ذلك المعدل، إلا أنه قال إن تباطؤ الطلبات الصناعية وتدهور مؤشر بيئة الأعمال «ايفو» بما في ذلك الانخفاض الكبير في مؤشراته الثابتة السابقة للإنتاج والتصدير، لا يعطي نتائج إيجابية بالنسبة للربع الثاني.
وقال البنك إنه في الوقت الحاضر فإن «مزاج المستهلكين لا يزال يتسم بالتفاؤل» بعد أن حل الاستهلاك الداخلي محل التصدير في العام الماضي كمحرك رئيسي للنمو الاقتصادي.
ومن جانبه قال مكتب الإحصاء الألماني إن انخفاض معدل التضخم عام 2015 صب في مصلحة العاملين، حيث تسبب ذلك في زيادة قيمة دخلهم بشكل واضح. وأضاف المكتب أمس الخميس، في مدينة فيسبادن وسط ألمانيا، أن الأجور الإجمالية ارتفعت بنسبة 2.7 في المائة «وبعد خصم نسبة التضخم تكون هذه الأجور قد شهدت ارتفاعًا صافيًا بنسبة 2.4 في المائة».
ورغم أن هذه النسبة أقل 0.1 في المائة، عما كان متوقعًا، فإنها تمثل أعلى زيادة صافية تحققها الأجور منذ بدء حساب الزيادات في الأجور بشكل تسلسلي عام 2008، وتسبب انخفاض معدل الغلاء في زيادة القوة الشرائية لأصحاب الوظائف.
وفي تصريح في مؤتمر صحافي سنوي قال رئيس البوندسبنك، ينز فيدمان منتصف الأسبوع، إن الاقتصاد الألماني: «في وضع جيد بشكل عام»، مشيدًا بـ«الزيادة الكبيرة» في الدخل المتاح للمواطنين لأسباب من بينها انخفاض معدل التضخم.
وبالنسبة لعام 2016 بأكمله توقع البنك نموًا بنسبة 1.8 في المائة، أي أعلى بقليل من توقعات الحكومة بتحقيق نمو بنسبة 1.7 في المائة، وأعلى من توقعات لجنة الحكماء.
وكان هانز - فيرنر سين رئيس معهد إيفو الألماني الاقتصادي قد توقع في آخر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أن يحقق الاقتصاد الألماني نموًا قويًا في العام الحالي مع وجود مخاطرتين كبيرتين.
وقال إن هاتين المخاطرتين تتمثلان في تسجيل الاقتصاد الصيني تراجعًا أقوى في العام المقبل ووقوع أزمة جديدة في منطقة اليورو «حيث يجري التغطية على المشاكل». ورأى أن النفقات الحكومية الإضافية بقيمة 21 مليار يورو في ألمانيا والمخصصة للاجئين ستدعم الحالة الاقتصادية في العام المقبل.
وأضاف أنه لما كان من المستبعد أن ترفع الحكومة الضرائب قبل الانتخابات البرلمانية المقبلة، فإن على الدولة أن تعوض النفقات الإضافية من خلال اقتطاعات في مجالات أخرى لسداد الديون. وحذر سين من انتهاج سياسة اقتصادية تعتمد على الديون في ألمانيا «لأنه لا أحد سينقذ ألمانيا ولن يخفف أحد الديون علينا»، مشيرًا إلى أن الديون السيادية في ألمانيا تشكل أكثر من 70 في المائة من إجمالي الناتج المحلي السنوي وهذا مستوى مرتفع للغاية.
وتوقع سين أن يحقق إجمالي الناتج المحلي لألمانيا في العام الحالي ارتفاعًا بنسبة 1.9 في المائة، وهي نسبة أعلى من توقعات البنك المركزي الألماني (بوندسبنك).
يأتي هذه التوقعات، في الوقت الذي أظهرت فيه دراسة أصدرها البنك المركزي الألماني «البوندسبنك» يوم الاثنين، أن 10 في المائة من الألمان يملكون نحو 60 في المائة من الثروة مما يلقي الضوء على الفجوة الكبيرة بين الأغنى والأفقر في أكبر اقتصادات أوروبا.
ومن المعروف أن ألمانيا تنتهج سياسة اقتصاد السوق التي تراعي البعد الاجتماعي منذ مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي ساعد في تأسيس حالة من رفاهة العامة بالتوازي مع سياسات تدعم الصناعة، لكن البوندسبنك وجد أن نصف السكان يملكون القليل من الثروات أو لا يملكون ثروات على الإطلاق.
وقال بوندسبنك إن ارتفاع أسعار العقارات هو ما يزيد ثروات من يملكون العقارات بينما يبقى المستأجرون دون اللحاق بالركب.
وشهدت الأسر التي تملك مساكنها، قفزة في ثرواتها بأكثر من 33500 يورو (37800 دولار) في أربع سنوات حتى 2014، في حين لم يشهد المستأجرون سوى زيادة بلغت ألف يورو أو أقل.



وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 
TT

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

قبل أكثر من مائة عام، بدأت رحلة السعودية ذات المناخ الصحراوي والجاف مع تحلية المياه بآلة «الكنداسة» على شواطئ جدة (غرب المملكة)، قبل أن تصبح اليوم أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم، وحاصلة على 9 شهادات قياسية من «غينيس».

وسميت «الكنداسة» اشتقاقاً من اسمها اللاتيني (Condenser) والتي تعني المكثف، هذه الآلة كانت تعمل بالفحم الحجري لتكثيف وتقطير مياه البحر لتنتج المياه العذبة.

وفي عام 1926، وبسبب معاناة الحجاج والمعتمرين من قلة المياه العذبة عند وصولهم إلى جدة، إذ كانت بالكاد تكفي السكان، أمر الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود باستيراد آلتين كبيرتين لتقطير مياه البحر لتأمين احتياجهم من الماء.

أما نقطة التحول فكانت في 1974، العام الذي أنشئت فيه المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة في السعودية (الهيئة السعودية للمياه حالياً). وتدير حالياً 33 محطة تحلية، من بينها 8 محطات على ساحل الخليج العربي و25 محطة على ساحل البحر الأحمر.

وتنتج هذه المحطات 5.6 مليون متر مكعب من المياه العذبة يومياً، ما يعادل نحو 70 في المائة من إنتاج المياه المحلاة في المملكة، ما يجعلها أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

وقد سجّلت في فبراير (شباط) الماضي المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة تسعة أرقام قياسية سعودية جديدة في موسوعة «غينيس» العالمية، وذلك لإنتاجها ما يزيد على 11.5 مليون متر مكعب يومياً.

استثمارات ضخمة

أصبحت السعودية من كبرى الدول في العالم من حيث حجم الاستثمارات في تحلية المياه، إذ ضخت استثمارات كبيرة في بناء محطات التحلية، بحسب وكيل الرئيس للشراكات الاستراتيجية والمحتوى المحلي في الهيئة السعودية للمياه المهندس محمد آل الشيخ، خلال حديثه في مؤتمر الأطراف (كوب 16) المقام حالياً في الرياض.

وأوضح آل الشيخ أن العاصمة الرياض على سبيل المثال تحصل على المياه المحلاة من بحر الخليج العربي عبر خط أنابيب يمتد لمسافة 500 كيلومتر، وهو نظام نقل مياه متطور لنقل المياه المحلاة، مضيفاً أن هناك استثمارات في البنية التحتية قد تمت على مدار أكثر من أربعة عقود.

ووفقاً لآخر الأرقام المعلنة، فقد رصدت البلاد ميزانية تجاوزت 80 مليار دولار لتنفيذ مئات المشاريع المائية خلال السنوات المقبلة.

تعميم التجربة

ولم تدخر السعودية الخبرات التي جمعتها منذ أن تحولت تحلية المياه من «الكنداسة» إلى أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

فقد وقّعت في يوليو (تموز) 2024 اتفاقية مع البنك الدولي تهدف في أحد بنودها إلى تعميم تجربة المملكة الناجحة في قطاع المياه إلى الدول الأقل نمواً.

وتشمل أيضاً نقل المعرفة وتبادل الخبرات في إدارة الموارد المائية وتقليل التكاليف التشغيلية للمرافق.

وتسعى البلاد إلى مساعدة الدول الأخرى في تحسين كفاءة قطاع المياه وتطوير حلول مستدامة، ما يحقق الهدف السادس لهيئة الأمم المتحدة: «المياه النظيفة والنظافة الصحية»، وفق البيان.

تقنيات الطاقة

وفيما يخص التقنيات المتطورة في تحلية المياه، تحدث آل الشيخ عن التوجهات المستقبلية لتحسين تقنيات التحلية، إذ انتقلت المملكة من استخدام تقنيات التحلية الحرارية إلى تقنيات أكثر كفاءة وأقل استهلاكاً للطاقة بنسب تصل في توفير الطاقة لأكثر من 80 في المائة، وتهدف إلى أن تصبح 83 في المائة من مياه البحر المحلاة، وتعتمد على تقنية التناضح العكسي، وهو ما يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق الاستدامة.

وتُستخدم تقنية التناضح العكسي بشكل واسع في تحلية مياه البحر للحصول على مياه صالحة للشرب، وفي معالجة مياه الصرف الصحي، وكذلك في العديد من التطبيقات الصناعية التي تحتاج إلى مياه نقية وخالية من الشوائب.

آل الشيخ متحدثاً للحضور خلال إحدى الجلسات على هامش مؤتمر (كوب 16) بالرياض (الشرق الأوسط)

وأشار آل الشيخ إلى أن المملكة قامت بتنفيذ تجارب مبتكرة، مثل المشروع التجريبي في مدينة حقل (شمال غربي السعودية)، من خلال إنشاء محطة هجينة تعتمد على الطاقة الشمسية والرياح والطاقة التقليدية.

و«قد أثبت المشروع أن هذه التكنولوجيا يمكن أن تساهم في تقليل استهلاك الطاقة في تشغيل محطات التحلية، حيث يمكن للطاقة المتجددة أن تساهم في تشغيل المحطات بنسبة تصل إلى 60 في المائة في بعض الفصول».

انخفاض تكلفة الإنتاج

وفيما يتعلق بتكاليف الإنتاج، أكد آل الشيخ أن تكلفة تحلية المياه قد انخفضت بشكل ملحوظ، إذ كانت تكاليف إنتاج متر مكعب واحد من الماء تتجاوز 4 ريالات (1.06 دولار) في الماضي، بينما الآن لا تتجاوز التكلفة 2.5 ريال (نحو 0.67 دولار)، مع توقعات بتحقيق انخفاض أكبر في المستقبل.

وخلال الجلسة الحوارية على هامش «كوب 16»، قال المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار جاه إن الدول التي تعاني من ندرة المياه يجب أن تسعى إلى إعادة استخدام كل قطرة مياه في البلاد عدة مرات.

وأشار إلى أن سنغافورة تعد نموذجاً في هذا المجال، حيث تعيد استخدام كل قطرة مياه 2.7 مرة. وفيما يتعلق بالسعودية، ذكر أن المملكة تستخدم المياه مرتين تقريباً، مع إمكانية تحسين هذه النسبة بشكل أكبر في المستقبل.

المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار خلال الجلسة الحوارية (الشرق الأوسط)

وفيما يخص تكلفة تحلية المياه، قال إنها انخفضت بنسبة 80 في المائة تقريباً عالمياً، بفضل استخدام الطاقة الشمسية وتطور التقنيات المستخدمة في التحلية، مما يجعل هذه الطريقة أكثر جدوى في البلدان مثل السعودية التي تقل فيها معدلات هطول الأمطار.

ولفت كومار جاه إلى زيارته الأخيرة منطقة أنتوفاغاستا في تشيلي، وهي الأشد جفافاً في العالم، إذ لا تسقط فيها الأمطار على الإطلاق.

ورغم ذلك، تُعد هذه المنطقة من أكثر المناطق الاقتصادية ازدهاراً في العالم، بفضل تبني تقنيات تحلية المياه وإعادة استخدامها، مما يعكس إمكانية بناء المرونة المائية في المناطق الجافة مثل السعودية، بحسب كومار جاه.