البرازيل: لولا دا سيلفا يستنفر النقابات لمواجهة الانقلاب على روسيف

الرئيس السابق ينتظر الحسم في قرار تسلمه منصب رئيس الديوان

البرازيل: لولا دا سيلفا يستنفر النقابات لمواجهة الانقلاب على روسيف
TT

البرازيل: لولا دا سيلفا يستنفر النقابات لمواجهة الانقلاب على روسيف

البرازيل: لولا دا سيلفا يستنفر النقابات لمواجهة الانقلاب على روسيف

استنفر الرئيس البرازيلي السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا النقابات لمواجهة «الانقلاب» الدستوري، الذي يستهدف الرئيسة ديلما روسيف المهددة بالإقالة في البرلمان، كما يقول اليسار الحاكم.
وفي حضور مئات النقابيين الذين يدافعون عن قضية حزب العمال الحاكم، قال دا سيلفا رمز اليسار البرازيلي، خلال لقاء عقد ليلة أول من أمس تحت شعار «دفاعا عن الديمقراطية» في ساو باولو، إن «هذا البلد لا يستطيع أن يقبل بالانقلاب».
وتواجه البرازيل في خضم الركود الاقتصادي أزمة سياسية تاريخية، زادت من حدتها فضيحة الفساد المدوية في شركة النفط الرسمية «بتروبراس». وفي هذا السياق قال الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي يزور الأرجنتين المجاورة: «نحن نحتاج إلى برازيل قوية»، معربا عن الأمل في أن تتمكن «من إيجاد حلول ناجعة لمشكلاتها»، لكن الغيوم ما زالت تتراكم فوق رؤوس أعضاء الفريق الرئاسي، خصوصا بعد أن أعلنت شركة «أوديبريشت» العملاقة للبناء والأشغال العامة عن «تعاونها النهائي» مع المحققين في مقابل إسقاط عقوبات قد تتخذ في حقها مستقبلا.
ولم يؤكد القضاء أي تفاوض مع الشركة، لكنه سرب إلى وسائل الإعلام لائحة مربكة بأسماء أكثر من 200 سياسي، ينتمون إلى 18 حزبا، يسود الاعتقاد بأن «أوديبريشت» عمدت إلى تمويل حملاتهم الانتخابية، ومنهم زعيم المعارضة أسيو نيفيس، علما بأن عمليات التمويل هذه ليست بالضرورة غير شرعية، لأن القانون الانتخابي البرازيلي يسمح بمساهمات خاصة في الحملات.
ووردت في هذه اللائحة أسماء بعض الشخصيات المحورية في الحياة السياسية بالبرازيل، وأرفقت أسماء معظمهم بألقاب طريفة، وكمثال على ذلك، فرئيس مجلس النواب إدواردو كونا، الذي يقود عملية إقالة الرئيسة ديلما روسيف، سمي «السلطعون»، ورئيس مجلس الشيوخ رينان كاليروس «الرياضي»، والرئيس السابق جوزيه سارني (1985 - 1990) «الكاتب»، ورئيس بلدية مدينة ريو دو جانيرو التي ستجرى فيها الألعاب الأولمبية إدواردو بايس سمي «العصبي الصغير».
وتترأس «أوديبريشت» اتحادا من شركات البناء والأشغال العامة العملاقة، كان يتلاعب بالصفقات من الباطن لمجموعة «بتروبراس» النفطية، وذلك من خلال دفع رشى كان قسم منها يمول حملات الأحزاب.
وبمعزل عن المجال النفطي، تحوم الشكوك حول صفقات أخرى، كبناء ملعب «كورينثيانس» في ساو باولو الذي استضاف مباراة افتتاح كأس العالم لكرة القدم 2014، وتجديد المرفأ، وتوسيع مترو ريو دو جانيرو تمهيدا للألعاب الأولمبية في أغسطس (آب) المقبل.
وقال لولا دا سيلفا، الذي يشتبه بتورطه في فساد وتبييض أموال في تحقيق بتروبراس، إنه «ينتظر بفارغ الصبر» ليعرف هل يستطيع أم لا تسلم مهام منصبه رئيسا لديوان الرئاسة، مضيفا أمام أنصاره في ساو باولو: «سأساعد ديلما على أن تحكم هذا البلد، حتى لو كانت هذه المساعدة هي آخر ما أفعله في حياتي».
وقد تم تعليق تعيينه لأنه قد يعرقل عمل القضاء، في انتظار قرار جماعي نهائي تتخذه المحكمة العليا الاتحادية، الأسبوع المقبل بالتأكيد.
وفي الانتظار، ربح لولا دا سيلفا وديلما روسيف معركة في هذه المعمعة المعقدة السياسية والقضائية، إذ انتقد قاض كبير في المحكمة العليا الاتحادية إقدام القاضي سيرجيو مورو، المسؤول عن ملف بتروبراس، على الكشف عن محادثات هاتفية بين لولا دا سيلفا وسلطات تتمتع بالحصانة، ومنها واحدة مع ديلما روسيف التي لمحت إلى أن الهدف من تعيينه في الحكومة هو حمايته من إمكان وضعه في السجن.
وأمر القاضي تيوري زافاسكي، المسؤول عن الجانب السياسي من ملف بتروبراس، القاضي مورو بأن يعيد إليه كامل التحقيق الذي أجراه حول لولا دا سيلفا، من أجل دراسته، وأمر باعتماد السرية حول هذه المحادثات التي نشرتها وسائل الإعلام بحرفيتها حتى الآن.
وقد أشادت ديلما روسيف بهذا القرار واعتبرته «مهمًّا» لأن الكشف عن هذه المحادثات الهاتفية ينتهك «الضمانات والحقوق الدستورية لرئاسة الجمهورية».
واحتج مئات الأشخاص مساء أول من أمس أمام مبنى المحكمة العليا الاتحادية في برازيليا، ووصفوا القاضي زافاسكي بأنه «عار وطني»، بينما ينتظر تنظيم مظاهرة أخرى في ساو باولو تحت شعار «أناضل من أجل مورو».
وفي مجلس النواب، تتواصل أعمال اللجنة الخاصة المؤلفة من 65 نائبا لإصدار توصية أولى حول إقالة الرئيسة، بينما تتهم المعارضة روسيف بالتلاعب بالحسابات الرسمية في 2014 للتقليل من حجم العجز، وتأمين إعادة انتخابها.



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.