بريطانيا تشكل لجنة للتحقيق في تعطل مساعدات المنظمات الإسلامية في سوريا

البنوك تتحفظ تخوفًا من التعامل مع منظمات إرهابية والغرامات الباهظة

عضوان من فرع لمنظمة الهلال العربي السوري يقومان بتلقيح أطفال من مدرسة ابتدائية في مدينة دوما شمال شرقي العاصمة دمشق أمس (أ.ف.ب)
عضوان من فرع لمنظمة الهلال العربي السوري يقومان بتلقيح أطفال من مدرسة ابتدائية في مدينة دوما شمال شرقي العاصمة دمشق أمس (أ.ف.ب)
TT

بريطانيا تشكل لجنة للتحقيق في تعطل مساعدات المنظمات الإسلامية في سوريا

عضوان من فرع لمنظمة الهلال العربي السوري يقومان بتلقيح أطفال من مدرسة ابتدائية في مدينة دوما شمال شرقي العاصمة دمشق أمس (أ.ف.ب)
عضوان من فرع لمنظمة الهلال العربي السوري يقومان بتلقيح أطفال من مدرسة ابتدائية في مدينة دوما شمال شرقي العاصمة دمشق أمس (أ.ف.ب)

أطلقت لجنة شؤون التنمية الدولية البريطانية داخل مجلس العموم تحقيقًا حول تأثير وعرقلة قوانين مكافحة الإرهاب داخل المملكة المتحدة على الجهود الإنسانية لمنظمات خيرية إسلامية بريطانية التي تعمل داخل سوريا، في الوقت الذي تبدي فيه منظمات خيرية إسلامية بريطانية تخوفها من أنها تتعرض لاستهداف ظالم بسبب الخوف من التطرف.
وأثارت القضية وزيري التنمية الدولية السابقين، آندرو ميتشيل وكلير شورت، أمام مسؤولين حكوميين في البرلمان، وتساءلا حول ما إذا كانت المساعدات الحكومية يجري تحويلها بعيدًا عن المنظمات الخيرية الإسلامية، خاصة وأنه تتوجه قرابة نحو خمس المساعدات الحكومية إلى منظمات خيرية.
وحث ميتشيل، الذي تولى منصب وزير التنمية الدولية بين عامي 2010 و2012، وشورت، التي خلفته بالمنصب وتنتمي لحزب العمال، الحكومة على فتح تحقيق حول الشكاوى المتزايدة من جانب منظمات خيرية إسلامية.
وأعلنت تلك المنظمات، ومنها «منظمة الإغاثة الإسلامية»، أن جهودها بمجال العمل الإنساني تتعطل بسبب قلق المصارف من انتهاك قوانين مكافحة الإرهاب والتي تكون عن غير قصد أو خوف موظفين حكوميين من إمكانية سقوط بعض الأموال في أيدي منظمات إرهابية خطأ، خاصة وأن «منظمة الإغاثة الإسلامية» واحدة من كبريات المنظمات الخيرية الإسلامية في بريطانيا، وسبق وأن أشاد بها ديفيد كاميرون أثناء حملته الانتخابية عام 2010.
أما شورت التي تولت مسؤولية وزارة التنمية الدولية بين عامي 1997 و2003، فقالت: «تلك قضية بحاجة لتوضيح. والملاحظ أنها قائمة منذ فترة، لكنها تتفاقم يومًا بعد آخر» وأضافت قائلة: «لدينا داخل بريطانيا منظمات خيرية إنسانية مسلمة تملك قدرات هائلة، ومع ذلك تعاني من وضع مأزوم» مشددة بقولها: «نحن بحاجة لآليات رقابة وتفحص مناسبة تحسم هذا الوضع الذي يحول دون عمل هذه المنظمات بكفاءة».
وقال ميتشيل: «بعض المنظمات الخيرية القليلة التي بمقدورها الدخول إلى سوريا ومد يد العون لشعبها المسكين. ومع ذلك، فإن جهودها متعطلة بسبب سوء فهم والبيروقراطية المصرفية».
وبدوه، قال وزير التنمية الدولية البريطاني، ديزموند سوين لـ«الشرق الأوسط» «في ظل صراع دام 5 سنوات للعوائل السورية التي تواجه الجوع والرعب داخل سوريا، إضافة إلى اللاجئين في أنحاء كثيرة من العالم يعد ذلك بحق كارثة إنسانية»، وتابع سوين: «المملكة المتحدة من المبادرين لتقديم المساعدات للشعب السوري منذ بداية الصراع، وقدمت المساعدات لحياة الملايين من السوريين، وحاليا نحث البلدان الأخرى لتقديم المساعدات للشعب السوري»، وأضاف سوين: «وسنستمر في الوقوف إلى جانب الشعب السوري».
من جانبها، شكلت الحكومة البريطانية لجنة من وزارات متعددة للنظر في الجمعيات الخيرية الإسلامية بعد تلقيها +شكاوى بعرقلة عملها وخصوصا في سوريا، فيما بينت بعض الادعاءات بأن المصارف، تخشى الوقوع تحت طائلة القوانين البريطانية، فلذلك يكون لديها خيار إما أن تغلق حسابات المنظمات الخيرية وإما تعيق إجراءات تحويل أموال إلى مؤسسات موجودة على قائمة المخاطر المرتفعة، والتي عادة ما تكون تلك الجهات الخيرية وضعت على القوائم المحظورة فقط بسبب تقارير صحافية دون أدلة جوهرية.
من جانبها، قالت المصارف إنها تخشى من التعرض لغرامات فادحة وأن تتعرض سمعتها خاصة إذا اعتبر ما تقدمه تسييرا أو تمويلا للإرهاب.
ومع ذلك، فإن القانون الدولي ينص على أنه في الحروب الأهلية كتلك المستعرة بسوريا، من الضروري موافقة الفصيل أو الفصائل المسيطرة على المنطقة المعنية لإدخال مساعدات إلى أهلها.
ويستلزم ذلك تواصل بين المنظمات الخيرية وجماعات غير منتمية لدول تسيطر على منطقة ما يحتاج سكانها لمساعدات إنسانية. وعادة ما تطلب الفصائل المسيطرة رسومًا للسماح بفتح ممر أمام المنظمات الإنسانية، لكن ذلك يتعارض مع قانون بريطانيا التي تمنع الرشوة، كما يحظر القانون أيضًا مقابلة أفراد ينتمون لتنظيمات محظورة.
من جهته، قال محمد شاكر، مدير شؤون الاتصالات لدى «منظمة الإغاثة الإسلامية» لـ«الشرق الأوسط»، إن المنظمة تتلقى تمويلها من وزارة التنمية الدولية بحكومة المملكة المتحدة، وأضاف قائلا: «التأثير الأكبر ارتبط بالقيود المفروضة على تحويل الأموال، والقيود المفروضة على تلقي أموال. وتسبب ذلك في إرجاء أو تجميد برامج المساعدات، مما قد يحمل تداعيات خطيرة بالنسبة للمستفيدين من هذه البرامج. علاوة على ذلك، فإن هناك مسألة الدخول لأماكن بعينها مثل مناطق النزاعات التي تقع أحيانا تحت سيطرة جماعات محظورة». واستطرد شاكر: «في هذه اللحظة، تعمل منظمة الإغاثة الإسلامية داخل سوريا والأردن ولبنان والعراق. وقد زادت قوانين مكافحة الإرهاب من صعوبة العمل داخل مناطق الصراع جراء مخاطرة الاتصال أو الارتباط بجماعات محظورة. في عالم مثالي، كنا سنفضل بالتأكيد تقديم المساعدات والدعم للجميع بغض النظر عن أي مكان بالعالم يعيشون، لكن هذا الأمر غير ممكن حاليًا».
يذكر أن ميتشيل وشورت زارا جنوب تركيا الشهر الماضي، للاطلاع على بعض الجهود التي يبذلها «منتدى المنظمات الخيرية المسلمة» لإدخال مساعدات إلى تركيا. وعاد الاثنان وهما يكيلان المدح والثناء على عمل المنظمات.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.