في عيده العاشر.. «تويتر» منصة للشهرة والفوضى

مغردون يروون كيف وظفوه لصناعة الوعي والأمجاد الشخصية

مارغريت تشو، فنانة كوميدية   -  برايانا وو مطورة ألعاب فيديو  -  روب ديلاني ممثل وكوميدي
مارغريت تشو، فنانة كوميدية - برايانا وو مطورة ألعاب فيديو - روب ديلاني ممثل وكوميدي
TT

في عيده العاشر.. «تويتر» منصة للشهرة والفوضى

مارغريت تشو، فنانة كوميدية   -  برايانا وو مطورة ألعاب فيديو  -  روب ديلاني ممثل وكوميدي
مارغريت تشو، فنانة كوميدية - برايانا وو مطورة ألعاب فيديو - روب ديلاني ممثل وكوميدي

في مثل يوم أمس، ومنذ عشر سنوات، أرسل جاك دورسي أول تغريدة. منذ ذلك الحين، أضحت منصة التواصل الاجتماعي «تويتر» ظاهرة ثقافية وسياسية، وإن لم تكن خالية من الآلام المتزايدة. ولعب الموقع دورا في عدد من الانتفاضات. وفي ذروة أوج «تويتر»، بلغت قيمة الموقع الشهير 25 مليار دولار، لكن هذه القيمة تراجعت في ظل المساعي المضنية لجذب مستخدمين جدد.
وإلى ذلك، طلبنا إلى الكثير من مستخدمي «تويتر» المعروفين أن يحكوا لنا عن تجاربهم.
* مارغريت تشو فنانة كوميدية
في الخريف الماضي استخدمت السيدة تشو، 47 عاما، «تويتر» لتتشارك مع مستخدمي الموقع تجربتها مع الاعتداء الجنسي. ونشر آخرون قصصهم باستخدام هاشتاغ #12DaysofRage.
يعتبر «تويتر» وسيلة جيدة لتوصيل رسالتك – بصيغة موجزة، وبطريقة ديمقراطية – لدينا جميعا نفس عدد الأحرف ونفس نظام نقل الرسائل. يحملك هذا على أن توجز بالضبط ما الذي تحتاج أن تقوله. وأعتقد أنه ربما يشبه قصائد الهايكو، ولكنه أقل تشددا – ربما أشبه بكعكة الحظ. هو دون قصيدة شعر وأكثر من تصريح مسجل.
أعتقد أن هاشتاغ #12DaysofRage كان مفيدا، ولكنه ما زال صعبا. لقد سمح للناس بنفث غضبهم وحزنهم بشأن الانتهاكات التي تعرضوا لها، لكن بطريقة مؤقتة وغير ملزمة – مثل هو حال «تويتر». التغريدات هي لحظة – ليست سجلا دائما بالضرورة – حتى وإن كانت كذلك في واقع الأمر، فهي تظل لحظية وهناك مساحة جيدة للبوح.
* برايانا وو، مطورة ألعاب فيديو: «مكان مظلم للنساء»
في 2014. استخدمت السيدة وو، 38 عاما، «تويتر» لتنتقد ما يسمى بنشطاء حركة GamerGate، بسبب سلوكيات جنسية. وكان الرد الانتقامي من جانب نشطاء هذه الحركة ممثلا في نشر معلوماتها الشخصية.
أعتقد أن هناك إمكانية هائلة للعمل الجيد. لقد تجاوز «تويتر» كونه عديم القيمة، لأنه يوصلك بمطوري ألعاب آخرين، ورجال أعمال وصحافيين. وهو فعليا جزء من بنائك لمسيرة عملية في 2016. ومع هذا، فالجانب الآخر هو أن «تويتر» مكان مظلم، مظلم للنساء.
عندما كنت مراهقة في تسعينات القرن المنصرم، كان الميدان العام بالنسبة لي هو المقهى. واليوم فإن ميداننا العام ليس مبنى. إنما هو «تويتر». وهو «فيسبوك». والمغزى هنا هو: هل ستشارك النساء في تشكيل المستقبل، أم سيتم إسكاتهن وحملهن بالأساس على عدم المشاركة؟
إن جمال «تويتر» يكمن في أنه جعلني على اتصال مع بعض من أذكى السيدات التي عرفتهم في حياتي على الإطلاق. كما أنه ينظم هذه المضايقة ضدنا بطريقة غير مسبوقة. وهناك حاجة ماسة فعلا لأن يكون «تويتر» جادا في حل هذه المشكلة.
* روب ديلاني، ممثل وكوميدي: «تويتر جعل الكوميديا أكثر ديمقراطية»
استغل السيد ديلاني، 39 عاما، الأحرف الـ140 ليقول نكات موجزة حققت رواجا هائلا. بعد ذلك، التقى شارون هورغان على «تويتر». تعاون الاثنان على تدشين وتقديم البرنامج التلفزيوني «الكارثة».
دعني فقط أقول إنني انضممت إلى «تويتر» في 2010. وكنت أحقق الحد الأدنى من الأجر من خلال التسوق عبر الهاتف. كنت أحصل بالكاد على أكثر مما أنفقه على تذكرة طيران إلى مينيابوليس للاشتراك في عرض للكوميديا الارتجالية. كنت أحاول أن أجد عملا ككاتب بدوام ليلي، وأرسلت مجموعة من الرسائل إلى كافة الكتاب، من قبيل كونان وجيمي كيميل وتشيلسي هاندلر، وكل هؤلاء. وأعتقد أنني كنت في وضع مناسب لـ«تويتر» لأنني كنت أعمل باستمرار على كتابة نكات قصيرة. ومن ثم فعندما اكتشفت واكتشف كوميديون آخرون أن «تويتر صالح للنكات»، كان لدي حماس قوي.
وأخمن بأن «تويتر» جعل الكوميديا أكثر ديمقراطية من بعض الجوانب. إذا كتبت ممرضة من تامبا، بولاية فلوريدا، نكتة أفضل عن ترامب من يوجين ميرمان، فإن تغريدتها سيتم تداولها على نطاق أوسع. وهذا نوع من الجدارة. وبالنسبة لي فإن «تويتر» فضح تماما وقضى على أي اعتقاد بذهن أي أحمق بأن السيدات لا يتمتعن بروح الدعابة، على سبيل المثال. يمكنك أن تقرأ التغريدات سريعا جدا، تقرؤها وتضحك عليها بالفعل قبل أن تعرف من أرسلها، وسواء كان كوريا أم كنديا أم من أي جنسية أخرى.
وما فعله «تويتر»، تحديدا للفئات التي اعتادت أن تكون مهمشة وغير ممثلة بالشكل المناسب، هو أنه أعاد تعريف الفضاء العام.
* خدمة «نيويورك تايمز»



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)