«معرض دبي للصورة».. تاريخ مختصر للتصوير في العالم عبر 700 عمل

أمثلة من كل بلد تمثل بدايات الفن في القرن العشرين وتطوره.. ومجموعة مدهشة من الصور التاريخية للحياة في الإمارات

جانب من الحضور في جناح البرازيل في اول أيام معرض دبي للصورة
جانب من الحضور في جناح البرازيل في اول أيام معرض دبي للصورة
TT

«معرض دبي للصورة».. تاريخ مختصر للتصوير في العالم عبر 700 عمل

جانب من الحضور في جناح البرازيل في اول أيام معرض دبي للصورة
جانب من الحضور في جناح البرازيل في اول أيام معرض دبي للصورة

معرض دبي للصورة الذي أطلق فعالياته يوم الأربعاء الماضي يعد أحدث إضافة للمشهدين الفني والثقافة في المدينة الضاجة بالحركة والنشاط. ولعل تلك الإضافة استجابة للاهتمام المتزايد في المنطقة والعالم بالصور الفوتوغرافية، واتساع نطاق المهتمين بالتصوير سواء كانوا من المتخصصين أو من يتمتع بتسجيل لحظاته عبر الكاميرا الملحقة بالهاتف وغيرها من الأدوات الذكية.
وفي الدورة الأولى لمعرض الصورة في دبي، جمع عدد ضخم من المصورين والصور التاريخية بحيث يصبح المعرض بمثابة تاريخ مختصر للتصوير الفوتوغرافي في مختلف دول العالم وعبر عدسات كبار المصورين عبر الأجيال. ولا عجب أن تستضيف دبي مجموعة من المصورين الشهيرين لحضور فعاليات المعرض وقبله جوائز «هيبا» (جائزة حمدان بن محمد بن راشد للتصوير الضوئي)، فسنح للحضور رؤية والتفاعل مع مصورين عمالقة ذوي تاريخ ضخم أمثال أوسكار ميتري والمصور الأميركي المخضرم دون ماكليلين.
علي خليفة بن ثالث، أمين عام «جائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي» أعرب في كلمة عن سعادته بإطلاق الدورة الأولى للمعرض، وقال إنه يشكل خطوة نحو تدشين موسم للصورة، وأضاف: «نسعى لترسيخ مكانة دبي على مسرح التصوير الضوئي، وأن تتحول الإمارة إلى مركز رائد في هذا المجال»، وأضاف: «أشعر بحماس حيال القيمة التي يقدمها المعرض لدبي وللمنطقة».
وقال تعليقًا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول السبب في اقتصار مدة المعرض على أربعة أيام فقط، إن لجنة التنظيم ملتزمة باتفاقات دولية حيث تمت استعارة معظم الأعمال المعروضة من متاحف ومجموعات خاصة عالمية وحددت فترة الإعارة بأربعة أيام فقط، ولكنه وعد بأن تتلافى الدورة التالية (التي لم يحدد لها موعدًا بعد)، ذلك. يشير إلى أن نتائج وتفاعل الجمهور مع معرض دبي للصورة سيكون هو العامل الأساسي في تحديد إقامة دورة ثانية.
أسأله عن سر الشغف الذي ينمو كل دقيقة بالتقاط الصور خاصة في منطقة الخليج، ويجيب: «ببساطة، السر يكمن في أن الصورة الجميلة تجذب أي أحد سواء من المختصين أو من غيرهم. الصور لها أبعاد كثيرة على النفس البشرية».
وأشار بن ثالث إلى أن جائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي طالما سعت لتعزيز مكانة دبي كمركز عالمي رائد في فن التصوير، وأن ذلك يتماشي مع خطة الدولة لعام 2020، وأضاف: «من أهدافنا الاهتمام بالمصور العربي والخليجي عن طريق الدورات والبرامج التي نقدمها، وأن نسهم في تطوير مستوى الفن العربي والخليجي بشكل خاص، وأن يماشي المعايير العالمية».
زيلدا شيتل رئيس المقيّمين الفنيين: «يجمع (معرض دبي للصورة) عددًا من أبرز المقيّمين الفنيين وأكثرهم خبرة في مجال التصوير الضوئي على مستوى العالم. وقد حرص المقيّمون الفنيون في اختيارهم للأعمال الفنية الفوتوغرافية المشاركة على تقديم عناصر تميز الهوية الفنية وتاريخ التصوير الضوئي لكل بلد، وبذلك تلتقي هذه الأعمال الفنية الفوتوغرافية جميعها ضمن معرض واحد يحتفي بوجهات النظر العالمية المتنوعة حول فن التصوير الضوئي».
تتحدث زيلدا بحماس حول المعرض وأهميته، قالت إنها سعدت بفرصة الإشراف على المعرض: «من يستطيع أن يرفض الفرصة للحديث مع كل هؤلاء القيمين الشهيرين للإعداد للمعرض؟ يا لها من فرصة فريدة». أسألها عن رؤيتها الخاصة، وما طلبت من كل هؤلاء المنسقين، تقول: «هذا هو الجميل في الأمر. لم يكن هناك أي معايير أو مواضيع محددة، أردت أن يختلف القيمون عن بعضهم. وأردنا تقديم تصور لبدايات التصوير في تلك البلدان مع التركيز على ما يحدث الآن في عالم التصوير».
اعتمدت فكرة المعرض الرئيسية على تقديم أمثلة من التصوير الفوتوغرافي في كل بلد تمثل بدايات الفن في القرن العشرين، ثم تطوره بعد ذلك ليصل للوقت الحالي. تقول: «حاولنا المساواة بين عدد المشاركين من القرنين العشرين والحادي والعشرين، لكن على سبيل المثال وجدنا أن كوريا لا يوجد لديها تاريخ للتصوير الضوئي فاكتفينا بنماذج حديثة»، تشير إلى أن المعرض قسم الدول المشاركة إلى مجموعات: «وضعنا بعض المناطق معًا، مثل أميركا وكندا، والمجر والتشيك وغيرها. تغلبنا على العقبات وصنعنا شيئًا مختلفًا».
حماس زيلدا يتسرب لمن حولها، وفي حديثها حول الأعمال المعروضة تقول إن الكلام لن يوفي بحقها: «يجب أن تروا الأعمال بأنفسكم لتعرفوا أهميتها وتصبحوا جزءًا منها. فعلى سبيل المثال سترون في الجانب الياباني صورًا معاصرة التقطتها مصورة شابة لملابس بعض ضحايا والناجين من القنبلة النووية على هيروشيما، وستثير تلك اللقطات أحاسيسكم وستحملون كل تلك المشاعر معكم من هذا العرض لغيره مثل معرض الفنان الصيني الذي دون تاريخ كل يوم في حياة والده على خلفية صور شخصيه له».
خلال حديثها، تشير إلى تفوق عدد المصورات على المصورين: «هناك الكثير من المصورات اللواتي وجدن هويتهن عبر التصوير، بعضهن صغيرات جدًا».
تعود في حديثها للتأكيد على أن المعرض يعد قيمة كبيرة وخطوة رائدة تخطوها إمارة دبي.. «ما أتمناه هو أن يوجد متحف دائم للفوتوغرافيا هنا في دبي، فالكثيرون يزورون الإمارة وأتمنى أن يأتي زوار (آرت دبي) المنعقد هنا لرؤية معرضنا هذا فهو شكل من الفن المعاصر».
سبق معرض دبي للصورة توزيع جائزة حمدان بن محمد بن راشد للتصوير الضوئي (هيبا)، وترى زيلدا أن الجائزة لا تتعارض مع إقامة متحف أو معرض الصور «هما يستفيدان من بعضهما، فمن ناحيتها تلقت لجنة تحكيم الجائزة الآلاف من الصور للمشاركة، وهذا هو المهم في الأمر: إحضار أفضل الموجود عالميًا، وهو ما سيعود بنفع عظيم على المدينة. ما أعرفه أن الناس بعد زيارتهم للمعرض ورؤية الصور سيتطلعون لرؤية المزيد. أذكر في عام 1989 عندما قررت الأكاديمية الملكية في لندن استضافة أول معرض مخصص للتصوير خصص لعرض تاريخ 100 عام من فن التصوير، تدفق الجمهور لمشاهدته لدرجة أن صف الراغبين في الدخول للمعرض امتد لمسافة طويلة على طوال الشارع (البيكاديلي)».
المعرض قدم أعمالاً فنية لـ129 مصورًا من 23 بلدًا، وقد اختارها 18 مقيّمًا فنيًا شهيرًا، تقول ردا على تساؤل حول المناقشات التي تبادلتها معهم: «في البداية كان علي أن أؤكد لهم أن المعرض سيكون على مستوى قوي من الحرفية وأن أقنعهم بجديته، لم يكن يمر يوم دون أن أتحدث مع المشاركين والمنسقين منذ أغسطس (آب) الماضي».
* جولة في أجنحة الدول
التجول في المعرض يغني البصر والعقل أيضًا، ولكن مشاهدة 700 صورة خلال ساعات قليلة لا بد وأن يصيب العقل بالتخمة، ومن هنا تأتي نصيحة شيتل التي تنصح كل من يشاهد العرض بالتوقف والتقاط الأنفاس ثم العودة مرة أخرى لمتابعة الجولة.
في أقسام المعرض تبرز بعض الصور أكثر من غيرها وتختلف طريقة التنظيم، وإن كانت جميع الأقسام متفقة في عرض زمني يعرض البدايات ثم الأعمال الحديثة فإن هناك الكثير من المساحة للقيم لعرض فكرته.
ويقدم المعرض مجموعة مدهشة من الصور التاريخية للحياة في الإمارات تضم صورة لفصل دراسي ينتظم في الصحراء وصور لفعاليات تراثية وهي من المجموعة الشخصية للشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم.
في جناح أستراليا لجأ القيم الاسدير فوستر إلى تقسيم الجناح لأربعة أقسام ويشرح: «أردت أن أشرح طبيعة أستراليا، فهي مختلفة بسبب مساحة الأرض الشاسعة ومع ذلك تزيد نسبة العيش في المدن عن الريف. أردت أن أقدم أستراليا كمكان مختلف، وذلك عن طريق الأفكار، وأن أضع مفارقات، وأن أقدم لمحات حول فكرة أستراليا عن نفسها أو كيف يرى المصورون أستراليا، وأيضًا أعرض الاختلافات في أسلوب التصوير واللغة خلال تلك الفترة».
بعض الصور تبدو محاولة لتقليد اللوحات الأوروبية مثل لوحة «زواج آرنولفيني» للفنان فان دايك، غير أن الصورة التي تأخذ من اللوحة كل مكوناتها (الزوج والزوجة والمرآة) تبتعد عن الجو التاريخي تمامًا. يقول تعليقًا على ذلك: «يلجأ المصور لوضع جوازات السفر في أحد الأركان، اسم اللوحة (زواج المصلحة) والشخصان في الصورة تزوجا ليحصلا على الجنسية الأوروبية وهكذا نرى أمامنا قصة من الواقع مقدمة في شكل مستوحى من الرسومات واللوحات القديمة. وهي مختلفة عن صورة أخرى صورت في السويد في قلعة شهيرة. المصورة استخدمت طبقات كثيرة لبناء الصورة، وقامت بتصميم الملابس والشعر، وبالنظر للصورة نرى أنها تريد أن تذكرنا بالتاريخ من وجهة نظر معاصرة مستخدمة الكومبيوتر».
في جناح المغرب غلب موضوع التحرش على معظم الصور؛ التحرش بالفتيات، صور لفتيات يتعرضن لنظرات متطاولة وبدايات للتحرش. وفي صور أخرى نرى فتيات يمتطين أحصنة ويشاركن في فعاليات تراثية شهيرة «فانتازيا». المنسق هشام خالدي يشير إلى أن الفعاليات تكاد تقتصر على الرجال والصورة عن الفرقة النسائية الوحيدة التي تشارك فيها. مجموعة من الصور على الجانب الآخر من القسم المغربي نرى من خلالها أشخاصًا يقفون للصلاة، الملاحظ في كل الصور هو خصوصية كل لحظة، هناك صورة لامرأة ورجل يصليان يفصل بينهما جدار «المرأة تقف أمام الرجل» ويبدو وكأن كل منهما يقف في حدود عالمه الخاص بعيدًا عن الآخر. صورة أخرى لشخص يصلي على الشاطئ وقد رسم سجادة الصلاة على الرمال وكأنما يختار المساحة الخاصة به، وحدد عالمه الذي يدخل فيه بمفرده. والسلسلة اسمها «في الداخل» وهي عن المساحة التي يخلقها الناس لعالمهم الخاص.
الفنان أيمن لطفي من مصر يقف في الجناح المصري يشير إلى وجود مجموعة من الصور تعود للقرن العشرين منها صور للمصور محمد الغزولي تابع فيها لمحات من حياة العائلة المالكة في مصر، إلى جانب صورة الملك فاروق والملكة ناريمان مع أطفالهما نجد صورًا لرمسيس مرزوق والمصور فاروق إبراهيم.
يقول لطفي: «من الصعب أن أعبر في جناح واحد عن مصر، لهذا قررت اختيار صور من القرن العشرين لمصر أيام الملك فاروق، صورة للحياة في ذلك الوقت، وصور من قرى مصر، وجه من كل قرية يعكس الحياة الشعبية، ثم صور بعدسات مصوري الجيل الجديد تعكس التقنيات التصويرية الحديثة. صور من 2016 و1922 نحس فيها فرق التكنيك في الزمن وفي الموضوع والفكر والسياسة».
يقول إن «صور المصور محمد الغزولي مثلت اكتشافًا مهمًا بالنسبة له».. عنده مجموعة نادرة جدا لمصر، وللملك وزوجته ومربية، هناك صورة قديمة لفيضان النيل.
من الأجنحة التي مثلت جانبًا إنسانيًا قويًا كان جناح اليابان، حيث توجد صور مقربة لقطع ملابس بعضها متسخ أو مهترئ. نعرف من القيمة ماريكو تاكيوشي أن الصور تدور حول هيروشيما وأثر القنبلة الذرية. تشير إلى أن الطرح هنا يبتعد عن مأساوية اللحظة أو عن التغطية المعتادة للحدث، «الشعب الياباني أصبح ينفر من تلك النمطية. ولكن المصورة هنا قدمت شيئًا مختلفًا فقد قامت بتصوير ملابس ضحايا هيروشيما وهي المرة الأولى التي يسمح فيها المتحف لأحد بتصوير تلك المتعلقات». لكن المصورة أرادت أن تقول من خلال الصور أن هناك جانبًا آخر للمأساة، أرادت تكوين صور مستقلة ومختلفة. فمثلا هناك صورة لحقيبة من القماش عليها كتابات تشرحها بقولها: «هنا نرى اسم الطفلة واسم مدرستها واسم والدها، ما تريد الصور أن تقوله هنا هو أن الطفلة كانت محاطة بالحب والاهتمام».
«معرض دبي للصورة» ضم أكثر من 700 صورة فوتوغرافية عالية القيمة تم عرضها ضمن «متحف مؤقت» تم إنشاؤه خصيصًا لهذا الغرض في حي دبي للتصميم (d3) وأقيم المعرض تحت رعاية الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، ونظمته جائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي، بدعم من «منظمة التصوير العالمية».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».