الجيش والمقاومة يتقدمان في ذباب والوازعية

التحالف يكثف قصفه.. والميليشيات تعتبر «تعز معركتها التاريخية»

يمني يسير بالقرب من دبابة وناقلة جنود في أحد أحياء تعز أمس (أ.ف.ب)
يمني يسير بالقرب من دبابة وناقلة جنود في أحد أحياء تعز أمس (أ.ف.ب)
TT

الجيش والمقاومة يتقدمان في ذباب والوازعية

يمني يسير بالقرب من دبابة وناقلة جنود في أحد أحياء تعز أمس (أ.ف.ب)
يمني يسير بالقرب من دبابة وناقلة جنود في أحد أحياء تعز أمس (أ.ف.ب)

شهدت منطقة ذباب الساحلية، التابعة لمدينة المخا ضمن محافظة تعز، ومديرية الوازعية، بوابة لحج الجنوبية غرب المدينة، مواجهات عنيفة بين الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، من جهة، وميليشيات الحوثي وقوات المخلوع علي عبد الله صالح، من جهة أخرى. ووصلت تعزيزات كبيرة للمقاومة في مديرية الوازعية من قبائل الصبيحة، لكن ما زالت الميليشيات الانقلابية تسيطر على عدد من المواقع شمال المديرية القريبة من الساحل الغربي على البحر الأحمر.
وقال الباحث والكاتب الأستاذ الجامعي٬ الدكتور عبده البحش٬ في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «انتصار المقاومة في تعز يشكل منعطفا مهما في تاريخ الصراع مع المشروع الإيراني الذي يستهدف إخضاع اليمنيين وإذلالهم وتدجينهم بنظرية ولاية الفقيه الإيرانية المتخلفة ليجعلوا من اليمن قاعدة للتحرك الإيراني».
وأضاف أن تعز تمثل رمزية كبيرة بالنسبة لليمنيين من الناحية الثقافية والحضارية ومن الناحية التاريخية والثقل السياسي، ولذلك نلاحظ أن «الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين ترك صنعاء وذهب للإقامة في تعز لأنه كان يدرك أهمية تعز الاستراتيجية، بل كان الإمام أحمد يعتقد أنه إذا خرجت تعز عن سلطته فقد الإمامة على اليمن كاملة، والحوثيون أيضا يدركون جيدا ما تمثله تعز من أهمية قصوى لمشروعهم الذي يسعون لترسيخه بقوة السلاح والبطش والتنكيل وتكميم الأفواه وإسكات المعارضين وقمع الحريات وانطلاقا من مقولة التاريخ يعيد نفسه». وتابع القول «نجد أن الميليشيا الحوثية الطائفية دفعت بكل قواها إلى تعز من أجل منع تكرار سيناريو ثورة السادس والعشرين من سبتمبر (أيلول) التي أطاحت بنظامهم الإمامي الكهنوتي المتخلف، الذي أفقر اليمنيين وأذاقهم الجوع والخوف والمرض والجهل والتخلف بسبب العزلة السياسية التي فرضها نظام الإمامة المتخلف على اليمن آنذاك».
وأكد الدكتور البحش لـ«الشرق الأوسط» إن الانتصارات المسنودة بقوات الجيش الشرعي والمدعومة من دول التحالف العربي ستنعكس ميدانيا على أرض المعركة، ومن المتوقع أن تتهاوى الميليشيات الطائفية وأن تنهار في بقية المدن اليمنية التي تسيطر عليها بقوة السلاح.
إلى ذلك، لا تزال المواجهات العنيفة مستمرة في مختلف جبهات القتال في تعز، وتركزت في محيط تلة الدفاع الجوي شمال غربي مدينة تعز، وحي الكمب ومحيط القصر الجمهوري، شرق المدينة، ورافقها قصف عنيف من ميليشيات الحوثي وقوات المخلوع صالح من مواقع تمركزها بمختلف أنواع الأسلحة إلى الإحياء السكنية بمدينة تعز.
وتقدمت قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، بمساندة غارات التحالف على مواقع وتجمعات الميليشيات الانقلابية شرق المدينة، بالإضافة إلى تطهير ما تبقى من جبل هان في الضباب، غرب تعز. وفي الاتجاه الجنوبي تمكنت المقاومة والجيش الوطني من إحباط تقدم الميليشيات في اتجاه مديرية سامع، جنوب المدينة، على أثر محاولتها الالتفاف على مواقع المقاومة والجيش بمديرية المسراخ والضباب، وكبدوا الميليشيات الخسائر الكبيرة في الأرواح والعتاد.
وعلى الجانب الميداني، سقط العشرات من ميليشيات الحوثي والمخلوع صالح بين قتيل وجريح جراء غارات التحالف على مواقعها في مناطق متفرقة من مدينة تعز. وأفاد شهود عيان لـ«الشرق الأوسط» أن الغارات تركزت في مواقع عدة من بينها قصفت مواقع وتجمعات للميليشيات في مديرية ذباب والوازعية.
وعلى صعيد متصل، ذكرت منظمة أطباء بلا حدود وقوع أكثر من 400 جريح حرب في تعز وصلوا إلى غرف الطوارئ في المستشفيات المدعومة من قبل منظمة أطباء بلا حدود خلال الأسبوع الماضي.
وقال رئيس بعثة أطباء بلا حدود في اليمن ويل تورنير: «نسمع قصصًا مؤلمة من مرضانا وزملائنا. لقد أخبرنا رجل مسنّ كان يعيش حياة بسيطة هو وأولاده حين دُمِّر منزله جرّاء قصف مدفعي وجُرح ثلاثة من أولاده وشُلَّ رابعهم للأبد. وتقوم الميليشيات الانقلابية التي تحاصر المدينة منذ عدة أشهر بقصفها بالمدفعية. كما قُتلت أم لثلاثة أطفال بالرصاص أثناء قيامها بجمع المياه لأولادها. وما هذه الحوادث سوى جزء صغير من واقع مؤلم يعيشه الناس بصورة يومية في تعز».
وجددت منظمة أطباء بلا حدود نداءها لحماية المدنيين وتسهيل وصول المرضى والجرحى إلى المرافق الطبية والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية والإمدادات الطبية إلى جميع المناطق وحماية الطواقم والمرافق الطبية.
وبينما دمرت الميليشيات الانقلابية المستشفيات في مدينة تعز، أصبح أهالي المحافظة يعانون من عدم الحصول على الرعاية الطبية. وقال الدكتور صادق الشجاع، أمين عام نقابة الأطباء في تعز وعضو اللجنة الطبية العليا، لـ«الشرق الأوسط» إن «البنية التحتية للمستشفيات الحكومية والخاصة، وهي بالأصل رديئة وازدادت سوءا مع استمرار الحرب والحصار الخانق على هذه المدينة منذ ما يقارب سنة، وكذلك الاستهداف اليومي بالقصف المباشر على المستشفيات العاملة، وأهمها مستشفى الثورة ومركز الطوارئ الجراحي فيه والذي يعد مستشفى ميدانيا لاستقبال الجرحى».
وأضاف أن «هناك أكثر من 11 ألف جريح من مدينة تعز وهذه إحصائية أولية، وهناك أكثر من 550 جريحا بحاجة إلى مراكز متخصصة خارج اليمن، إذ إن هناك جهودا حثيثة من قبل المحافظ على المعمري بالتعاون مع مركز الملك سلمان والحكومة لنقل 204 من الجرحى كمرحلة أولى إلى جمهورية السودان وتجري الآن الترتيبات الأخيرة لذلك». وأكد نزوح أكثر من 85 في المائة من الكادر الطبي من تعز إلى خارج المدينة والمحافظات الأخرى.



هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)

تزامناً مع الاستعداد لزيارة وفد من جامعة الدول العربية إلى دمشق خلال أيام، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع سيشغل مقعد بلاده في اجتماعات الجامعة المقبلة.

وأعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، في تصريحات متلفزة مساء الأحد، أنه «سيزور العاصمة السورية دمشق خلال أيام على رأس وفد من الأمانة العامة للجامعة لعقد لقاءات من الإدارة السورية الجديدة وأطراف أخرى؛ بهدف إعداد تقرير يقدم للأمين العام، أحمد أبو الغيط، وللدول الأعضاء بشأن طبيعة التغيرات في سوريا».

وكانت «الشرق الأوسط» كشفت قبل أيام عن عزم وفد من الجامعة على زيارة دمشق بهدف «فتح قناة اتصال مع السلطات الجديدة، والاستماع لرؤيتها»، وفقاً لما صرح به مصدر دبلوماسي عربي مطلع آنذاك.

وخلال تصريحاته، عبر شاشة «القاهرة والناس»، أوضح زكي أنه «قبل نحو ثلاثة أيام تواصلت الجامعة العربية مع الإدارة السورية الجديدة لترتيب الزيارة المرتقبة».

وبينما أشار زكي إلى أن البعض قد يرى أن الجامعة العربية تأخرت في التواصل مع الإدارة السورية الجديدة، أكد أن «الجامعة ليست غائبة عن دمشق، وإنما تتخذ مواقفها بناءً على قياس مواقف جميع الدول الأعضاء»، لافتاً إلى أنه «منذ سقوط نظام بشار الأسد لم يحدث سوى اجتماع واحد للجنة الاتصال العربية المعنية بسوريا منتصف الشهر الماضي».

وأوضح الأمين العام المساعد أن «الجامعة العربية طلبت بعد ذلك بأسبوع اجتماعاً مع الإدارة السورية الجديدة»، وقال: «نقدّر الضغط الكبير على الإدارة الجديدة، وربما عدم وجود خبرات أو أفكار كافية لملاحقة مثل هذه الطلبات».

وعقدت لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا اجتماعاً بمدينة العقبة الأردنية، في 14 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أكدت خلاله الوقوف إلى جانب الشعب السوري في هذه المرحلة الانتقالية.

وحول الهدف من الزيارة، قال زكي: «هناك دول عربية تواصلت مع الإدارة الجديدة، لكن باقي أعضاء الجامعة الـ22 من حقهم معرفة وفهم ما يحدث، لا سيما أنه ليس لدى الجميع القدرة أو الرغبة في التواصل». وأضاف أن «الزيارة أيضاً ستتيح الفرصة للجانب السوري لطرح رؤيته للوضع الحالي والمستقبل».

ولن تقتصر زيارة وفد الجامعة إلى سوريا على لقاء الإدارة الجديدة، بل ستمتد لأطراف أخرى فصَّلها زكي بقوله: «سنلتقي أي أطراف من المجتمع المدني والقيادات الدينية والسياسية». لكنه في الوقت نفسه نفى إمكانية لقاء «قسد»، وقال «(قسد) وضعها مختلف، كما أنها بعيدة عن العاصمة، حيث ستقتصر الزيارة على دمشق».

ومنذ إطاحة نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى طمأنة الدول العربية والمجتمع الدولي. وفي هذا السياق، تواصلت دول عربية عدة مع الإدارة الجديدة، سواء عبر زيارات رسمية أو وفود برلمانية واستخباراتية أو اتصالات هاتفية.

وهو ما وصفه رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور محمد عز العرب، بـ«الانفتاح العربي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «اختيار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للسعودية أولى محطاته الخارجية يعدّ تأكيداً على رغبة دمشق في تعميق علاقتها العربية، لا سيما مع حاجتها إلى دعمها من أجل رفع العقوبات عن البلاد وإعادة إعمارها».

وأكد عز العرب أن «زيارة وفد الجامعة العربية المرتقبة إلى دمشق ستعمّق العلاقات العربية - السورية، في سياق انفتاح متبادل بين الجانبين».

واتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد يوسف أحمد، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجامعة العربية تتحرك بما يتلاءم مع توجهات أعضائها أو على الأقل الدول الوازنة فيها».

هذا الانفتاح العربي يأتي إيماناً بأن «سوريا دولة كبيرة ومهمة»، بحسب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، الذي قال: «سوريا تحتاج إلى كل الدعم العربي السياسي والمادي»، مضيفاً: «قد يكون الوضع غير مرضٍ للبعض، ويمكن تفهم هذا، لكن الشأن السوري أمر مرتبط بالسوريين أنفسهم إلى أن يبدأ في التأثير على دول قريبة».

وأضاف: «سوريا تمر بمرحلة جديدة، لكتابة التاريخ بأيدي مواطنيها، وعلى الدول العربية مدّ يد العون لها».

وبشأن شغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة، قال زكي إن «القرار بيد الدول العربية وليس الأمانة العامة»، موضحاً أنه «لو كانت سوريا غير ممثلة ومقعدها شاغر كان من الممكن بحث عودتها الآن وربما وضع بعض المطالب لتحقيق ذلك».

وأضاف: «الواقع يقول إن سوريا موجودة في الجامعة وتشغل مقعدها، أما من يمثلها في هذا المقعد فهو أمر سوري في الأساس. عند تغيير الحكم في أي دولة يمثل الحكم الجديد بلده في المنظمة». لكن زكي أشار في الوقت نفسه إلى أن «هناك أموراً تتعلق بتمثيل شخص معين للدولة، وهنا قد يكون الأمر مرتبطاً بمجلس الأمن، حيث إن هناك قرارات تخصّ التنظيم الذي يرأسه الشرع لا بد من التعامل معها بشكل سريع وسلس».

وقال: «سوريا دولة كبيرة وما يحدث لها يعني العرب، ونظام الحكم الحالي غير النمطي قد لا يسهل الانفتاح عليه، لكن في النهاية دولة بهذه التركيبة لا يمكن أن تترك من جانب العرب».

وأقرّ مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقد في القاهرة في 7 مايو (أيار) 2023 عودة سوريا لمقعدها بالجامعة، منهياً قراراً سابقاً بتعليق عضويتها صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، بعد 8 أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سوريا.

بدوره، قال الكاتب والباحث السياسي السوري، غسان يوسف، لـ«الشرق الأوسط» إن «الإدارة الحالية هي التي تقود العملية السياسية في سوريا، وهي سلطة الأمر الواقع، وأي اجتماع في الجامعة العربية سيحضره من يمثل هذه الإدارة لأنه ليس هناك بديل آخر الآن».

بينما أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن «شغل الشرع لمقعد بلاده يتطلب اعترافاً من الجامعة العربية بالإدارة الجديدة، فالتواصل الذي حدث حتى الآن لا يعني بالضرورة اعترافاً به». وأشار إلى أن «الأمر قد يرتبط أيضاً بقرارات مجلس الأمن بهذا الشأن وما إذا كان سيسقط تكييف (الإرهاب) عن (هيئة تحرير الشام)».

لكن أحمد أشار إلى أن «الانفتاح العربي الحالي قد يحل المسألة، لا سيما مع وجود سوابق تاريخيّة اعترفت فيها الجامعة بحكم انتقالي كما حدث في العراق عام 2003».

وفي سبتمبر (أيلول) عام 2003 أعلنت الجامعة العربية، عقب اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، الموافقة على شغل مجلس الحكم الانتقالي العراقي مقعد بلاده في الجامعة بصورة مؤقتة إلى حين قيام حكومة شرعية في بغداد.

وأعرب عز العرب عن اعتقاده أن «الفترة المقبلة ستشهد رفعاً للعقوبات الدولية عن سوريا، وتعزيزاً لشرعية الإدارة الجديدة».

وبينما أكد غسان يوسف أن «العقوبات لم ترفع عن سوريا حتى الآن»، أبدى تفاؤلاً بـ«إمكانية تغير الوضع مع عقد مؤتمر الحوار الوطني في سوريا الذي سيعطي مشروعية للحكومة».

وكانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف سابقاً باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت علاقتها به عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما أن قائدها أحمد الشرع، وكان وقتها يكنى «أبو محمد الجولاني» مدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.