الخارجية الإيرانية: تقرير الأمم المتحدة لحقوق الإنسان {سياسي ومنحاز}

شيرين عبادي لـ «الشرق الأوسط»: الوثائق تدين طهران.. وعليها تحسين سجلها بدلاً من الاتهامات

الخارجية الإيرانية: تقرير الأمم المتحدة لحقوق الإنسان {سياسي ومنحاز}
TT

الخارجية الإيرانية: تقرير الأمم المتحدة لحقوق الإنسان {سياسي ومنحاز}

الخارجية الإيرانية: تقرير الأمم المتحدة لحقوق الإنسان {سياسي ومنحاز}

تواصلت خلال اليومين الماضيين انتقادات كبار المسؤولين الإيرانيين تقرير مقرر الأمم المتحدة الخاص بحقوق الإنسان في إيران، واتهم المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، حسين جابر أنصاري، تقرير الأمم المتحدة حول أوضاع حقوق الإنسان في إيران بـ«الانتقائية»، كما وصف التقرير بـ«السياسي».
واعتبر حسين جابر أنصاري، أول من أمس، أن الانتقائية في إعداد تقارير حقوق الإنسان في إيران لا تساعد على «الارتقاء» بحقوق الإنسان في إيران، كما أنه يسقطها إلى مستوى النزاعات السياسية بين الدول، على حد تعبيره. وقال أنصاري إن بلاده تعد التقرير «منحازًا» ويحمل «أهدافا سياسية»، ويرسخ «التمييز». كما وصف التقرير بـ«غير المتوازن» و«افتراضي» ومستند إلى معلومات «غير موثوقة». وقال أنصاري إن بلاده عملت بالتزاماتها في ارتقاء حقوق الإنسان، وإنها تعمل حاليا على إعداد قوانين «الحقوق المدنية».
ويعد أول رد رسمي من الحكومة الإيرانية على تقرير المقرر الأممي في 2015، وكان رئيس لجنة حقوق الإنسان التابعة للسلطة القضائية الإيرانية محمد جواد لاريجاني وصف التقرير بـ«الهش».
وتناول أحمد شهيد في الدورة الـ«31» لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بجنيف، عبر تقرير مفصل، سجل إيران في 2015 على صعيد الإعدامات وإعدام القاصرين والتمييز ضد المرأة وحقوق الأقليات العرقية والقومية وقمع الحريات. بينما أدانت كل من بريطانيا وأميركا والاتحاد الأوروبي وفرنسا وكندا وسويسرا انتهاكات حقوق الإنسان التي أكدها تقرير أحمد شهيد. وطالب شهيد السلطات الإيرانية بالموافقة على زيارته إلى طهران للقيام بمهمته، وترفض السلطات السماح له بزيارة طهران على الرغم من تقديمه الطلب سبع مرات خلال خمسة أعوام من تعيينه مقررا لحقوق الإنسان في إيران.
وأعلنت المدافعة عن حقوق الإنسان والفائزة بجائزة نوبل للسلام، شيرين عبادي، تأييدها ودعمها بشكل كامل لتقرير أحمد شهيد الأخير، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: إن المقرر الأممي أعد تقريره حول انتهاكات حقوق الإنسان بـ«دقة عالية».
في السياق نفسه، استغربت عبادي من مواقف كبار المسؤولين من تقرير الأمم المتحدة حول حقوق الإنسان، ونصحت الحكومة الإيرانية بـ«الانتباه» لإنذارات كثيرة حول أوضاع حقوق الإنسان والعمل على تحسين تلك الأوضاع بدلاً من وصف التقرير بـ«السياسي» والتشكيك بمصداقيته. كما أعربت عبادي عن أسفها تجاه تدهور أوضاع حقوق الإنسان في إيران، وازدياد الإعدامات في كل يوم، وضغط السلطة على الشعب من أجل منع التظاهر والنشاط المدني.
وتساءلت عبادي عن أسباب رفض التقرير من المسؤولين الإيرانيين وقالت: «لماذا عدد من المعلمين والعمال والناشطين السياسيين ونشطاء المجتمع المدني والطلاب في السجون؟ كل ذلك دليل واضح على انتهاك حقوق الإنسان»، ونوهت عبادي بأن «السجن لا يمكنه أن يطفئ شعلة التطلع إلى الحرية»، وأشارت إلى المدافعة عن حقوق الإنسان نرجس محمدي، وأوضحت أنه على الرغم من معاناتها من الحكم عليها بالسجن ست سنوات ومعاناتها من المرض، فإنها أطلقت حملة «الدفاع عن الأمهات السجينات» من وراء القضبان.
بدوره، أكد رئيس مركز «التأثير على إيران» في نيويورك، ماني مستوفي، أن تعيين منصب مقرر خاص بحقوق الإنسان قبل خمس سنوات كشف كثيرا من انتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة للمجتمع الدولي واعتبره إيجابي. وقال مستوفي إن مقرر الأمم المتحدة أنقذ ملف حقوق الإنسان من «التجاهل»، لا سيما في وقت شهد المفاوضات بين الدول الكبرى وإيران، من أجل التوصل إلى اتفاق نووي.
وذكر مستوفي أن تعيين أحمد شهيد أجبر السلطات على التعاون حول حقوق الإنسان على الرغم من رفض زيارته إلى طهران، وأضاف أنه «على الرغم من رفض التقرير، فإن الجهات الحكومية حاولت الإجابة عن الوثائق التي قدمها أحمد شهيد». واعتبر مستوفي أن الضغوط الدولية، بما فيها الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية والمقرر الخاص بالأمم المتحدة، قد تجبر الحكومة الإيرانية على مراجعة حكم الإعدام الصادر بحق المدانين في المخدرات.
في هذا الصدد، رفضت المحامية الإيرانية ليلى علي كرمي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، وصف المتحدث باسم الحكومة الإيرانية تقرير أحمد شهيد بـ«السياسي»، وقالت: «ليست المرة الأولى التي يرد فيها كبار المسؤولين على تقارير أحمد شهيد، خلال الأعوام الخمسة من تكليفه في منصب المقرر. شهدنا مواقف مشابهة من المسؤولين بعد كل تقرير يقدمه عن أوضاع حقوق الإنسان، وتكرر الاتهامات ذاتها بأنه غير انحيازي، وأن التقارير التي يقدمها سياسية، ويستند إلى معلومات وتقارير من منظمات معارضة وعدوة للجمهورية الإسلامية الإيرانية».
وعن رفض طهران تقرير أحمد شهيد والتشكيك بمصداقيته قالت: «الموضوع ليس جديدًا، لكن بخصوص التقرير يجب أن نشير إلى محاولات أحمد شهيد السفر إلى إيران، وفي الواقع لا تسمح له السلطات بزيارة إيران حتى يتمكن الحصول على مصادر أكثر من أجل تقاريره».
وأكدت علي كرمي أن تقرير الأمم المتحدة استند إلى «مصادر موثوقة»، وأضافت أن المقرر «حاول إجراء حوارات واستغلال أي فرصة، من أجل الحصول على معلومات في إطار تقريره»، ولفتت إلى رفض الحكومة الإيرانية السماح للمقرر الأممي بزيارة إيران والتفاوض مع المسؤولين والاطلاع على بعض الأماكن عن قرب. وأكدت أنه في حال وافقت طهران على طلب أحمد شهيد، لكانت الظروف «أقل تعقيدا» في التوصل إلى حل بين الطرفين. وفي إشارة إلى رفض السلطات الإيرانية التعاون مع أحمد شهيد ومحاولة عرقلة مهمته، أوضحت المحامية علي كرمي أنه بموجب قوانين الأمم المتحدة فإن الحكومات مكلفة بالتعاون مع المقرر الخاص، إذا قررت الأمم المتحدة ذلك، ورأت كرمي أن التعاون السلطة الإيرانية أفضل من كيل الاتهامات إلى الأمم المتحدة.
وعن التقرير قالت علي كرمي إن مقرر الأمم المتحدة حاول ضمن عشرة آلاف كلمة التطرق إلى أهم قضايا انتهاك حقوق الإنسان في إيران، مضيفة أن هناك شواهد كثيرة على انتهاكات حقوق الإنسان لم يتطرق إليها التقرير. وعن أهمية التقرير شرحت أنه «نظرا للمصادر التي كانت بحوزته، ركز التقرير على القضايا المعروفة والمبرهنة حول انتهاكات حقوق الإنسان، وهي قضايا تحدث يوميا، وعلى السلطة أن تعمل على تحسين الأوضاع هناك».
ورفضت أن يكون التقرير من منطلق التخاصم مع إيران، وأوضحت أنه يشرح أوضاع حقوق الإنسان في إيران، موضحة أن لجوء السلطات إلى توجيه الاتهامات لن يؤدي إلى حل. فيما تساءلت كرمي حول فلسفة وجود الأمم المتحدة، وقالت إن مهمة الأمم المتحدة تسهيل التعامل والتعاون بين الدول والمساعدة على تحسين أوضاع حقوق الإنسان، و«يمكن أن نجد حلا إذا فهم المسؤولون ذلك».
تساءلت علي كرمي حول تناقض السلطة الإيرانية في تعاونها مع بعض اللجان التابعة لمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، مثل لجنة الاستعراض الدوري الشامل (UPR)، ورفضها التعاون مع مقرر الأمم المتحدة الخاص بحقوق الإنسان. وأضافت أنه لا يمكن القبول بمبادئ الأمم المتحدة والتعاون مع أقسام منها ورفض التعاون مع الأقسام الأخرى. واعتبرت علي كرمي فشل المحاولات الإيرانية في التصدي لتمديد مهمة أحمد شهيد على مدى خمس سنوات سببه الأساسي يمكن في المجتمع المدني الإيراني «النشط» ونشطاء حقوق الإنسان الإيراني الذين يمارسون الضغط على النظام في المنظمات الدولية.



ماكرون يرسم خطوطاً حمراء للتعاون مع دمشق

الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
TT

ماكرون يرسم خطوطاً حمراء للتعاون مع دمشق

الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)

احتلت ملفات الشرق الأوسط حيزاً واسعاً في الكلمة التي ألقاها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ظهر الاثنين، في قصر الإليزيه، بحضور سفراء فرنسا عبر العالم وكبار المسؤولين المدنيين والعسكريين. وبالنظر للتطورات الجارية في سوريا، فقد حرص ماكرون على إبراز موقف واضح، مشدداً على أن بلاده «لم تصدق أبداً أن الديكتاتور (في إشارة إلى بشار الأسد) يمكن إعادة تأهيله».

إلا أنه في الوقت عينه، دعا إلى التزام الحذر «من خلال النظر إلى تغيير النظام في سوريا من دون سذاجة». وما حرص عليه ماكرون يكمن في رسم ما يمكن تسميته «خريطة طريق» لكيفية التعامل مع السلطات الجديدة في دمشق، وما تتوقعه باريس والعواصم الأوروبية الأخرى، من السلطة الجديدة، مع التذكير بالزيارة التي قام بها وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، ونظيرته الألمانية أنالينا بايربوك مؤخراً إلى دمشق.

الأكراد «الحلفاء الأوفياء»

قوات من «قسد» في تدريب مشترك مع القوات الأميركية شمال شرقي سوريا (أ.ف.ب)

وفيما تتصاعد المعارك في الشمال السوري بين قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، والقوات الحليفة لتركيا، حرص ماكرون على التأكيد بقوة على موقف بلاده من الأكراد الذين وصفهم بـ«الحلفاء الأوفياء» في محاربة تنظيم «داعش»، ملمحاً إلى أن بعض الدول كانت مستعدة للتخلي عنهم، في تلميح للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الذي كان مستعداً في عام 2018 لسحب القوات الأميركية لتسهيل سيطرة تركيا على المنطقة.

وقال ماكرون: «نحن نعي الدين الذي ندين به لمجمل (القوات الديمقراطية السورية) وللمقاتلين من أجل الحرية مثل الأكراد، الذين تحلوا بالشجاعة في محاربة المجموعات الإرهابية». وأضاف أن بلاده «لم تتخل عنهم أبداً، ولن نتخلى عنهم في المسار الجديد، ونحن متيقظون لعملية الانتقال السياسي» الجارية حالياً في سوريا.

وتابع: «ما تريده فرنسا هو قيام سوريا ذات سيادة وحرة وتحترم تعدديتها الإثنية والسياسية والطائفية». وشدد ماكرون على أهمية أن تضم العملية الانتقالية الديمقراطية «كل مكونات المعارضة» للنظام السابق، بالتوازي مع «توفير الأمن للاجئين للعودة إلى بلادهم ومواصلة محاربة الإرهاب بشكل واضح، وتدمير كل البنى المنتجة للسلاح الكيماوي وشبكات إنتاج وتهريب المخدرات».

ويرى ماكرون، في إشارة على الأرجح للبنان، أنه «يتعين على سوريا أن تشارك في ضمان الأمن والاستقرار الإقليميين»، مذكراً بـ«مؤتمر بغداد» في نسخته الثالثة التي ستعقد في الربيع القادم، دون أن يحدد مكان انعقادها، لعرض تنفيذ مشاريع إقليمية «لمصلحة الجميع ولتحقيق السلام والأمن».

وسبق لوزير الخارجية الفرنسي أن شدد، في حديث صحافي، الأحد، على ضرورة ألا تستغل أي قوة أجنبية سقوط حكم نظام الأسد لإضعاف سوريا، مشيراً إلى أن سوريا «تحتاج بطبيعة الحال إلى مساعدة، لكن من الضروري ألا تأتي قوة أجنبية، كما فعلت لفترة طويلة روسيا وإيران، تحت ذريعة دعم السلطات أو دعم سوريا... وتُضعفها بشكل إضافي».

وبحسب جان نويل بارو، فإن «مستقبل سوريا يعود إلى السوريين. وانطلاقاً من وجهة النظر هذه، فإن هدف السيادة الذي أظهرته السلطة الانتقالية وممثلو المجتمع المدني و(أفراد المجتمعات) الذين التقيناها كذلك هو أمر سليم». وكان بارو يلمح للدور المتعاظم الذي لعبته وتلعبه تركيا في العملية الانتقالية الجارية حالياً.

الدور الإيراني

قاآني يستقبل الرئيس مسعود بزشكيان خلال مراسم ذكرى قاسم سليماني في طهران الخميس الماضي (الرئاسة الإيرانية)

بيد أن أشد العبارات استخدمها ماكرون في الحديث عن إيران التي اعتبرها «التحدي الأمني والاستراتيجي الرئيسي» في الشرق الأوسط. وجاء في حرفية كلام ماكرون أن إيران «تشكل التحدي الاستراتيجي والأمني الرئيسي لفرنسا والأوروبيين والمنطقة بكاملها، وأبعد من ذلك بكثير»، محذراً من أن «تسارع برنامجها النووي يقودنا إلى حافة القطيعة».

وما يعنيه الرئيس الفرنسي أن طهران اقتربت كثيراً من الحصول السلاح النووي. واللافت أن ماكرون يعد أحد القادة الغربيين القلائل الذين يحافظون على خط تواصل دائم مع القيادة الإيرانية. لكن يبدو أن قرب عودة ترمب إلى البيت الأبيض يجعل الأوروبيين ومنهم فرنسا يلجأون إلى خطاب أكثر تشدداً إزاء طهران.

وجاء لافتاً أن ماكرون أشار في كلامه، وفي إطار نظرته لما تمثله إيران، إلى «أنها ستكون، بلا شك، واحدة من القضايا الرئيسية في الحوار الذي سنقيمه مع الإدارة الأميركية الجديدة». ومن المرجح أن ينتهج الرئيس ترمب خطاً بالغ التشدد إزاء طهران، بحيث يذهب أبعد من التدابير التي اتخذها بحقها إبان ولايته الأولى. وثمة مراكز بحثية أميركية لا تتردد في الحديث عن اللجوء إلى ضربات عسكرية مشتركة إسرائيلية - أميركية ضد البرنامج النووي الإيراني.

حقيقة الأمر أن ماكرون أقام «مضبطة اتهام» بحق طهران وقادتها. وتشمل هذه المضبطة ما تعتبره باريس دوراً مزعزعاً للاستقرار في الشرق الأوسط وأبعد منه تقوم به طهران؛ في الإشارة إلى الدعم الذي تقدمه «للمجموعات التي تشكل خطراً في جميع مناطق المواجهة في الشرق الأوسط»؛ في إشارة إلى «حزب الله» و«حماس» و«المجموعات الميليشياوية في العراق»، فضلاً عن الحوثيين في اليمن.

غير أن أهم إعلان صدر عن ماكرون تناول إشارته إلى احتمال تفعيل الآلية المسماة «سناب باك» التي يعاد بفضلها الملف النووي إلى مجلس الأمن، ويمكن أن تعقبه إعادة فرض العقوبات الدولية على طهران.

وذهب ماكرون أبعد من ذلك، بإشارته إلى أن أمراً كهذا يمكن أن يحل في الخريف القادم. وقال ماكرون: «خلال الأشهر المقبلة، سيتعين أن نسأل أنفسنا ما إذا كان يتعين علينا استخدام... آلية إعادة فرض العقوبات على إيران»، مشيراً إلى أن أكتوبر (تشرين الأول) 2025، هو الموعد الذي تنتهي فيه اتفاقية 2015 رسمياً.

يأخذ الغربيون على إيران انخراطها في الحرب الروسية على أوكرانيا، كما أنهم يتخوفون من البرنامج الصاروخي - الباليستي الإيراني الذي يمكن أن يشكل تهديداً لأوروبا.

وتخطط باريس لأن يدور حوار واضح بينها وبين واشنطن حول سبل التعاطي مع إيران، التي تزايدت المخاوف الغربية منها بعد أن وصلت صواريخها إلى الأراضي الإسرائيلية. وخلال الاجتماعات الأخيرة لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، صدرت قرارات قوية بخصوص إيران. بيد أن الدول الغربية وعلى رأسها الموقعة على الاتفاق النووي لعام 2015، امتنعت عن تفعيل آلية «سناب باك» لأسباب مختلفة ومتغيرة.

لكن يبدو أن الغربيين عازمون، أخيراً، على اجتياز خطوة مهمة فيما إيران أصيبت إقليمياً بالضعف بسبب حرب إسرائيل على «حماس» ولبنان وضرباتها ضد الأراضي الإيرانية نفسها وضد الحوثيين، ومؤخراً تدمير قدرات الجيش السوري العسكرية. لكن هذا التصعيد يترافق مع محاولات دبلوماسية للدول الأوروبية الثلاث - فرنسا وبريطانيا وألمانيا - للبحث عن مخارج دبلوماسية للأزمة مع إيران، ومن ذلك الاجتماع المقرر في 13 الجاري. وآخر ما تشكو منه باريس هو محاولات إيران الانغراس في أفريقيا، التي ترى فيها فرنسا إضراراً بمصالحها.

لبنان

المبعوث الأميركي آموس هوكستين مجتمعاً مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون (أ.ف.ب)

لم يأت الرئيس الفرنسي بجديد بالنسبة للبنان «حيث لفرنسا تاريخ طويل والكثير من المواطنين والأصدقاء». وما يسعى إليه ماكرون هو توفير الهدوء على طول «الخط الأزرق»، من خلال مشاركة وحدات فرنسية في قوة «اليونيفيل»، وتسهيل انتشار الجيش اللبناني «بشكل حاسم» جنوب نهر الليطاني وامتداداً حتى الحدود مع إسرائيل.

ولم يتوقف ماكرون طويلاً عند العقبات التي يواجهها وقف إطلاق النار والشكاوى الكثيرة التي تقدم بها لبنان ضد الانتهاكات الإسرائيلية، التي لا تحترم الآلية التي توصلت إليها فرنسا بالتشارك مع الولايات المتحدة. كذلك بقي ماكرون عند العموميات فيما يخص موضوع الفراغ المؤسساتي وعملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية، مذكراً بالحاجة لإنجاح المسار السياسي، ومشيراً إلى الجهود التي يبذلها ممثله الوزير السابق جان إيف لو دريان في هذا الخصوص.

وبحسب ماكرون، فإن انتخاب رئيس جديد «يمثل الخيار الحاسم الذي من شأنه توفير السيادة اللبنانية، ويفتح الطريق لتشكيل حكومة قادرة على القيام بالإصلاحات الضرورية».

الاعتراف بدولة فلسطين

الدمار والخراب في قطاع غزة بعد أكثر من عام من القصف الإسرائيلي المتواصل (أ.ف.ب)

كالعادة، ذكّر ماكرون بـ«الصداقة التاريخية» بين فرنسا وإسرائيل وتضامنه معها «في مواجهة الهمجية التي ظهرت في هجمات» «حماس» في 7 أكتوبر 2023، وضرورة إطلاق سراح الرهائن. كذلك أعرب ماكرون عن «تفهم بلاده لحاجة إسرائيل بألا تتكرر أمور كهذه وأن تضمن أمنها... ومما شدد عليه اعتباره أن الضربات الإسرائيلية (المستهدفة) في لبنان وسوريا وإسرائيل غيرت الوضع الاستراتيجي في الشرق الأوسط، ما يرتب علينا جميعاً استخلاص النتائج وفتح أفق لسلام صلب ودائم وآمن للجميع في المنطقة».

وبحسب ماكرون «لا يمكن بناء هذا النوع من السلام على الأمن وحده، إذ يجب أن ينطوي على العمل الإنساني والسياسي، وهو شرط أساسي مطلق، أولاً وقبل كل شيء في غزة». وأضاف ماكرون: «لا يوجد أي مبرر عسكري لاستمرار العمليات الإسرائيلية والعرقلة المتعمدة للمساعدات الإنسانية، ولاستمرار العوز الشديد وحالة الجوع التي وصل إليها السكان المدنيون» في القطاع، معتبراً أنه ينبغي على إسرائيل «أن تضع حداً للحرب دون مزيد من التأخير، وأن تعترف بأن لديها شركاء للسلام، وأن تلتزم بتسوية عادلة ودائمة للقضية الفلسطينية، وذلك بالتنسيق مع جميع دول المنطقة بشأن غزة، والحفاظ على الأوضاع السياسية في الضفة الغربية وغزة».

ورغم سوداوية الوضع، يرى ماكرون أن «السلام ممكن، حيث إن المملكة العربية السعودية وشركاءنا العرب من ذوي النوايا الحسنة، (الأردن ومصر وقطر والإمارات العربية المتحدة) على وجه الخصوص، ملتزمون بذلك، وفرنسا قدمت ولا تزال تقدم دعمها الكامل».

وحث ماكرون الأوروبيين على العمل في هذا الاتجاه، وبالتنسيق مع الشركاء العرب، «من أجل حل الدولتين، مع احترام الاحتياجات الأمنية للإسرائيليين والتطلعات المشروعة للفلسطينيين».

ودعا الرئيس الفرنسي إلى «بناء إطار جديد للأمن والتعاون في الشرق الأوسط» مشيراً إلى أن «هذا هو هدف المؤتمر الدولي الذي بادرنا به مع المملكة العربية السعودية، والذي سيعقد في نيويورك في يونيو (حزيران) المقبل. وسيكون علينا أن نجعل من هذا المؤتمر لحظة حاسمة». واختتم كلامه بالإشارة إلى أن فرنسا «يمكنها من هذا المنطلق التحرك نحو الاعتراف بدولة فلسطين».