«دار المدينة للتراث».. أول متحف متخصص لعرض التاريخ الحضاري لمدينة الرسول

دشن في 2011 وزاره أكثر من 100 ألف من 30 جنسية

زوار في إحدى زوايا المتحف حيث شرح لمساجد المدينة على طريقة المجسمات
زوار في إحدى زوايا المتحف حيث شرح لمساجد المدينة على طريقة المجسمات
TT

«دار المدينة للتراث».. أول متحف متخصص لعرض التاريخ الحضاري لمدينة الرسول

زوار في إحدى زوايا المتحف حيث شرح لمساجد المدينة على طريقة المجسمات
زوار في إحدى زوايا المتحف حيث شرح لمساجد المدينة على طريقة المجسمات

قفز عدد زوار متحف دار المدينة للتراث العمراني والحضاري، أول متحف متخصص للتاريخ والتراث الحضاري للمدينة المنورة، إلى 100 ألف زائر منذ افتتاحه في عام 2011، من أكثر من 30 جنسية مختلفة من أنحاء العالم، بالإضافة إلى الوفود الرسمية والعائلات وطلاب الجامعات والمدارس من خارج المدينة وداخلها.
ويكشف المتحف الذي صمم وفق أحدث المعايير العالمية للمتاحف معالم إرث مدينة الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، وحضارتها الإسلامية، مستعرضا صفحات من تاريخها وتفاصيل دقيقة وشاملة من معالم السيرة النبوية والإسلامية والثقافة العمرانية والحضارية للمدينة المنورة.
ويستعرض المتحف الذي يقع في الجهة الشرقية للمدينة المنورة بمقر مدينة المعرفة الاقتصادية أمام محطة سكة قطار الحرمين مجهودات أجيال متوالية من أبنائها جعلوا لها طابعا تاريخيا وحضاريا وعمرانيا فريدا يحمل في أعماقه فلسفة تنبثق من رؤية إسلامية للحياة وللجمال عبر المجسمات والصور والمؤلفات والمعروضات النادرة، ليعاصر فيها الزائر ماضي المدينة المنورة العريق ومسيرة أهلها منذ الهجرة النبوية الشريفة وحتى العهد السعودي الزاهر.
ويتيح المتحف أمام زواره التعرف على تاريخ المدينة المنورة، ابتداء بمعالم السيرة النبوية وطريق الهجرة النبوية وكيفية تأسيس المدينة على يد النبي صلى الله عليه وسلم والمآثر المرتبطة بسيرته الشريفة، مرورا بمرحلة تأسيس المسجد النبوي الشريف ومراحل التطور العمراني لها على مدى التاريخ الإسلامي، ثم تفاصيل الحجرة النبوية الشريفة ودور الصحابة الكرام، وأحداث وتفاصيل غزوتي أحد والخندق العظيمتين، انتهاء بمعالم المدينة المنورة وأسوارها وثقافتها الحضارية والعمرانية حتى اليوم.
وينقسم متحف «دار المدينة» للتراث العمراني والحضاري إلى ثلاث قاعات رئيسة، وهي قاعة السيرة النبوية وقاعة التراث العمراني والحضاري، وقاعة المتحف المفتوح «حديقة المتحف»، فيما تعد قاعة السيرة النبوية أولى قاعات متحف دار المدينة للتراث العمراني والحضاري وتؤدّي إلى قاعات العرض الأخرى، ومساحتها 500 متر مربع، حيث تشمل هذه القاعة مجموعة من المجسمات والصور النادرة للمدينة المنورة، وتشرح معالم السيرة النبوية الشريفة بأسلوب مشوق ودقيق.
وقد رتب العرض في هذه القاعة على عدة مراحل وهي مرحلة تاريخ وتطور مكة المكرمة وتحتوي على مجموعة مجسمات تحكي تاريخ مكة المكرمة منذ نزل فيها سيدنا إبراهيم عليه السلام حتى بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وهجرته إلى المدينة المنورة، ثم مرحلة مسار طريق الهجرة النبوية الشريفة، وهو عبارة عن مجسم ضخم يشرح مسار رحلة الهجرة النبوية من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، ويقارنه بطريق القوافل القديمة، مع ذكر جميع المعالم والمواقع والمحطات التي ارتبطت بمسار الهجرة الشريفة كخيمة أم معبد الخزاعية وقصة سراقة بن مالك وغيرهما، إضافة إلى مرحلة استعراض الحرات ومواقع البراكين التي ظهرت في شرق المدينة والتي أنبأ عنها النبي صلى الله عليه وسلم، ومحطات وصول الرسول عليه الصلاة والسلام إلى المدينة المنورة.
ويشتمل المتحف على مجسم دور الصحابة - رضوان الله عليهم – موضحة به مواقع دور الصحابة حول المسجد النبوي الشريف كيف كانت وأين أصبحت اليوم بعد توسعة الملك الراحل فهد بن عبد العزيز آل سعود، كما أن هناك مجسما يعنى بمواقع المساجد المأثورة، فيما يوضح هذا المجسم عبر مصور جوي شامل للمدينة المنورة الحالي مواقع المساجد المأثورة التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم مرتبة حسب الجهات الجغرافية سواء القائم منها أو المزال.
أما قاعة التطور العمراني والحضاري فهي القاعة الثانية في متحف «دار المدينة» للتراث العمراني والحضاري من حيث ترتيب القاعات وتدرّجها، وتبلغ مساحتها 500 متر مربع، وهي تمثل الفترة التاريخية السابقة للمدينة المنورة والتطور العمراني والتراثي لها.
وتضم هذه القاعة المجسم العام للمدينة المنورة مطلع العهد السعودي وهو أهم وأضخم مجسمات المتحف، ويقف على مساحة 100 متر مربع، ويعد المرجع الوثائقي الوحيد والمهم لمنطقة المدينة المنورة للفترة حتى عام 1345هـ لما يحتويه ويوثقه من معالم التراث العمراني والحضاري والاجتماعي في تلك الفترة، إذ كانت المدينة تتميز بنمط عمراني فريد في تلك الفترة على مستوى دول الشرق كونها مدينة صغيرة في وسط الصحراء وبها جميع مقومات الحياة من مكتبات تضم الغالي والنفيس من المخطوطات والكتب القيمة ومدارس تنشر العلم وتصدح به في كل الأرجاء ومساجد عظيمة ارتبطت بسيد الأمة عليه الصلاة والسلام وقلاع وحصون وأربطة ودور وقصور وأسبلة وحمامات عامة، وغير ذلك الكثير من المعالم العمرانية والحضارية التي تحكي تاريخ مهد الحضارة الإسلامية.
كما أن هذا المجسم يحتوي على أكثر من 4000 معلم، واستغرق العمل على إعداده وبنائه أكثر من 8 سنوات، واشترك في تصحيحه وتوثيقه أكثر من 400 شخص من أهالي المدينة الذين عاشوا في تلك الفترة.
ويمتاز المتحف بعرضه لمجموعة من المقتنيات النادرة والجميلة التي ارتبطت بثقافة وتاريخ المدينة المنورة، من أهمها العملات النادرة التي استخدمت في المدينة المنورة على مدى عصورها المختلفة منذ العهد النبوي وتتابعاتها عبر التاريخ الإسلامي حتى يومنا الحاضر، كما يستعرض المتحف مجموعة من القطع الفخارية التي تعود إلى العهد الثامن الأموي، وبعض المخطوطات الإسلامية والمجوهرات والمقتنيات النادرة التي تعود لفترة ما قبل الإسلام، ومجموعة أخرى من التحف والمجوهرات والملابس والقطع التي تميز بها تراث المدينة المنورة القديم.
يذكر أن المتحف حصل على العديد من الجوائز، منها جائزة الأمير سلطان بن سلمان للتراث العمراني - فرع البحوث العمرانية، وجائزة المدينة المنورة - فرع البحوث العمرانية، وجائزة توثيق التراث العمراني والمعماري للمناطق التراثية والحضرية بالمدينة المنورة، في حين أصدرت الدار موسوعة معالم المدينة المنورة بين العمارة والتاريخ من 9 أجزاء، وبعض الدراسات والكتب والأبحاث التي تخدم معالم المدينة وتراثها العمراني، إضافة إلى جمع وحفظ بعض المقتنيات والنماذج النادرة والمختلفة لوحدات التراث العمراني والحضاري للمدينة المنورة، فضلا عن تنفيذ المجسمات والنماذج التوثيقية للمعالم العمرانية والحضارية والتاريخية للمدينة المنورة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».