في مبادرة أرادها منظموها بمثابة تثبيت هوية بيروت الثقافية، كواحدة من العواصم العربية الرائدة في مجال الفنون، افتتح معرض «فنّ الحياة» وسط العاصمة والذي يشارك فيه 118 فنانا.
ضمّ المعرض الذي تنظمه شركة (لاكشيري ليميتيد إديشن) بالتعاون مع جمعية الفنانين للرسم والنحت في لبنان، أعمالا فنيّة تنوعت ما بين فنون الرسم والنحت والتصوير الفوتوغرافي، وقد لوّنته لوحات ذات تقنيّة الديجيتال، مما أضفى عليه لمسة حداثة لافتة. وقد اختار المعرض «نادي اليخوت» وسط بيروت ليكون مركزا لها، وخصّص ريعه لجمعية «تمنى» لتحقيق أحلام أطفال الأمراض المزمنة، بحيث تبرّع كل فنان مشارك فيه بنصف ثمن لوحته لها.
هذا المعرض الذي شكّل حدثا فنيّا فريدا من نوعه لتنوّع أعماله ومواضيعه، خاطب زوّاره بلغات عدة استخدمت فسيفساء من أنواع الرسم الكلاسيكي والحديث معا. فحاكتهم بالألوان والأفكار الخارجة عن المألوف، مترجمة خيال رسامين شباب ومخضرمين تناولوا مواضيع الأمل والفرح والطفولة والمرأة والميديا على طريقتهم. كما سلّطت بعض تلك اللوحات وبينها ما رسم بالأكواريل والشمع، والزيت والأكريليك والفحم، على مناظر طبيعية من لبنان القرية والمدينة، فنقلتها نقيّة دافئة مرات وروحانية حالمة مرات أخرى.
ولعلّ لوحة «بيروت» الضخمة التي تتصدّر المعرض (200 × 200سم)، والموقّعة من الرسامة نجلاء حبيش المشاركة فيه، كانت خير دلالة على مدى أهمية هذه المدينة لأهلها، لا سيما وأنها نابعة من صورة «ستّ الدنيا» المأمولة، بعيدا عن الواقع الذي تعيشه حاليا في ظلّ التلوّث البيئي الذي تعاني منه. «هي بيروت كما أحفظها في خيالي وكما أخبرني عنها أهلي أيام العزّ، ولذلك استخدمت فيها الألوان الدافئة حينا والأسود والأبيض حينا آخر، لإظهار هذا التمازج ما بين بيروت القديمة والعصرية، وما بين واقعها النابض بالحياة في الليل والنهار» تقول نجلاء حبيش.
أما «ترامواي بيروت» الذي طبعها في الخمسينات، فقد عاد إلى الحياة في لوحة معنونة باسمه وقّعها عاطف طعمة، مبرزا بيروت القديمة المظللة شوارعها بأشجار النخيل والمزيّنة عمارتها بالقناطر، وقد رسمها بالألوان المائية الزاهية. ومن «بيروت» يتنقّل نظرك في أنحاء المعرض دون أن يستطيع استيعاب جماليات كل عمل مشارك. فالرسامة جاكلين أوهانيسيان تحدثّت عن مشكلة الهجرة من خلال لوحة استخدمت فيها تقنية الميديا المرسومة على الكانفا، فصوّرت أشخاصا ضائعين في متاهة الحياة لا يعرفون أين يتوجهّون أو يستقرّون. فيما قدّم شارل خوري في لوحته غير المعنونة، والمستوحاة من صور حيوانات وحشرات تسكن الطبيعة، قدرات الإنسان الأول في تسيير أعماله. فوزّعها في كادرات منفصلة تسودها ألوان زاهية استخدم الرمل لإبرازها، ولينقلها من العصر البدائي إلى الحديث. وفي لوحة «خطوط أنثوية» الزيتية نرى المرأة والرجل في حالة فراق، بحيث قدّمت الرسامة سوزان خير الله فكرتها عن تشابك العلاقة بينهما، بأسلوب الرسم الحديث الشبيه بالنحت، والذي اعتمدت فيه على الأسود والأبيض في إشارة منها للعودة إلى حالة الصفر بين الطرفين.
ولم تغب القصص الخيالية الطفولية عن المعرض من خلال لوحات صوّرت أبطالها بطريقة تواكب أيامنا الحالية. فترجمت الفنانة أحلام عباس قصة «الأميرة وحبّة البازيلا» في لوحتها التي عنونتها «الأميرة القلقة»، والممثلّة بوجه فتاة تعبة تسند برأسها على يدها وهي لا تزال تشعر بوجود «حبة البازيلا» تحتها، على الرغم من جلوسها على كدسة من فرش سريرها الملوّنة. أما حذاء «سندريللا» الذهبي فقد قدّمه ماهر عطّار بشكل عصري، في لوحة فوتوغرافية مصوّرة طبعت على ورق خاص لوّن باليد.
ومن اللوحات التي تحمل معنى روحانيا «هناك دائما طريق نافذ»، التي طبعتها ندى كرم كصورة فوتوغرافية على ورق القطن، ويمثّل ذلك طريقا يشقّ دربه بين الأودية والجبال، التقطت مشهديته من منطقة فاريا. فيما رغب الفنان سهيل سمعان في إبراز دور النملة العاملة دون تعب، في صورة فوتوغرافية بالأبيض والأسود، بيّنت هذه الحشرة رمز المثابرة عن قرب أثناء قيامها بعملها.
واحتلّت المرأة بجميع وجوهها حيّزا لا يستهان به من المعرض. فقدمّت كارول طربيه في لوحة من الأكريليك سمتها «الأرض»، ثلاث نساء جميلات يرتدين أزياء من القرن الرابع عشر. كما صوّرت آمال فقيه المرأة العملية في لوحة زيتية تحت عنوان «المرأة والمظلّة»، غلبت عليها الألوان الزاهية التي تشير إلى استقلالية شخصية هذه المرأة. فيما اختارت غولين طوروسيان ديربوغوصيان منحوتة من قسمين جمعت فيها أفراد العائلة الواحدة، المؤلّفة من الأم والأب والأطفال، تحت عنوان «في أحضان أمي ومشوار مع أبي»، مصنوعة من الفولاذ الأحمر المطلي بالمينا.
أما اللوحات الفنيّة من نوع «ديجيتال»، التي لاقت إعجاب زوّار المعرض للتقنية الحديثة التي تسودها، فقد مثّلت إحداها الثائر الأرجنتيني تشي غيفارا، مختصرة حياته بصور سريعة عن شخصه، والتي وقّعها صاحبها أمين سمّاقية برموز حسيّة من نوع فنّ (بار ريلييف)، ألا وهما السيجار الكوبي ورصاص السلاح الحربي والنجمة الماركسية الحمراء. هذا إضافة إلى لوحات ومنحوتات أخرى حملت الفن الهندسي بمختلف وجوهه.
وأكدت سينتيا سركيس بيروس صاحبة شركة (لاكشيري ليميتيد إديشن) المنظّمة لهذا الحدث، أن مشاركة هذا العدد الكبير من الفنانين في موقع واحد، من شأنه دعم وجه لبنان المضيء الرائد في عالم الثقافة. وأضافت في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لقد اكتملت فرحتنا بهذا المعرض عندما وافق جميع الفنانين المشاركين فيه، أن يتبرّعوا بنصف أسعار أعمالهم الفنيّة التي ستباع في هذا الحدث لجمعية (تمنّى)، الخاصة بأطفال الأمراض المزمنة والتي حقّقت حتى اليوم أكثر من 900 حلم راود بعضهم، فأصبح حقيقة ملموسة معها فرسمت الابتسامة بدل الدمعة على وجوههم».
أما رئيسة جمعية الرسامين والنحاتين اللبنانيين ديما رعد، فأكدت أن ميزة هذا المعرض الذي يشارك فيه 54 فنانا ينتمون إلى الجمعية، هي مساندته الطفولة التي تعاني كثيرا. وأنها كرئيسة للجمعية الفنية هذه، تشعر بالسعادة كونها أسهمت في تحقيق أحلام أطفال أفرحت قلوبهم.
معرض «فنّ الحياة» للرسم يحمل بيروت إلى سماء الفنون الراقية
شارك فيه 118 فنانًا.. تناولت أعمالهم مواضيع عن تشي غيفارا والمرأة والأمل
معرض «فنّ الحياة» للرسم يحمل بيروت إلى سماء الفنون الراقية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة