منتدى الفن العالمي العاشر في دبي يطرح أسئلة حول المستقبل

كيف ترى مناطق مختلفة من العالم مستقبلها ومصيرها تكنولوجيًا

جانب من جلسة النقاش في الدورة السابقة من المنتدى ({الشرق الأوسط})
جانب من جلسة النقاش في الدورة السابقة من المنتدى ({الشرق الأوسط})
TT

منتدى الفن العالمي العاشر في دبي يطرح أسئلة حول المستقبل

جانب من جلسة النقاش في الدورة السابقة من المنتدى ({الشرق الأوسط})
جانب من جلسة النقاش في الدورة السابقة من المنتدى ({الشرق الأوسط})

تنطلق في دبي هذا العام فعاليات منتدى الفن العالمي العاشر الذي يعد الحدث السنوي الثقافي الأكبر في منطقة الخليج. ويستمد الحدث أهميته من تنوعه وتعدد ثقافاته، حيث يجتذب مشاركين من مختلف دول العالم في عالم المال والعلوم والبناء وغيرها من المجالات للمشاركة في الأنشطة التي تقام خلال المنتدى. حظي المنتدى في السنوات العشر الأخيرة بوجود اختصاصيين في الموسيقي العرقية، وسفراء، ومديري الشركات، ونجوم الغناء وغيرهم. واحتفالا بالحدث في نسخته العاشرة، قررت إدارة المنتدى النظر في الماضي لاستشراف المستقبل واختارت لمنتدى هذا العام عنوان «كان المستقبل».
فبحسب شمون باسار المشرف على منتدى الفن العالمي 2016، «المستقبل لم يعد كما كان في الماضي، ولذلك اخترنا للنسخة العاشرة من المنتدى هذا العنوان الذي يقول (كان المستقبل)». أضاف باسار: «كيف ترى مناطق مختلفة من العالم مستقبلها ومصيرها، تكنولوجيا، وثقافيا، وإبداعيا؟ الأفكار بمقدورها أن تقوم بدور آلة الزمن، وعليه فإننا نقوم بدعوة بعض أصحاب أكثر العقول استنارة لتبادل الأفكار ولكي يسافروا بنا للماضي وللحاضر من خلال الزمان والمكان».
تقام فعاليات منتدى الفن العالمي في فورت أيلاند بدبي خلال الفترة من 16 - 18 مارس (آذار) الحالي. وكانت جلستي عمل قد عقدتا في دبي ولندن في يناير (كانون الثاني) الماضي لإعداد تصور عن الأنشطة خلال معرض «آرت دبي» القادم. ركزت إحدى جلسات يناير الماضي على مركز محمد بن راشد للفضاء في دبي. وأدار المعلق الإماراتي سعود القاسمي النقاشات مع ثلاثة من أعضاء الفريق المشرف على مسبار الفضاء التابع للمركز والمفترض انطلاقه للمريخ عام 2021. ركزت النقاشات على ضرورة أن يكون غالبية أعضاء الفريق من الإماراتيين وذلك بهدف تغيير الصورة النمطية عن الخليج ولكي تصبح المنطقة جزءا من التطور العلمي العالمي. أوضح سعيد الجرجاوي، باحث استراتيجي بمركز محمد بن راشد للفضاء، بأن أكثر من 60 في المائة من الفنيين من خريجي المعاهد الإماراتية، مضيفًا: «نستطيع أن نظهر للعالم أن لدينا المقدرة والتكنولوجيا للعمل على المستوى الدولي، وأن نفعل الكثير من أجل رفعة الإمارات والمنطقة العربية كلها». صرحت أمل خلف، الفنانة وأحد المشرفين على منتدى هذا العام، بأن ذلك الخليط من الأمل واليأس بات واضحا في رؤى الناس للمستقبل، وهو ما يعتبر جزءا من برنامج المنتدى»، مضيفة أن «هناك ضرورة وحتمية لطرح الأسئلة عن المستقبل في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة أزمات وركودًا».
وقال أسامة رضا، أثري وأحد المشرفين على منتدى هذا العام: «أعتقد أن هناك الكثير من الأمل في اليأس، ولذلك يخاطب منتدى هذا العام الطبيعة التجريبية للروح الإنسانية، ما زلنا نحاول استكشاف ذلك». عرضت الجلسات الأخرى التي عقدت في يناير الماضي الكثير من القصص الحقيقية.
فمثلا تحدث الملحن حسن الحجيري للجمهور عن تأثير الصوت العالي لمحرك طائرة الكونكورد في تطور موسيقى الفجيرة في البحرين. وسردت الكاتبة أنا ديلا سبين قصة أهل الكهف الذين ناموا 300 عام كاملة ثم استيقظوا ليجدوا أنفسهم في عالم مختلف، وهى القصة التي استمر البشر يعيدون سردها منذ القرن السادس الميلادي في محاول لنقد الحاضر وتخيل المستقبل. عرضت الفنانة صوفيا الماريا فيلما خاصا عن تأثيرات الاحتباس الحراري على كوكب الأرض، وربطها بسؤال عن السبب في أن الصحراء كانت دوما قاسما مشتركا في جميع روايات الخيال العلمي. عرض الجزء الأول من فيلمها في لندن للمرة الأولى في يناير الماضي، ومن المقرر عرض الجزء الثاني للمرة الأولي في دبي في مارس الحالي.
يستضيف منتدى هذا العام كوكبة من علماء الفضاء والفنانين كمتحدثين، ويجرى الشرح بواسطة أفلام بالصوت والصورة، بالإضافة إلى عرض للأفكار من قبل المتحدثين. صرحت أنطونيا كارفر، مديرة معرض «آرت دبي»، وقالت: «إن فكرة مناقشة المستقبل وماذا يعني لنا في الحاضر والمستقبل تجد قبولا هنا في الإمارات»، مضيفة أن البرنامج يشتمل أيضًا على نقاشات نقدية وحوارات على هامش المعرض. ستدير منيرة القادري جلسة نقاش عن «دور النفط في مستقبلنا»، بينما تقدم كريستين صن عرضا خاصا بعنوان «المستقبل كان صامتا»، في حين يناقش السيد، فنان الخط العربي، مشروعه الجديد الذي يركز على حي الزبالين في القاهرة، بالاشتراك مع جلين لوروي، مدير متحف نيويورك للفن الحديث.
ولدى سؤالهم عن أكثر ما لفت نظرهم في المعرض، ضحك المشرفون على منتدى الفن العالمي 2016، قبل أن يجيب رازفي قائلا: «بعد كل تلك البرامج التي نوقشت، واحتساء القهوة، والتواصل عبر برنامج سكايب، والنقاشات الطويلة التي تناولت أناسا مدهشين، أصبح لدينا قائمة طويلة من الناس الملهمين، القادرين على تحدينا». أكدت أمل خلف أن لديها نفس الشعور قائلة: «أشعر بالدهشة من كل شيء، خاصة النقاشات التي جاءت نتيجة لالتقاء الناس سويا، وأتطلع لأن أرى ما سيسفر عنه هذا الحدث».
من المقرر أن ينعقد منتدى الفن العالمي 2016 على هامش فعاليات معرض «آرت دبي» خلال الفترة من 16 – 18 مارس في فورت إيلاند.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)