زهور ريس لـ«الشرق الأوسط»: لا أسعى للشهرة على حساب الآخرين

من أشهر مصممات القفطان في المغرب.. ونجحت في مزج التقليدي بالعصري

TT

زهور ريس لـ«الشرق الأوسط»: لا أسعى للشهرة على حساب الآخرين

منطقة راقية تلقب بـ«بيفرلي هيلز كازا بلانكا» نسبة لضخامة حجم منازلها وروعة تصميمها، تضم فيلا بيضاء جميلة في شارع الفراشات تسكن فيها أروع تصاميم القفطان المغربي التي تبتكرها سيدة القفطان المغربي المصممة زهور ريس ابنة الدار البيضاء ومفخرتها.
في استقبال حار من ابنتها شاديا وهي مصممة أيضا تعمل في ورشة والدتها، قادتنا إلى البهو الرئيسي بأرضيته الزجاجية، فسرقنا نظرة إلى ما هو في الأسفل لنجد تصميمات رائعة من القفطان، وفي ذلك البهو الذي يطغى عليه اللون الأبيض كان هناك نموذجان لقفطانين في قيد التصميم، وبعد دقائق معدودة امتلأ المكان بطاقة إضافية عندما دخلت زهور، بطلتها الشبابية المتواضعة التي لا تمت إلى تعجرف بعض المصممين بصلة، فكانت ودودة ومندفعة للتكلم عن مسيرتها وتصميماتها وشرح أصول القفطان، الرداء الأشهر في المغرب، الذي وصل إلى العالمية ويستعين به أهم المصممين الغربيين ويدخلون مفرداته إلى فساتين «الهوت كوتير».
وفي مستهل الحديث قالت ريس لـ«الشرق الأوسط» إن قصتها بسيطة لأنها ومنذ نعومة أظافرها وهي تعشق الخياطة فهي ترعرعت في بيت تقوم فيه والدتها بخياطة كل ملابسها وملابس إخوتها، ووالدها خياط رجالي اشتهر في أيامه بتصميم البدل والقمصان، فعشقت الإبرة والخيط منذ صغرها، وتقول إن والدها كأي أب شرقي كان يريدها أن تصبح طبيبة أو محامية، غير أن تفكيرها كان في الأزياء وتصميمه، فالتحقت بمعهد الفنون الجميلة، لأنه وبحسب ما قالت لم تكن هناك معاهد متخصصة بتصميم الأزياء، وبدأت بتصميم الفساتين والسراويل والمايوهات وتأثرت كثيرا بالأفلام المصرية وبألبسة الممثلات وتبنت الكثير من الأفكار المستوحاة من حقبة السينما الجميلة في تصميماتها، كالأكمام العريضة والقصات الضيقة التي تبرز جماليات الجسم. وبعد زواجها لم تتوقف ريس عن التصميم وركزت على تصميم القفطان المغربي لأنه برأيها لم يأخذ حقه عالميا بعد، ولو أن الكثير من المصممين يتفننون بتصميماتهم ويقلدون مفردات القفطان مثل «القلادة» أو «السفيفة»، واعتمدت على أسلوبها الخاص الذي يعزز الأصالة المطعمة بالحداثة.
وخلال المقابلة كنا نشاهد عرضا على شاشة التلفزيون المسطحة لأحد عروض زهور ريس، فكونا فكرة عما سنراه في ورشة العمل في الطابق السفلي، فتصميماتها جميلة وأنيقة وبسيطة بنفس الوقت، يطغى عليها اللون الأبيض والألوان الفاتحة الأخرى، من دون مبالغة في الإكسسوارات مع مزج النمط المغربي التقليدي بالنمط الغربي مع التشديد على الحزام العريض الذي يحول التصميم من تصميم لسروال بقصة غربية إلى قطعة تذكرك بسحر المغرب وتصميم ملابسه التقليدية الجميلة.
وعن سؤالنا عن مقارنتها بباقي مصممي القفطان المغربي في المغرب وخارجه، قالت ريس بكل عفوية: «لا أحب المقارنة، فلكل منا أسلوبه».
وعن الانتشار والشهرة، شددت ريس على أن هذين الأمرين لا يهمانها والسبب هو أنها تعتمد على حرفيين لهم الفضل في نجاحها فلذا تجد بأنه لا يجوز أن تحصد نجاح عمل دؤوب يقوم به الغير، وتضيف بأنها كانت محظوظة لأنها تمكنت من درس مادة الرسم والفنون، ولكن لا يجوز أن تتخطى عمل الآخرين معها الذين يقومون بأعمال جبارة في إنجاح أي تصميم تقوم برسمه على الورق.
ودعتنا إلى ورشتها للتعرف على بعض من أعضاء فريقها، فكلهن سيدات من المغرب، وأشارت إلى أن هناك مجموعة من الرجال أيضا الذين يعملون من منازلهم لأن هناك مفردات في تصميم القفطان مثل «السفيفة» لا يصنعها إلا الرجال.
الورشة كانت أشبه بخلية نحل صامتة، الأقمشة تنسدل على الطاولات وتقوم السيدات بالعمل عليها بعناية شديدة وبدقة عالية، والواضح هو علاقة ريس الطيبة بالعاملين معها، وكانت كل سيدة تعمل على قطعة معينة ولكن مختلفة تماما، وشرحت ريس هذا الأمر بالقول: «لا أقوم بالتصميم مرتين، لأن لكل سيدة أسلوبها» وأضافت ابنتها شاديا: «السيدات المغربيات يرتدين القفطان في مناسبات مشتركة ولا يجوز أن تلتقي سيدة بأخرى ترتدي نفس التصميم» وعلقت ريس بأنه من المهم جدا التعامل مع هذه المهنة وكأنها هواية، فأهم شيء هو الإبداع وإرضاء الزبونة لأن هذا الرضا هو ترجمة للنجاح.
الأقمشة كثيرة ترتكز على الحرير والساتان والدانتيل والموسلين والبروكار وقالت ريس إنها تستوردها كلها من إيطاليا وباريس، كما تستعين أيضا بالبروكار من مدينة فاس، ولكنها حذرة قليلا مع التعامل مع هذا النوع من القماش لأنه سميك ولا يتماشى مع جميع السيدات، فإذا كانت السيدة ممتلئة من الأفضل تصميم قفطان من الحرير مثلا.
قدمت زهور ريس عدة عروض أزياء للجلباب والقفطان المغربي في كل من باريس وأبوظبي والسعودية وقطر وسلطنة عمان وتونس والكويت، وجميع الطلبات من سيدات من داخل المغرب والبلدان العربية التي عرضت فيها تصميماتها، وتقوم بتصميم ما بين 70 و80 قفطانا بالشهر الواحد، ولا تقوم بإطلاق تشكيلة موسمية لأن السيدات اللاتي تتعامل معهن يقمن بطلبيات موسمية خاصة بهن، وبالتالي لا حاجة لإطلاق أي تشكيلة للعرض.
وعن ولادة قفطان جديد تقول ريس إنها تتعامل مع كل قطعة على أنها الأهم، فهي تعشق جميع الألوان والأقمشة، ولكنها تفضل النساء اللاتي يأتين إليها واثقات من ذوقها وما تشعر بأنه يتلاءم مع شكل أجسامهن وأسلوبهن إن كان من حيث الألوان وتدرجها أو القصة أو حتى القماش.
تتميز زهور ريس بالقفطان الضيق والفتحات الطويلة على الجانبين، كما طورت العبايات والجلباب، وصممت ما يعرف بـ«الكاب» على الطريقة المغربية ولكن بطريقة عصرية، والجميل بتصميماتها هو أنه من السهل ارتداؤها، فهي تقوم بتصميم القفطان الخاص بالمناسبات الكبرى ولكن وفي نفس الوقت تعزز القطع الجاهزة «البريتابورتيه» لتكون بمتناول الجميع، ومن بين القطع التي تقوم بتصميمها جاكيتات على نمط تصميم شانيل الشهير مطعم بمفردات مغربية.
وعن البساطة تقول ريس إنها تعشق التصميم البسيط والبعيد عن البهرجة وأعطت مثالا عن ممثلات هوليوود كيف بدين على السجادة الحمراء خلال حفل الأوسكار الأخير وكأنهن دمى أنيقة والفضل يعود إلى عدم المبالغة في استخدام الإكسسوارات، وانتقدت بعض السيدات الشرقيات اللاتي يقمن بالزخرفة الزائدة عن اللزوم لذا تراها تعتمد على التصميم البسيط مع الاستعانة الخجولة بالأحجار والترتر في القفطان لأن كل ما زاد عن حده فهو ناقص.
وعن البساطة قالت ابنتها شاديا إنها أسوأ من والدتها عندما يأتي الأمر على زخرفة القفطان لأنها لا تحبذ التصميمات الصارخة وتعتمد تماما مثل والدتها على البساطة والأسلوب الأنيق الشيك على نمط الـ«هوت كوتير».
وقالت زهور في نهاية الحديث وبفخر شديد إن ابنتها شاديا درست مادة إدارة الأعمال في جامعة السوربون الفرنسية ولكن ما إن انتهت لم ترد أن يكون مصيرها في العمل في أحد البنوك، وأرادت تحدي نفسها واكتشاف شيء جديد بداخلها فاتصلت بوالدتها من باريس وأبلغتها بأنها تقدمت بطلب إلى معهد «إيس مود» الأهم في باريس لتصميم الأزياء وتم قبولها، فتعلمت الرسم وتخرجت لتصبح مصممة أزياء تعمل اليوم إلى جانب والدتها لكي تستمر مسيرة النجاح في عالم تصميم القفطان المغربي ونشره من باب واسع في عالم الأزياء العالمية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».