محاولات لإعادة «ترميم» خريطة السياحة الدولية في «معرض برلين»

بعد عام سيئ لدول السياحة منخفضة التكلفة

محاولات لإعادة «ترميم» خريطة السياحة الدولية في «معرض برلين»
TT

محاولات لإعادة «ترميم» خريطة السياحة الدولية في «معرض برلين»

محاولات لإعادة «ترميم» خريطة السياحة الدولية في «معرض برلين»

بدأت أمس (الأربعاء) فعاليات معرض بورصة برلين الدولي للسياحة والسفر في نسخته الخمسين، ومنذ إقامة المعرض العام الماضي وحتى موعده الحالي شهدت خريطة السياحة منخفضة التكلفة انقلابا كبيرا، نتيجة ما تعرض له عدد من أبرز الدول السياحية، خصوصا في إقليم البحر المتوسط من أزمات، وعلى رأسها لبنان وتونس ومصر وتركيا، إلى جانب ما يشهده العالم من اضطراب مالي وتباطؤ اقتصادي، وهو الوضع الذي لا يساعد الطبقة المتوسطة الغالبة عالميا على التوجه إلى دول أخرى أكثر كلفة من حيث السياحة.
وينتظر منظمو أكبر معرض دولي للسياحة، الذي تستمر فعالياته على مدار خمسة أيام، أن يبلغ عدد زائري المعرض هذا العام نحو 100 ألف زائر متخصص. ويحمل المعرض هذا العام شعار «Travel 0.4»، وتدور فعالياته حول الثورة الرقمية في عالم السياحة والسفر.
ويشارك في المعرض الذي تستمر فعالياته حتى الأحد المقبل نحو 10 آلاف جهة عرض من 187 دولة ومنطقة حول العالم، ومنهم دول عربية عدة، منها الإمارات العربية المتحدة وتونس ومصر التي تعد الشريك الثقافي للمعرض هذا العام.
يُذكر أن عدد الحجوزات السياحية للمقاصد الشهيرة في العالم مثل تركيا ومصر وتونس تراجع بنسبة 40 في المائة وأكثر مطلع العام الحالي بسبب الهجمات الإرهابية التي حدثت خلال العام الماضي 2015.
* مشاركة مصرية
وتحاول وزارة السياحة المصرية من خلال وجودها الكبير في معرض برلين الدولي وكشريك ثقافي في المعرض تكثيف الجهود المبذولة لاستعادة الحركة السياحية، وتغير الصورة الذهنية عن المعلم السياحي المصري، في ظل تراجع الحجوزات الفندقية بمصر خلال الفترة الأخيرة، عقب حادث سقوط الطائرة الروسية بسيناء نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وتغيرت معالم السياحة في مصر خلال أواخر عام 2015، وبلغت خسائر قطاع السياحة في مصر نحو 2.2 مليار جنيه شهريًا (نحو 280 مليون دولار) وفق تصريحات سابقة لوزير السياحة المصري، متأثرة بحادث سقوط الطائرة الروسية فوق جزيرة سيناء في أكتوبر من العام الماضي ومقتل جميع ركابها البالغ عددهم 244 شخصا.
وانخفض عدد السائحين الوافدين لمصر خلال العام الماضي بنحو 600 ألف سائح ليصل إلى 9.3 مليون سائح، مقارنة بعام 2014، وفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري.
وكان القطاع بشغل ملايين العاملين المصريين حيث كانت مصر تُعد إحدى أكثر الوجهات السياحية الخارجية التي يفضلها الروس لقضاء عطلاتهم، يأتي بعدها تركيا، وكانت السياحة الروسية في مصر من أكثر الجنسيات وجودا في المدن السياحية المصرية كالغردقة وشرم الشيخ، إلا أن الحال تغيرت بعد سقوط الطائرة الروسية، وقرار الحكومة الروسية بإيقاف رحلاتها الجوية إلى مصر عقب الحادثة الإرهابية.
وانضمت بريطانيا إلى روسيا لاحقا في قرار الحظر، وتراجعت الحجوزات السياحية إلى مصر في نهاية عام 2015 بنسبة 10 في المائة عن العام السابق له، الأمر الذي أسهم في تحقيق خسائر لقطاع السياحة هي الأكبر منذ 20 عامًا، إضافة إلى تجفيف أحد أبرز منابع دخول العملة الأجنبية إلى مصر.
وقال جهاز الإحصاء، في بيان النشرة السنوية للسياحة لعام 2015، إن أوروبا الشرقية كانت أكثر المناطق إيفادا للسائحين في 2015 بنسبة 37.7 في المائة من إجمالي السياح، تليها أوروبا الغربية بنسبة 35.1 في المائة ثم الشرق الأوسط بنسبة 15.2 في المائة.
ومن ناحية أخرى ارتفعت أعداد السائحين العرب خلال نفس العام، حيث قال جهاز الإحصاء إن أعداد السائحين العرب ارتفعت خلال 2015 بنحو مائة ألف سائح مقارنة بالعام الماضي لتصل إلى 1.7 مليون سائح، يمثلون 18.6 في المائة من إجمالي السائحين في هذا العام.
* تونس تسعى لمداواة جراحها
ولم تكن السياحة في تونس هي الأخرى بمأمن عن خطر الإرهاب الذي ضربها في عام 2015 وأدى إلى إعلان حالة الطوارئ في البلاد، واستهدف الأول متحف باردو الشهير وسط العاصمة في 18 مارس (آذار) 2015، واستهدف الثاني فندقا في مدينة سوسة في 26 يونيو (حزيران) 2015. وقُتل 21 سائحا أجنبيا، وشرطي تونسي واحد في الهجوم على المتحف، و38 سائحا أجنبيا في الاعتداء على الفندق.
ومباشرة بعد هجوم سوسة وما خلفه من خسائر في الأرواح، خصوصا الأجانب منهم، دعت عدة دول أوروبية مواطنيها إلى عدم السفر إلى تونس إلا عند الضرورة القصوى، كما ناشدت السياح الموجودين في تونس إلى المغادرة فورا، تحسبا لأي هجوم إرهابي جديد.
وتراجعت إيرادات السياحة في تونس على مدى عشرة أشهر من 2015 بأكثر من 33 في المائة، كما انخفض عدد السياح بنحو 34 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من 2014. وحققت إيرادات السياحة تراجعا بلغ 33.4 في المائة حتى نهاية أكتوبر الماضي مقابل الفترة نفسها من العام الماضي، لتصل إلى 950 مليون يورو، وفقا لبيانات البنك المركزي التونسي. وانعكس تراجع عدد السياح والإيرادات المالية للسياحة على نشاط المؤسسات السياحية، وخصوصا الفنادق التي أغلق نحو 25 في المائة منها بأواخر عام 2015.
وتشارك تونس في معرض بورصة برلين الحالي في محاولة لتنشيط قطاع السياحة والترويج للبلاد أمام العالم، وتعد السياحة أحد أعمدة الاقتصاد في تونس، إذ تشغل أربعمائة ألف شخص بصورة مباشرة وغير مباشرة، وتسهم بنسبة 7 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، وتدر ما بين 18 و20 في المائة من مداخيل تونس السنوية من العملات الأجنبية.
ويُعد «ITB برلين» من أهم المعارض السياحية في العالم والمعروفة بـ«قمة العالم السياحية»، حيث يشارك فيه صناع القرار السياحي وممثلو القطاع السياحي من مختلف دول العالم، ما يعد فرصة حقيقية لتحسين الصورة الذهنية والترويج للسياحة المحلية.



الانتخابات الأميركية وتأثيرها الاقتصادي... بين رؤية ترمب وسياسات هاريس

رجل يمشي أمام شاشة إلكترونية تعرض سعر صرف الين الياباني الحالي مقابل الدولار والرسم البياني الذي يوضح حركته في طوكيو (رويترز)
رجل يمشي أمام شاشة إلكترونية تعرض سعر صرف الين الياباني الحالي مقابل الدولار والرسم البياني الذي يوضح حركته في طوكيو (رويترز)
TT

الانتخابات الأميركية وتأثيرها الاقتصادي... بين رؤية ترمب وسياسات هاريس

رجل يمشي أمام شاشة إلكترونية تعرض سعر صرف الين الياباني الحالي مقابل الدولار والرسم البياني الذي يوضح حركته في طوكيو (رويترز)
رجل يمشي أمام شاشة إلكترونية تعرض سعر صرف الين الياباني الحالي مقابل الدولار والرسم البياني الذي يوضح حركته في طوكيو (رويترز)

تدخل الانتخابات الرئاسية الأميركية يومها الأخير، ويراقب العالم باهتمام شديد التنافس بين الجمهوري دونالد ترمب، والديمقراطية كامالا هاريس، حيث تتجاوز آثار نتائج الانتخابات الحدود الأميركية لتؤثر في الاقتصاد العالمي، وتحديداً أوروبا والصين.

وإذ تختلف سياسات كل من المرشحَين بشكل كبير، يُتوقع أن يسهم كل منهما في صياغة ملامح جديدة للتجارة العالمية والسياسة الاقتصادية، مما يثير تساؤلات حول مدى استقرار الأسواق في حال فوز أي منهما.

التأثيرات الاقتصادية

يرى محمد حشاد، كبير استراتيجيي الأسواق في «نور كابيتال»، أن فوز ترمب سيُحدث تغييرات جذرية في الاقتصاد العالمي، إذ يتوقع أن تترجَم سياساته إلى تصاعد في الحروب التجارية، وفرض رسوم جمركية مرتفعة تصل إلى 20 في المائة على جميع السلع المستوردة، خصوصاً على الواردات الصينية التي قد تخضع لتعريفة تصل إلى 60 في المائة.

وأشار حشاد في حديث إلى «الشرق الأوسط» إلى أن هذه الرسوم ستُفرَض أيضاً على السيارات المستورَدة بغض النظر عن بلد المنشأ، مما سيؤثر سلباً في صناعة السيارات الأوروبية بشكل خاص، وبهذا يمكن أن تشهد العلاقات التجارية الدولية تغييرات ضخمة تؤدي إلى إعادة تشكيل سلاسل التوريد العالمية، وتؤثر في الدول المُصدِّرة للولايات المتحدة.

في المقابل، يشير كبير استراتيجيي الأسواق في «نور كابيتال» إلى أن فوز هاريس قد لا يُحدث تغييرات جوهرية على المستوى الاقتصادي العالمي، بل من المحتمل أن يوفر نوعاً من الاستقرار النسبي لأوروبا.

وتدعم هاريس في تصريحاتها مقاربة مختلفة نوعاً ما عن سياسات بايدن، وقد تركز على القضايا الداخلية، مما يعني عدم التصعيد على صعيد التجارة مع أوروبا. كذلك، يتوقع محللون أن عدم تنفيذ رسوم جمركية قاسية من قبل هاريس سيقلل من حدة الأضرار الاقتصادية التي قد تطال الاتحاد الأوروبي.

السياسة التجارية بين واشنطن وأوروبا

يشير الخبراء إلى أن العلاقات التجارية ستظل موضوعاً شائكاً بين واشنطن وبروكسل بغض النظر عن الفائز في الانتخابات. يُتوقع أن يواجه الاتحاد الأوروبي ضغوطاً كبيرة لموازنة علاقاته بين الولايات المتحدة والصين، حيث تعدّ الصين ثاني أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي بعد الولايات المتحدة، وبلغت التجارة الثنائية بين الصين وأوروبا نحو 739 مليار يورو في عام 2023.

وقد يُجبَر الاتحاد الأوروبي على إعادة النظر في تعاملاته التجارية مع الصين إذا ضغطت واشنطن على دوله لتحجيم تلك العلاقة، سواء بقيادة ترمب أو هاريس.

علاوة على ذلك، فإن «السياسة الخضراء» قد تكون موضع خلاف آخر بين الجانبين، فقد يؤدي فوز هاريس إلى تعزيز الاتفاقات البيئية مع الاتحاد الأوروبي، بينما قد يواصل ترمب موقفه المتشكك تجاه القضايا البيئية، مما قد يسبب توترات إضافية بين واشنطن وبروكسل حول التزامات المناخ والاستدامة.

التضخم وأسعار الفائدة

وفقاً لجون هاردي، رئيس استراتيجيات الاقتصاد الكلي في «ساكسو بنك»، قد يؤدي فوز ترمب إلى ارتفاع معدل التضخم، إذ من المتوقع أن تؤدي خططه لزيادة الرسوم الجمركية وتخفيضات الضرائب، إلى رفع تكلفة السلع المستوردة، مما سيشكِّل ضغوطاً تضخمية.

وفي حال تحقق هذا السيناريو، فقد يجد «الاحتياطي الفيدرالي» نفسه مضطراً لرفع أسعار الفائدة؛ لتخفيف تأثيرات التضخم، ما سيؤثر في تكلفة الاقتراض وعوائد السندات الأميركية، ويؤدي إلى زيادة تكاليف الاقتراض الحكومية، وهو ما قد تكون له تبعات سلبية على السوق العالمية.

أما في حال فوز هاريس، فإن السوق قد تشهد تصحيحاً سريعاً في الأسعار؛ بسبب سياسات الحزب الديمقراطي التي تتجه إلى فرض ضرائب أعلى على الشركات.

وأضاف: «يُتوقع أن يؤدي ذلك إلى تأثيرات واسعة في أسواق المال العالمية؛ بسبب هيمنة السوق الأميركية على الاقتصاد العالمي، خصوصاً إذا ما اقترنت تلك السياسات بزيادة الإنفاق الحكومي، الأمر الذي سيؤدي إلى ضغوط إضافية على العوائد وأسعار الأسهم».

تحديات النتائج المتقاربة والسيناريوهات المتوقعة

وتابع جون: «في حال كانت النتائج متقاربة، قد تمتد حالة عدم اليقين لأيام أو حتى أسابيع بعد الانتخابات. إذا قدم أحد الطرفين طعوناً قانونية في النتائج، فمن الممكن أن يطيل ذلك من فترة الاضطراب في الأسواق العالمية».

وأضاف: «قد يكون هناك أيضاً سيناريو محتمل للتعادل في المجمع الانتخابي بنتيجة 269 - 269، مما سيؤدي إلى قرار الانتخابات في مجلس النواب وفقاً للأصوات حسب الولاية، وهو ما قد يمنح ترمب الأفضلية بسبب تفوق الجمهوريين في عدد الولايات، رغم احتمال تفوق هاريس في التصويت الشعبي».

العالم يترقب

تعكس هذه الانتخابات عمق الانقسام داخل الولايات المتحدة، وتأثير ذلك في الاقتصاد العالمي. تتجه الأنظار نحو المرشحَين وسياساتهما، وسط ترقب العالم لمعرفة ما ستؤول إليه تلك النتائج، خصوصاً أن تأثيراتها الاقتصادية قد تمتد لتُشكِّل تحولات رئيسية في النظام الاقتصادي العالمي، وتؤثر في علاقات الدول ومصالحها التجارية.