الطريفي يفتتح المعرض الدولي للكتاب 2016 بشعار: «الكتاب.. ذاكرة لا تشيخ»

قدم عدد من الأطفال لوحة فنية وفاءً لجنود الوطن المشاركين في عملية «عاصفة الحزم»

د.عادل الطريفي خلال افتتاحه المعرض الدولي للكتاب في الرياض أمس (واس)
د.عادل الطريفي خلال افتتاحه المعرض الدولي للكتاب في الرياض أمس (واس)
TT

الطريفي يفتتح المعرض الدولي للكتاب 2016 بشعار: «الكتاب.. ذاكرة لا تشيخ»

د.عادل الطريفي خلال افتتاحه المعرض الدولي للكتاب في الرياض أمس (واس)
د.عادل الطريفي خلال افتتاحه المعرض الدولي للكتاب في الرياض أمس (واس)

دشن الدكتور عادل الطريفي، وزير الثقافة والإعلام السعودي، المعرض الدولي للكتاب 2016، بمشاركة أكثر من 1.2 مليون عنوان، و500 دار للنشر، في تظاهرة ثقافية وحضارية كبرى تحقق من خلالها الرسالة النوعية من خلال شعار المعرض «الكتاب.. ذاكرة لا تشيخ»، وذلك برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، والذي تحضر فيه دولة اليونان كضيف شرف.
وأوضح الدكتور عادل الطريفي، خلال الحفل، أن افتتاح معرض الرياض الدولي للكتاب بهذه الدورة الجديدة ليكون إضافة مميزة ومتنوعة للعمل الثقافي بالمملكة، بمشاركة أكثر من 1.2 مليون عنوان، و500 دار للنشر إلى جانب الأجنحة الرسمية لعدد من القطاعات الحكومية ومؤسسات المجتمع المهتمة بالثقافة والفكر، في تظاهرة ثقافية وحضارية كبرى تحقق من خلالها الرسالة النوعية من خلال شعار المعرض «الكتاب.. ذاكرة لا تشيخ».
ورفع وزير الثقافة والإعلام السعودي، شكره لخادم الحرمين الشريفين، نظير رعايته الكريمة لفعاليات المعرض، الذي ينعقد هذه الأيام «استمرارًا لجهود بلادنا الكريمة لدعم الثقافة والعلم والمعرفة، إذ حقق هذا المعرض خلال سنواته الماضية الكثير من روافد العمل والإنجاز بفضل رواده والعاملين السابقين فيه، الذي دعمت من خلاله الوزارة برامجه وأطره التنظيمية».
وأشار الدكتور الطريفي إلى أن «هذه الدورة تأتي بحلة جديدة وأطر تنظيمية، لترفع بذلك الوزارة مستوى الأداء وعملت بجميع قطاعاتها ولجانها لإطلاق حزمة من الآليات لدعم الثقافة والمثقفين، ودعم المؤلف والناشر، وكان التدريج نوعيًا لتيسير العملية، سواء بصيغتها التدريجية الثقافية، أو بصيغته البصرية والسمعية، ونحن في هذا المهرجان نسعد بمد جسور الصداقة والتواصل مع ضيف الشرف الجمهورية اليونانية بحضور ثقافتهم العميقة من خلال مجموعة من البرامج والفعاليات».
ولفت وزير الثقافة والإعلام إلى أن الوزارة تقوم بدعم الثقافة لمواكبة الجهود النوعية ببلادنا لحماية حدودها وأمنها ومواطنيها، حيث جاءت المعارض المصاحبة (عدسة الحزم، وريشة الحزم، والرياض القديم) لتتكامل مع جائزة الوزارة التي فاز فيها مجموعة من الباحثين.
وأضاف: «وفقت الوزارة، عند قيامها باستثمار مفهوم جديد للعمل الثقافي، حيث استثمرت القدرات النوعية لمجموعة من الكوادر الشابة ليتولوا قيادة العمل بهذا المعرض، ونعدكم بالاستمرار بالعمل على هذا النهج، كما تهنئ الوزارة رواد المسرح المكرمين اليوم».
وذكر الطريفي، أن البعد الدلالي المرتبط بهوية المعرض يتجلى في المعرض وله بعد ثقافي مهم وهو الارتباط بالمكان بوصفه لحظة عريقة من الزمان والثقافة والمعرفة إذ سميت البوابات بأسماء تعكس عبق المكان وتدل على تفاصيله، وترشد إليه المهتمين بالرياض هذه العاصمة، التي احتضنت طموح المؤسس وأشواقه التي استمرت بعناية خادم الحرمين الشريفين، وبالأصالة المميزة لهذا المعرض، واستطاع أن ينجب عددًا من المؤسسات الثقافية.
من جهة أخرى، قال سعود بن نصار الحازمي، المستشار والمشرف على الإعلام الداخلي في وزارة الثقافة والإعلام، إن معرض الرياض الدولي للكتاب يحضر في عامه العاشر متمثلاً في قيمة الذاكرة العميقة، إيمانًا من القائمين على المعرض بأهمية الكتاب ودوره في حفظ التاريخ والحضارة الإنسانية وعلومها وفنونها على مر العصور، مشيرًا إلى أن هوية المعرض تمثلت في وسط الرياض التاريخي، إذ عكفت وزارة الثقافة والإعلام بمختلف أذرعتها للتجهيز لمعرض الرياض منذ عدة أشهر، رغبة في نجاح هذا العرس الثقافي واستمراريته عامًا تلو الآخر.
وأوضح الدكتور الحازمي، أن وكالة الشؤون الثقافية، الجهة المشرفة على المعرض، تسعى إلى تعزيز مفهوم النشر لتعزيز دور الكتاب في المجتمع، وذلك عبر التوسع في توفير الخدمات وتذليل الصعاب، والاستفادة من منصات التواصل الاجتماعي، وإيصال الكتب عبر البريد السعودي، ووضع أجهزة إلكترونية للبحث عن الكتب ودور النشر وغيرها من الخدمات المساندة.
وتخلل الحفل تقديم عدد من الأطفال لوحة فنية وفاءً لجنود الوطن المشاركين في عملية «عاصفة الحزم»، كما تم عرض فيلم وثائقي عن مسيرة المعرض منذ بدئه عام 1977 في جامعة الملك سعود، وحتى تولي وزارة الثقافة والإعلام إقامته سنويًا في شهر مارس، وفيلم وثائقي عن حضارة الجمهورية اليونانية، ضيف الشرف.
وكرّم الدكتور عادل الطريفي وزير الثقافة والإعلام، رواد المسرح وهم: إبراهيم الحمدان، وعبد الرحمن الحمد، وأحمد الهذيل، ومحمد العثيم، ومحمد المنصور، وملحة عبد الله، وعبد العزيز السماعيل، وعلي إبراهيم، ويوسف الخميس، وناصر المبارك، وعمر العبيدي، وأحمد بن محمد الأحمري وعلي السعيد.
كما كرّم الفائزين بجائزة وزارة الثقافة والإعلام للكتاب وهم: أ.د إسماعيل بن السيد خليل كتبخانة، ومحمد بن عبد الله السيف، وعصام بن حسن عويضة، وسعيد بن سعد الزهراني، وجاسم بن محمد الصحيح، وفهد بن ردة الحارثي، وعبد الله بن عبد الرحمن البريدي.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)