المرأة الفلسطينية.. نصف المجتمع «يعاني الأمرّين»

إسراء النملة لـ («الشرق الأوسط») : حرمني الاحتلال حياتي الطبيعية وحرمني زوجي الأولاد

احتفلت النساء الفلسطينيات أمس بيوم المرأة العالمي  وشاركت النساء في احتفالية أقامتها الأمم المتحدة بإحدى حدائق غزة (أ.ف.ب)
احتفلت النساء الفلسطينيات أمس بيوم المرأة العالمي وشاركت النساء في احتفالية أقامتها الأمم المتحدة بإحدى حدائق غزة (أ.ف.ب)
TT

المرأة الفلسطينية.. نصف المجتمع «يعاني الأمرّين»

احتفلت النساء الفلسطينيات أمس بيوم المرأة العالمي  وشاركت النساء في احتفالية أقامتها الأمم المتحدة بإحدى حدائق غزة (أ.ف.ب)
احتفلت النساء الفلسطينيات أمس بيوم المرأة العالمي وشاركت النساء في احتفالية أقامتها الأمم المتحدة بإحدى حدائق غزة (أ.ف.ب)

تختصر حادثة قتل الجنود الإسرائيليين للسيدة فدوى أبو مطير (50 عاما) في القدس، في يوم المرأة العالمي، أمس، المشهد كله، وتجيب عن أسئلة كثيرة متعلقة بكيف تعيش النساء الفلسطينيات في ظل الاحتلال.
وفيما يتهم الفلسطينيون إسرائيل بقتل أبو مطير بدم بارد، يقول الإسرائيليون إنها حاولت طعن أحد الجنود. وفي الحالتين، إذا أعدمت أو أرادت تنفيذ عملية، فيعكس هذا الوضع المعقد للنساء في دولة محتلة.
لا يمكن حصر الأضرار النفسية التي يسببها الاحتلال للمرأة الفلسطينية، وأثرها البالغ على شخصية المرأة وحياتها وأسرتها ومستقبلها، في تقرير واحد. لكن يمكن تسليط الضوء على نماذج من هذه المعاناة التي وثقتها الأمم المتحدة في تقرير يرتقب صدوره، ويحمل إسرائيل أعمال العنف الأسرية التي تعانيها النساء الفلسطينيات، ويظهر كذلك أن المعاناة التي يسببها الاحتلال للمرأة يمكن أن تجر معاناة أخرى يسببها الرجال.
لم تدفع إسراء النملة، البالغة من العمر (26 عاما) ثمن الحرب الإسرائيلية على غزة بفقدها قدميها فقط، وما خلفه ذلك من إحباط شديد، أوصلها إلى حالات اكتئاب عميق، لكنها دفعت ثمنا مركبا، إذ طلقها زوجها بعد 4 شهور فقط على انتهاء الحرب بسبب إصابتها.
قدر إسراء أنها كانت تعيش في مدينة رفح مع زوجها وأولادها مثل كل زوجة وأم في العالم، قبل أن تتعرض المدينة إلى قصف عشوائي في الحرب الأخيرة على قطاع غزة في صيف 2014، لتتحول حياتها إلى جحيم. صحيح أنها نجت وعائلتها، لكن دفعت ثمنا باهظا غير كل حياتها لاحقا. طلقها زوجها الذي أصيب أيضا، وأخذ معه ابنها شريف الذي فقد ساقه اليسرى، وابنتها عبير التي تعرضت لحروق وتركها وحيدة من دون قدمين تساعدانها في الحياة.
وقالت النملة لـ«الشرق الأوسط»، إنها انهارت نفسيا وعصبيا آنذاك ما يؤثر على أي تقدم في علاجها.
وأضافت: «ما زلت أعيش في حالة نفسية متردية للغاية، صورتي السابقة وصورة أبنائي لا تفارقني».
وتابعت: «اشتياقي الشديد لأطفالي يقتلني».
وبنبرة شديدة الحزن والتأثر والانكسار، تصف النملة حالها بالقول: «كل شيء راح مني، حياتي وحلمي ومستقبلي، مش قادرة أمارس حياتي الطبيعية مش قادرة استغنى عن أولادي، الاحتلال حرمني الحياة الطبيعية وزوجي حرمني أولادي».
وبحسب ما قالت، لم ينظر زوجها لها كضحية للمحتل وإنما كامرأة لن تستطيع القيام بواجباتها المنزلية تجاه أطفالها.
وجاء في إحصائية لمركز الميزان لحقوق الإنسان، أن (316) سيدة قتلن منذ عام 2012 على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة فقط، كما جرحت (1498) سيدة، بينهن (600) سيدة تعرضن للإجهاض. وينطبق هذا الواقع بشكل أقل حدة على الضفة الغربية كذلك.
وفي الانتفاضة الحالية فقط، منذ الأول من أكتوبر (تشرين الأول) 2015، قتلت إسرائيل 8 نسوة، بينهن فتيات، واعتقلت 118. ولم تنس ملاك الخطيب (15 عاما)، تجربة الاعتقال أبدا. وبعد عام واحد على التجربة القاسية، ما زالت الفتاة التي كانت وقت اعتقالها أصغر أسيرة فلسطينية، تتذكر لحظات الخوف والقلق بعدما اختطفها جنود إسرائيليون من أمام مدرستها قبل أن يحولوها لتحقيق قاس تعرضت معه للضرب والإهانة.
وقالت ملاك إنهم حولوها منذ ذلك الوقت إلى فتاة كبيرة غادرت مربع أحلامها المتواضعة إلى مهمة أخرى متعلقة بكيف تفضح الاحتلال وتدافع عن حقوق الأسرى. تستخدم ملاك كلمات أكبر من عمرها في وصف الظلم وكيفية مواجهته بالتعليم. ويتضح إلى أي حد أثرت التجربة الصغيرة التي استمرت 45 يوما في طريقة حياتها.
إنها التجربة التي قادت ناريمان التميمي، العام الماضي، إلى مهاجمة جندي إسرائيل على الملأ لأول مرة وبشراسة غير مسبوقة لإنقاذ طفلها من بين يديه. ناريمان التي أصبحت حديث الفلسطينيين لوقت طويل روت لـ«الشرق الأوسط»، كيف لم تسلم من 5 اعتقالات سابقة وإصابة بالرصاص الحي جعلتها أكثر تجربة وخبرة وجرأة في التعامل مع المحتلين. في فبراير (شباط) الماضي ضربت ناريمان الجندي وضربها، عضته في يده وعضها كذلك. لم تنم آنذاك خشية أن يعود الجنود للانتقام من ابنها.
واليوم لا يتبدد هذا القلق لديها على مصير أبنائها الذين بدوا متأثرين جدا من تجارب والدتهم.
وقال الباحث الميداني والحقوقي محمد سرور، إن النساء في فلسطين بشكل عام يتعرضن لضغوط نفسية كبيرة جراء الكثير من العوامل، أبرزها وجود الاحتلال واعتداءاته المتكررة بحق السكان في الضفة وغزة.
ويرى سرور إلى أن الفلسطينيات يعانين ظروف حياتية صعبة جراء استهدافهن بشكل مباشر من قبل الاحتلال ما يؤثر على أدوارهن الطبيعية.
وقال تقرير موسع إن النساء هن الفئة الأكثر تضررًا نتيجة هدم المنازل، وإنهن يتكبدن أعباءً اجتماعية إضافية نتيجة هدم المنازل، وإن النساء يضطررن للبحث عن عمل بعد هدم المنازل، كما أن نسبة المشاكل الزوجية ترتفع بعد هدم المنازل، وأنهن يتأثرن من عدم الحصول على الخدمات الأساسية، ويتكمن دون معاناة يومية للحصول على هذه الخدمات، نتيجة اضطرارهن للمرور عبر نقاط التفتيش الإسرائيلية، كما تضطر الكثير من الأسر لإجبار بناتهن على ترك المدارس وهن في السادسة عشر من عمرهن، نتيجة المضايقات على حواجز التفتيش الخاصة بمنطقة التماس.
وقال التقرير إن إجراء لم الشمل يختزل حق الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم وحقهم في حياة أسرية طبيعية، في كونه مشكلة أفراد، والمرأة أكبر المتضررين منه. ووصف كل الإجراءات الإسرائيلية التي أدت للتشتيت، وعلى رأسها قانون 2003 الخاص بالمواطنة والدخول إلى إسرائيل، بأنها تنتهك حق الفلسطينيين في حياة أسرية، وتعبر عن سياسات عنصرية تستهدف الفلسطينيين، ويجب إلغاؤها.
كما يؤكد التقرير أن للفلسطينيين كشعب، حق اختيار مكان إقامتهم داخل الإقليم المحتل، من دون أي مضايقات. كما أن للفلسطينيين الذين أجبروا على ترك بيوتهم جراء النكبة، الحق في اختيار مكان إقامتهم داخل فلسطين الانتدابية، والالتئام بأسرهم-ن أينما كانت على هذه البقعة الجغرافية، وهذا مستمد من حقهم في العودة. كما أن للفلسطينيين والفلسطينيات الذين أجبروا على ترك الضفة الغربية وقطاع غزة، حق العودة والالتئام بأسرهم إن اختاروا ذلك.
ورغم أن للمرأة الفلسطينية التي تشكل نصف المجتمع تقريبا تاريخ حافل في المشاركة في المواجهة والحياة السياسية، لكن ذلك لم يمنع أن تعاني من اضطهاد رجولي كذلك مثلما حدث مع النملة.
وجاء في دراسة للمركز الوطني الفلسطيني، أن المرأة الفلسطينية تحديدا تعاني من اضطهاد مزدوج: قومي بسبب الاحتلال الإسرائيلي؛ وجنسي موروث من التقاليد العربية، يقوم على التمييز بين الجنسين.
وقالت وزارة الإعلام في بيان أمس، إن «الفلسطينيات أبدعن في التصدي للاحتلال وعدوانه»، وينبغي أن «يتحررن من ثقافة التمييز السوداء، التي تأسرهن في صور نمطية بائسة تُسقط عنهن أدنى الحقوق، وترجعهن إلى عصور الظلام».
وحثّت الوزارة وسائل الإعلام على اعتبار القضايا النسوية شأنا عاما للمجتمع، وليس خبرا عابرا، بعيدا عن التنميط والترويج والاستغلال، ما يستدعي مراجعة الخطاب الإعلامي، وصولاً لصورة ناصعة تمنح المرأة حقوقها وتضعها في سياقها الإنساني والإبداعي والنضالي.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».