سعودية تستثمر 2.9 مليون دولار لتعليم الفتيات تصميم الأزياء

الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان: نسعى لشراكة تضمن تألق المصممات السعوديات عالميا

سعودية تستثمر 2.9 مليون دولار لتعليم الفتيات تصميم الأزياء
TT

سعودية تستثمر 2.9 مليون دولار لتعليم الفتيات تصميم الأزياء

سعودية تستثمر 2.9 مليون دولار لتعليم الفتيات تصميم الأزياء

يعد تصميم الأزياء إحدى الصناعات الأكثر تطورا في السعودية، لا سيما في مجال تصميم أزياء السهرة (السواريه) ومتاجر عرض الأزياء الراقية «الهوت كوتور» للاهتمام الكبير من السيدات السعوديات باقتناء أجمل وأفضل التصاميم السنوية والمتجددة من جانب، والرغبة في التميز من جانب آخر.
الدكتورة وفاء الرشيد، الرئيسة التنفيذية لمعهد «رافلز» بالشرق الأوسط، بدأت العمل على فكرة معهد أكاديمي لتعليم تصميم الأزياء بعد رحلة طويلة في العمل خلال 23 سنة، عملت فيها كمستشارة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، واليونيسكو، إلى أن جاء الوقت الأهم أن تبدأ فيه في العمل بما يدعم المرأة السعودية. تقول الدكتورة وفاء «أقصر طريق لتأهيل المرأة هو دعمها اقتصاديا، والمرأة لن تنجز ما لم تتسلح بالعلم والكفاءات الحقيقية، والطموح. وبسبب الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها المرأة اليوم من المهم أن تصبح مؤهلة ومتمكنة اقتصاديا بما تبدع فيه».
وتستطرد الدكتورة الرشيد في حديثها عن المعهد «عملت على هذا المشروع التعليمي مع فريق سعودي ما يقارب سنتين ونصف السنة، ليصبح معهدا نسائيا متخصصا في تصميم الأزياء بشراكة بين جهتين سعودية وأجنبية تحت إشراف المؤسسة العامة للتدريب المهني والتقني، واخترنا مكانه في مدينة الرياض وصممناه بشكل فني ينمي الإبداع لدى المتدربات، وبشراكة مع المعهد تقدر بـ50 في المائة».
ويدرس المعهد تخصصين، أحدهما يعزز مهنية مصممة الأزياء العملية والاقتصادية، وقسم لتعليم الخياطة والنسيج، لتحصل الطالبات في نهاية الرحلة الدراسية الممتدة على مدار سنتين على شهادة الدبلوم العالي في أحد التخصصين. ويستقبل المعهد في سنته الأولى بحد أقصى 25 طالبة، ويتوقع القائمون على أعمال المعهد البدء بـ6 إلى 10 طالبات.
ومن جانب اقتصادي، استثمر في المعهد أكثر من 11 مليون ريال (2.9 مليون دولار أميركي)، ويتوقع أن تغطى التكاليف خلال خمس سنوات من بدء التشغيل الفعلي للمعهد. وتختتم الدكتورة وفاء الرشيد بقولها «نحن نعطي الفرصة حتى للمبدعات في المجال لتطوير أنفسهن، ونسعى كهدف أساسي إلى تغيير فكر فني كامل حول العمل في مجال تصميم الأزياء بالسعودية».
وتكفلت الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان، الرئيسة التنفيذية لشركة «ألفا الدولية»، بتكاليف ابتعاث الطالبات الخمس الأوليات من الدفعة الأولى لاستكمال دراستهن في معاهد «رافلز» خارج السعودية للحصول على شهادة البكالوريوس، وفقا للشراكة بينها وبين معهد «رافلز» بالشرق الأوسط.
وخلال المؤتمر الصحافي الخاص بانطلاق المعهد، ذكرت الأميرة ريما لـ«الشرق الأوسط» أن طالبات المعهد سيطبقن ما تعلمنه على أرض الواقع في متجر «هارفي نيكلز» بالرياض، في تصميم ديكورات المتجر على طراز عالمي، وتوطين الوظائف الخاصة بتصميم الأزياء خلال بداية مواسم الصيف والشتاء، والمواسم المحلية كرمضان والعيدين. وأضافت الأميرة ريما «هدفنا دعم رائدات الأعمال، والتشجيع على توظيف السعوديات في مجال تصميم الأزياء، وتأهيلهن بشكل يوازي أحلام المصممات، في المنافسة محليا ليتألقن عالميا، ويصنعن أسماء سعودية في عواصم الموضة العالمية».
وكمعهد عالمي، فإن العاملين فيه يتقيدون بالقوانين الأكاديمية للمعهد الرسمي بسنغافورة. وتحدثت عن هذا الجانب هلا حلواني، مديرة المعهد لـ«الشرق الأوسط»: «إدارتي للأكاديمية جاءت من خلفية إدارية وليست عن طريق التخصص في مجال الأزياء والتصميم. وأستطيع القول إننا محكومون بقوانين أكاديمية (رافلز) العريقة، وقبلنا المعايير التي تسمح بإنشاء المعهد محليا على الرغم من صرامتها، فهي تشبه في ذلك النظام البريطاني، فالمناهج مراقبة والمعلمون وعدد الساعات جميعها مقننة، والشهادات الممنوحة للدبلوم العالي، وكذلك معايير تقييم الطالبة». وأضافت «ندرس حاليا إمكانية تقديم دورات قصيرة بالمعهد للراغبات في تطوير مهارات معينة بمجال تصميم الأزياء».
وعلى الرغم من الإقبال المرتفع على الأزياء في السعودية فإنها ما زالت تخطو بخطى متثاقلة نحو تميزها خارج السعودية، فعروض الأزياء المصممة بأياد سعودية تقام بشكل خجول محليا ضمن أروقة المعارض النسائية أو ما يصطلح على تسميتها محليا «بازارات»، التي تقام لجمع المصممات في أركان لعرض أحدث تصاميمهن السنوية بشكل وقتي، دون وجود أجندة فعاليات ثابتة تقام سنويا لاستقطاب رواد تصميم الأزياء السعوديين وتشجيع المصممين المغمورين.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)