الصين تمنع إقامة مبانٍ ذات تصاميم تتناقض مع التراث المحلي

كالبيت الأبيض وأقواس النصر وبرج إيفل الباريسي

مرسوم يحظر تشييد المباني الضخمة   -  برج إيفل في الصين
مرسوم يحظر تشييد المباني الضخمة - برج إيفل في الصين
TT

الصين تمنع إقامة مبانٍ ذات تصاميم تتناقض مع التراث المحلي

مرسوم يحظر تشييد المباني الضخمة   -  برج إيفل في الصين
مرسوم يحظر تشييد المباني الضخمة - برج إيفل في الصين

في الصين على الأقل عشرة نماذج تحاكي البيت الأبيض الأميركي، وثلاثة أقواس نصر وبرج إيفل الباريسي، غير أن عام 2016 قد يشهد نهاية لمثل تلك الأبنية الفخمة. فقد أصدر مجلس الدولة الصيني، ومجلس الوزراء، واللجنة المركزية للحزب الشيوعي مرسوما يحظر تشييد المباني «الضخمة، أو تلك التي تحاكي طرزا أجنبية أو غريبة الشكل» التي تتناقض مع التراث المحلي، وشدد القرار على أن تكون الأبنية «مناسبة، اقتصادية، خضراء اللون وسارة للعين». ودعا المرسوم كذلك إلى التوقف عن بناء تجمعات منعزلة.
صدرت القرارات بعد شهرين من انعقاد اجتماع رفيع المستوى خصص للنظر في بعض المشكلات التي ظهرت نتيجة للتوسع الحضري الهائل في الصين في السنوات الأخيرة. وكان آخر اجتماع عقد لهذا الغرض عام 1978 عندما بلغ نسبة الصينيين الذين يعيشون في المدن 18 في المائة فقط، غير أن النسبة ارتفعت الآن لتبلغ 56 في المائة من إجمالي السكان البالغ عددهم 1.3 مليار نسمة.
وتأتي التعليمات الجديدة استجابة للانتقادات التي أثارها الرئيس الصيني شي بينغ عام 2014 بخصوص «التصميمات العمرانية الغريبة».
بحسب الخبراء، فإنه بناء على التعليمات التي صدرت من كبار القادة، فإنهم يتوقعون مواصفات محددة في المباني العامة. وصرح وانغ كاي، نائب مدير الأكاديمية الصينية للتخطيط والتصميم العمراني، بأن ملاءمة تصميم المبنى للغرض الذي بني من أجله هو ما يجب أن يوضع في الاعتبار، مضيفا «لا يجب أن ننساق وراء المظهر فقط». وكان الرئيس شي صرح في 15 أكتوبر (تشرين الأول) 2014 أثناء ندوة عن التراث بأنه لن تكون هناك «مبان غريبة الطراز بعد الآن». وتوقعت صحيفة «بيبولز ديلي» الناطقة عن الحزب الشيوعي أنه من غير المرجح أن تشهد بكين في المستقبل مزيدا من المباني غريبة الطراز مثل مبنى «السروال العملاق»، المقر الضخم للتلفزيون الحكومي الصيني الذي صممه «ريم كولهاس» و«أول شيرين».
وبحسب فينغ غوشان، مهندس معماري من شينزان، فإن نصيحة الرئيس شي بالفعل دفعت الحكومة المركزية لإصدار قرارات حول شكل المشروعات الجديدة، مضيفا «بصفة عامة فإن الحكومة باتت تأخذ منحى جديدا للالتزام بالتصميمات التقليدية الأكثر تحفظا».
وفى مقابلة شخصية مع مجلة «ديزين»، قال باتريك شوماخر، مدير شركة زهاديد اركتكت، إن الوضع بات صعبا أمام إمكانية عمل المهندسين المعماريين الأجانب في الصين. وكان مهندسو شركة زهاديد قد صمموا بالفعل عددا من النماذج للمشروعات السكنية والمكتبية للتنفيذ في العاصمة بكين في المستقبل. «أشعر أن القيادة الصينية تحاول أن تبدو أكثر استقلالية باعتمادها على كفاءتها الذاتية»، هكذا قال شوماخر لمجلة «ديزين».
وقال فنغ إن ما يقلقه هو أن الرئيس شي يتدخل في أمور يجب أن يتركها لإدارة التخطيط الحضري. غير أن وانغ صرح بأن «التقيد بتلك المواصفات سوف يكون فقط في المباني الحكومية، لكن فيما يخص المنازل والمتاجر ذات الملكية الخاصة فسوف يكون هناك هامش للإبداع».
غير أن التعليمات الجديدة نصت على أنه لن يكون هناك تجمعات منعزلة جديدة بعد الآن، وسوف يجرى فتح التجمعات التي بنيت بالفعل أمام عامة الناس تدريجيا، وسوف تفتح طرقها أمام جميع السيارات، والهدف من ذلك الإجراء هو منع التكدس. وكانت الصين قد شرعت في بناء تجمعات منعزلة تحوي شققا سكنية في حقبة التسعينات عندما فتحت الصين سوق العقارات الخاصة للمرة الأولى.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».