الحراك السوري يستعيد زخمه الأول بالمظاهرات السلمية مستفيدًا من اتفاق الهدنة

طالبت بإسقاط النظام وخروج القوات الروسية وفك الحصار عن المناطق المحاصرة

مئات السوريين يتظاهرون سلميا في مدينة حلب أمس (أ.ف.ب)
مئات السوريين يتظاهرون سلميا في مدينة حلب أمس (أ.ف.ب)
TT

الحراك السوري يستعيد زخمه الأول بالمظاهرات السلمية مستفيدًا من اتفاق الهدنة

مئات السوريين يتظاهرون سلميا في مدينة حلب أمس (أ.ف.ب)
مئات السوريين يتظاهرون سلميا في مدينة حلب أمس (أ.ف.ب)

استعادت المدن السورية الخاضعة لسيطرة المعارضة أمس، مشهد المظاهرات السلمية التي غابت عنها من أكثر من ثلاث سنوات، حيث عمّت المظاهرات عدة، مدن منها حلب وأعزاز بمحافظة حلب، وسراقب في محافظة إدلب، وتلبيسة في محافظة حمص، ودوما في الغوطة الشرقية التابعة لريف لدمشق، ودرعا في محافظة درعا بأقصى الجنوب السوري، مطالبة بإسقاط النظام ورئيسه بشار الأسد، وانسحاب القوات الروسية والميليشيات التي تقاتل إلى جانبه.
المظاهرات السلمية تجددت في المدن السورية في اليوم السابع لاتفاق «وقف الأعمال العدائية» الذي توصلت إليه روسيا والولايات المتحدة الأميركية، ما ساهم في تقلّص معدل القصف والأعمال الحربية إلى مستويات كبيرة، وهذا رغم الخروق للاتفاق. ومثّلت هذه المظاهرات فرصة لتأكيد المعارضة السورية أن حراكها «سلميّ» و«الثورة مستمرة كما بدأت في أيامها الأولى»، كما قال معارضون سوريون، مؤكدين في الوقت نفسه أن «الثورة ليست إرهابية وغير متشددة كما حاول النظام تصويرها»، وأن المظاهرات «تمثل رسالة للمجتمع الدولي بأن مطالب إسقاط النظام لا تزال قائمة كما كانت منذ اللحظة الأولى» في 15 مارس (آذار) 2011.
عضو «الائتلاف الوطني» السوري خالد الناصر، قال لـ«الشرق الأوسط» إن المشهد الذي ظهرت فيه المدن السورية أمس «دليل على أن الثورة مستمرة، والسلمية هي وجهها الحقيقي»، مشيرًا إلى أن «الثورة تحظى بشعبية شاملة ولا تزال عند مطالبها الأولى رغم كل المآسي والتضحيات والشهداء والتهجير الذي تعرض له الشعب السوري خلال خمس سنوات». وفي الاتجاه نفسه، قال المستشار القانوني للجيش السوري الحر أسامة أبو زيد إن «الرسالة من خروج عشرات الآلاف في مظاهرات سلمية في سوريا، واضحة جدًا، وتؤكد أن القصف والقتل كان السبب الوحيد الذي يخفي مظاهر الثورة من الشارع». وشدد أبو زيد في حديث لـ«الشرق الأوسط» على أن المشهد الحالي «يؤكد أن ما يحصل ليس بين معارضة تسعى للسلطة ونظام متمسك بها، بل إنها ثورة شعبية، والثورة مستمرة، وغابت مظاهرها قسرًا بسبب سياسة التدمير التي سُمح للنظام بأن يتبعها»، مؤكدًا أن «السلمية هي المظهر الأكبر لثورة السوريين منذ خرجوا ضد النظام مطالبين بإسقاطه».
من ناحية ثانية، خرجت المظاهرات في المدن الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، عقب صلاة الجمعة أمس، لكنها غابت عن المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش وكذلك مناطق نفوذ «جبهة النصرة». ورفعت 7 مطالب في المظاهرات، كان أعلن عنها كبير المفاوضين السوريين المعارضين القيادي محمد علوش، وتتمثل في «إسقاط نظام الأسد»، و«فك الحصار عن جميع المدن والقرى والمناطق المحاصرة»، و«إدخال المساعدات الإنسانية بالكميات الكافية»، و«إخراج جميع المعتقلات والمعتقلين»، و«طرد القوات الإيرانية والميليشيات الشيعية الإرهابية الطائفية من سوريا»، و«عودة اللاجئين والمهجرين والنازحين. وإصلاح الخريطة الديموغرافية كما كانت من قبل»، و«خروج القوات الروسية من البلاد».
وبثت «لجان التنسيق المحلية» صورًا من المظاهرات من مدينة تلبيسة وحي الوعر في مدينة حمص، وحي الحديد في حلب، وبلدة الجيزة في ريف درعا الشمالي، واليادودة في ريفها الغربي، ومدينة دوما في ريف دمشق، ومعرة النعمان في ريف إدلب. كما بثت صفحة «الثورة السورية» صورًا من جنوب دمشق، تظهر لافتات رفعت تطالب بإسقاط النظام.
وكان لافتًا خروج المظاهرات في أول يوم جمعة بعد دخول اتفاق وقف الأعمال العدائية حيز التنفيذ. وهو دفع الصالح للقول إن تلك المظاهرات «تعتبر من إيجابيات اتفاق الهدنة» وهي «دليل على أن الشعب السوري يريد فسحة من الأمان ليعبر عن نفسه ووجه الحقيقي وإعادة التذكير بالمطالب الحقيقية لثورته». ورأى أنه «إذا أتيحت له الإمكانات والظروف، سيواظب على الخروج السلمي في المظاهرات»، قائلاً: «لهذا السبب النظام لا يريد الهدنة، ويستمر في القتال ليمنع صورة الثورة وصوت الشعب من الظهور».
هذا المشهد اختفى خلال السنوات الثلاث الماضية، واقتصر خلالها على مدينة كفرنبل في محافظة إدلب، وذلك في ظل العمليات الحربية التي كانت تشهدها المناطق السورية. وأكد أبو زيد أن السوريين كانوا ممنوعين من المظاهرات السلمية «بسبب 100 برميل متفجر كانت تسقط يوميًا حلب، و60 برميلاً على داريا، ومثلهم على درعا، و30 غارة جوية على الغوطة الشرقية في دمشق، فضلاً عن الغارات الروسية على اللاذقية والقصف المدفعي في كل المناطق»، مشيرًا إلى أنه «بمجرد أن حققت الهدنة 70 في المائة من الأمان، رجع الناس إلى الشارع، وهو تأكيد بأنه لو كان هناك حظرًا جزيًا، لكانت الناس مقيمة في الشارع ولا تفارقه».
وقال أبو زيد: «خرجت المظاهرات أمس في دوما، رغم الغارات التي تعرضت لها، لكان الناس تشعر أن هناك حدًا أدنى من الأمان الذي يتيح لها الخروج لتجديد مطالبها بإسقاط النظام». ولفت إلى أن «قائد أحرار الشام شارك في المظاهرات في مدينة أعزاز التي كانت تتعرض لقصف مدفعي وصاروخي بالصواريخ الباليستية والغارات الجوية الروسية وهجمات ميليشيا (قوات سوريا الديمقراطية) وتنظيم داعش»، مشددًا على أن «الرسالة الأسمى والأوضح كانت أن الثورة بعد 5 سنوات من التهجير والقتل، أثبتت أن الثورة أقوى من الجميع، وأقوى من المسلحين على مختلف أطيافهم، وأقوى من الفصائل العسكرية». وأضاف: «أمام هذا المشهد، على المجتمع الدولي أن يتخذ قرارًا شجاعًا بدعم الثوار الذين اختاروا الحكم الديمقراطي، ويتوقف عن منح النظام المزيد من الفرص التي ستضاعف الأزمة، وتنقل التوترات الأمنية إلى الدول المحيطة، وتزيد موجة اللجوء إلى أوروبا وتكبر فاتورة الدم في سوريا»، مشددًا على أن إمعان النظام بالقتل «لن يقضي على الثورة».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.