«شي فايتر» تقلب الموازين وتنهي حكر الفنون القتالية على الرجال

أول مبادرة في الأردن لتدريب النساء أساليب الدفاع عن النفس

مؤسسة «شي فايتر» لينا خليفة تعلم مجموعة من الفتيات مهارات الدفاع عن النفس في مقر المركز بالعاصمة الأردنية (أ.ف.ب)
مؤسسة «شي فايتر» لينا خليفة تعلم مجموعة من الفتيات مهارات الدفاع عن النفس في مقر المركز بالعاصمة الأردنية (أ.ف.ب)
TT

«شي فايتر» تقلب الموازين وتنهي حكر الفنون القتالية على الرجال

مؤسسة «شي فايتر» لينا خليفة تعلم مجموعة من الفتيات مهارات الدفاع عن النفس في مقر المركز بالعاصمة الأردنية (أ.ف.ب)
مؤسسة «شي فايتر» لينا خليفة تعلم مجموعة من الفتيات مهارات الدفاع عن النفس في مقر المركز بالعاصمة الأردنية (أ.ف.ب)

لم تعد الفنون القتالية حكرًا على الرجل، فعلى الرغم من أنّ الكثيرين ما يزالون يعتبرونها «ذكورية» إلا أن «شي فايتر» (المقاتلة) قلبت المقاييس وفتحت المجال للمرأة لتعلم المهارات الجسدية لتحصّن نفسها من أي اعتداء قد تتعرض له. وفي أول مدرسة لرياضة تمزج التايكواندو بالملاكمة مخصصة للنساء وتجذب الشابات الراغبات في حماية أنفسهن والهروب من الضغوط الاجتماعية، في غرب العاصمة الأردنية عمان، وفي قاعة كبيرة مجهزة بأحدث المعدات، تعلو وجوه النساء والبنات ابتسامة عريضة، قبل أن يبدأن بالصراخ وهن يوجهن اللكمات القوية يمينا وشمالا.
أسست لينا خليفة، الخبيرة بمجال الدفاع عن النفس وإحدى مناصرات تمكين المرأة، مؤسسة «شي فايتر» قبل أربع سنوات لتعليم المرأة أساليب الدفاع عن النفس ومواجهة العنف المنزلي والتحرش. حيث ألهمها تعرض إحدى صديقاتها للضرب بشدة على يد والدها وشقيقها. وعندما شاهدتها وهي تتعرض للضرب، أرادت أن تعلمها وغيرها من ال نساء كيف تكون قوية وتحمي نفسها من مثل هذه الأفعال.
وقالت لينا خليفة الحاصلة على عشرين ميدالية ذهبية مع منتخب الأردن بالتايكواندو في حديث مع «الشرق الأوسط» إن «أهمية مشروع (شي فايتر) هي بناء ثقة النفس للمرأة بمختلف الأعمار وتقوية بنيتهن الجسدية والنفسية وتدريبهن على أساليب الدفاع عن النفس في حال تعرضهن لموقف خطير». وأضافت أن ذلك يتم من خلال «محاضرات وحصص تدريبية لمختلف الأعمار مع تركيز خاص على المراهقات وطالبات الجامعة لأنها أكبر نسبة تتعرض للمضايقات والتحرش ومعظم الفتيات تتكتم عن ذلك ولا تعرف معظمهن حقوقها». كما أشارت إلى مبادرات تستهدف الإناث الأقل حظا في الأردن إلى جانب اللاجئين أيضا.
وحول دخول «شي فايتر» عامها الرابع منذ انطلاقها قالت خليفة: «شهدنا خلال مسيرتنا تطورا وانفتاحا وازديادا للوعي بين الفتيات وذويهن حول أهمية فنون القتال في حياة البنت». وأضافت «كما تحسنت نظرة المجتمع للفكرة وبتنا نلاقي ترحيبا وإيجابية ولم نعد نواجه الضغوطات النفسية والاجتماعية التي كنا نواجهها عند بدء المشروع مع ازدياد الوعي حول أهمية الرياضة للمرأة في الأردن».
وتشمل دورات التدريب أربعة مستويات مختلفة تمتد من شهرين إلى ثلاثة أشهر بواقع ثلاث ساعات أسبوعيا وتمزج رياضات التايكواندو والملاكمة وأساليب للدفاع عن النفس. وتقوم الرياضة على التخلص من قبضة أحدهم بسرعة فائقة، وتوجيه ضربة للمهاجم مع ما يقتضيه ذلك من خفة وليونة وقوة تركيز وسرعة بديهة.
ومنذ افتتاح «شي فايتر» الوحيد من نوعه في الأردن، دربت خليفة وطاقمها أكثر من ألفي امرأة وشابة وطفلة تراوحت أعمارهن بين أربع سنوات و75 عاما، بالإضافة إلى نحو 12 ألف امرأة أخرى بالتعاون مع المنظمات الدولية غير الحكومية كتدريب اللاجئات السوريات وعاملات المنازل القادمات من بنغلاديش وسريلانكا وغيرها من الدول. وعن ذلك قالت خليفة إن «العمر والوزن والحجاب ليست عوائق أبدا لممارسة هذه الرياضة وباب (شي فايتر) مفتوح لجميع النساء والبنات لأن الهدف هو تمكين المرأة في المجتمع».
وتمتد المبادرة لمختلف من الدول العربية إذ توفر «شي فايتر» دورات تدريب لفنون القتال والدفاع عن النفس للمدربات بمختلف الدول العربية. إذ تؤكد خليفة: «لدينا حاليا نحو 50 مدربة في الأردن، كما نأمل نشر رسالتنا تحت اسم المشروع لدول أخرى في المستقبل القريب».
وفي يوم المرأة العالمي الذي يصادف 8 من مارس (آذار) الحالي، ستقوم «شي فايتر» بالاحتفال من خلال فعالية ستستمر على مدار يوم كامل ستحضرها الفتيات والنساء من مختلف الأعمار والجنسيات. وقالت خليفة: «سنتحدث عن ظاهرة العنف ضد المرأة في العالم وسبل الحد منها. كما سنعطي محاضرات وجلسات تدريبية لهن حول التعامل مع التحرش في الشارع وكيفية الدفاع عن النفس في تلك المواقف. وسنستضيف محاميا ليطلع الحضور على حقوق المرأة في الأردن».
يذكر أنه في يوم المرأة السنة الماضية قامت «شي فايتر» بالمشاركة في البرلمان الأوروبي ومقره بروكسل حيث تكلمت خليفة باسم (المقاتلة) عن العنف ضد المرأة.
وفي مشوارها المثمر حازت خليفة على تكريم من الأمم المتحدة على عملها. كما استقبلها الرئيس الأميركي باراك أوباما في مايو (أيار) الماضي إلى جانب عدد من «قادة التغيير الاجتماعي» كما سماهم في البيت الأبيض. وتلقت خليفة دعوات لإلقاء المحاضرات في الكثير من الدول الأوروبية.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».