قرار اعتزال شيرين عبد الوهاب يشغل أهل الفن ومطالب بتراجعها عنه

مدير أعمالها السابق أيمن نابوليون: تعيش من أجل الغناء وعودتها ممكنة

قرار اعتزال شيرين عبد الوهاب يشغل أهل الفن ومطالب بتراجعها عنه
TT

قرار اعتزال شيرين عبد الوهاب يشغل أهل الفن ومطالب بتراجعها عنه

قرار اعتزال شيرين عبد الوهاب يشغل أهل الفن ومطالب بتراجعها عنه

قال أيمن نابوليون، المدير السابق لأعمال المطربة شيرين عبد الوهاب، إنه وحسب اعتقاده شيرين عائدة إلى الساحة الغنائية لا محالة. وأضاف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لا بد ستتراجع، فشيرين تعيش من أجل الغناء، ولا أعتقد أن محبيها سيتركونها تأخذ قرارًا من هذا النوع».
وكانت المطربة المصرية قد أعلنت مؤخرا قرار اعتزالها، من خلال رسالة إلكترونية مسجّلة تركتها على الهاتف المحمول لربيع هنيدي، رئيس قسم الفن في مجلة عربية (زهرة الخليج). وجاء في هذه الرسالة ما مفاده أنها قررت اعتزال الفن وأن قرارها هذا لا عودة عنه.
ونشر هنيدي الرسالة الصوتية على صفحته الإلكترونية (إنستاغرام) وقد كتب: «من الصديقة الغالية شيرين عبد الوهاب التي حمّلتني هذه الأمانة وطلبت منّي نشرها عبر حسابي».
وتصدّر الخبر نشرات الأخبار التلفزيونية في لبنان والعالم العربي، إذ تمّ تخصيص مساحة لا يستهان بها من أخبارها المتفرقة، كما عملت بعض تلك النشرات على الربط ما بين قرارها هذا وصداقتها مع فضل شاكر. وكانت شيرين قد توجّهت إلى جمهورها في أحد حفلاتها الغنائية الأخيرة بإيصال سلام منه إليهم. وعن هذا الموضوع علّق أيمن نابوليون بالقول وفي سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «الموضوع لا علاقة له نهائيا بفضل شاكر، وأعتقد أنها تعاني من ضغوطات نفسية قوية دفعتها إلى اتخاذ هذا القرار، وعلى كل حال فضل يتمنى أن يعود إلى الساحة الغنائية وليس العكس».
والمعروف أن أيمن نابوليون كان مدير أعمال لشيرين عبد الوهاب لمدة طويلة، وواكب نجاحاتها الأخيرة فكان خير رفيق لدربها هذا. إلا أنه وحسب ما ذكره لنا «انسحب من عمله هذا منذ نحو العشرة أيام لأسباب تتعلّق بحياته الشخصية، فكان فراقا هادئا بعيدا كل البعد عن أي مشكلات أو زعل حصل بينهما كما أكد لنا».
وفور إعلان خبر اعتزال شيرين الغناء، انشغلت مواقع التواصل الاجتماعي به وأفردت تعليقات واسعة عنه، كان أهمها تلك التي كتبها أهل الفن أنفسهم، مطالبينها بالعودة عن قرارها هذا الذي شكّل صدمة لهم.
فمن جانبه، كتب عاصي الحلاني عبر حسابه على صفحة «تويتر» متوجهًا إليها: «شيرين الغالية نحن بانتظارك حتى تعودي عن قرارك اعتزال الفن.. لأن الفن الحقيقي بأمس الحاجة لصوتك وإحساسك». فيما طالبها صابر الرباعي بألا تمشي وتترك الفن قائلا: «لأ يا شيرين مش إنتِ يللي تمشي وتسيب الفنّ وهو بأمسّ الحاجة لإحساسك العالي.. مش إنتِ يللي تديري ظهرك للفن الراقي ولمحبة الناس يللي غنيتي فرحهم وأحزانهم. شيرين أنت كتلة من المشاعر ونحنا حاسين بيك وبانتظارك للعودة عن هذا القرار». أما الفنانة اللبنانية إليسا فعلّقت أيضا عبر حسابها على موقع «تويتر» تقول: «في حال كان خبر اعتزالك صحيحا فلن نقبل به، شيرين عبد الوهاب هي إضافة لصناعة الموسيقى ونحتاجها في الوقت الراهن». أما الفنانة الإماراتية أحلام والتي تعدّ واحدة من المقرّبين منها، فعلّقت على قرار شيرين بالقول: «شيرين عبد الوهاب إن اعتزلت الفن فإن الفن لن يعتزلك أنا شخصيًا في انتظارك وقريبًا». ولم تتوان الفنانة نوال الزغبي من توجيه كلمة مقتضبة لزميلتها التي تربطها بها صداقة قوية، تجلّت في حلقة «سبيسيال» التي عرضت لها مؤخرا على قناة (إم تي في). فظهرت فيها شيرين تشيد بنوال، ومؤكّدة بأنها تشكّل لها واحدة من أيقونات الفن الأصيل، التي تدفعها إلى البقاء في عالم الغناء والتمثّل بها. فقالت لها: «حبيبتي شيرين أنا مش قادرة أصدّق الخبر.. ارجعي عن قرارك لأن الفن مش حلو بلاكي.. يا أعزّ صديقة كلنا بنحبك».
أما الإعلامي نيشان ديرهاروتونيان فقد كتب يقول: «الغناء غرامها.. فهل اعتزلت الغرام؟ أنا والعسل».
وكانت للكلمة التي وجهّتها إليها نداء شرارة الفائزة بموسم «ذا فويس» من فريق شيرين عبد الوهاب، وقعها على محبّي الفنانة المصرية إذ توجهّت إليها بالقول: «شيء من الضعف تملّكني وأنا أتلقى اتصالا من أحد الصحافيين يسألني فيه عن رأيي حول اعتزال الفنانة شيرين عبد الوهاب الغناء. ومن ثم تكاثرت المكالمات وأنا ما زلت لا أصدق هذا الكلام.. شعرت باليأس والحزن تملك قلبي، وانهمرت بالبكاء.. فهي لم تكن مجرد مدربة. فقد كانت قلبا يحميني ويعطيني بلا حدود، لقد كانت مثلا أعلى وحكاية كفاح وصبر وألم ونجاح، لم أكن تلميذة، بل كنت طفلة تعشق سماع صوت تلك الإنسانة. لمن تركت الساحة؟ سيكون الجو شاحبًا دون شك بدونك، ربما هذا هو وقتك لتغيرين الكثير من مفاهيم الفن، أنت الرقم الصعب الذي يخشاه الجميع. قد تعبت أو ربما قررت العيش بسلام، ولكن إذا قررت ترك مقعدك الآن فاعلمي أنه سيبقى فارغًا».
ويبقى السؤال هل ستعود شيرين عن قرارها هذا نزولا على رغبة محبّيها، فيكون مجرّد زوبعة في فنجان كما يؤكّد البعض؟ أو أنه سيكون قرارا مفصليا في حياتها، هي التي ردّدت في أكثر من إطلالة تلفزيونية لها بأن فكرة الاعتزال ليست بعيدة عنها وبأنها تعبت؟.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)