«إذاعة لبنان» تهدي فيروز أحد أضخم استديوهاتها

«استديو 6» سجل أصوات وديع الصافي وصباح

وزير الاعلام اللبناني رمزي جريج اثناء افتتاحه «استوديو فيروز» في الاذاعة اللبنانية
وزير الاعلام اللبناني رمزي جريج اثناء افتتاحه «استوديو فيروز» في الاذاعة اللبنانية
TT

«إذاعة لبنان» تهدي فيروز أحد أضخم استديوهاتها

وزير الاعلام اللبناني رمزي جريج اثناء افتتاحه «استوديو فيروز» في الاذاعة اللبنانية
وزير الاعلام اللبناني رمزي جريج اثناء افتتاحه «استوديو فيروز» في الاذاعة اللبنانية

«استديو فيروز» هو الاسم الذي دمغ به استوديو 6 في «إذاعة لبنان» الرسمية، بمبادرة من وزير الإعلام اللبناني رمزي جريج والقيمين على هذا الصرح الإعلامي العريق.
ويعدّ هذا الاستديو الذي يتضمن ثلاثة استوديوهات داخلية فيه، هو الأضخم في عالم الصوتيات في لبنان والعالم العربي. وقد شهد تسجيلات لأغاني عمالقة الفن في لبنان أمثال وديع الصافي وزكي ناصيف ونجاح سلام وسعاد محمد ونصري شمس الدين وصباح. ولكن لماذا اختيرت فيروز بين جميع هؤلاء ليحمل هذا الاستوديو اسمها؟ يردّ مدير الإذاعة محمد إبراهيم: «هي أيقونة فنيّة لن تتكرر، وإهداؤها هذا الاستوديو هو أقل ما يمكن تقديمه لسفيرتنا إلى النجوم. وفي مختلف دول العالم يتم تكريم الفنانين من خلال إطلاق أسمائهم على استوديوهات إذاعية وغيرها. ففي مصر هناك استوديوهات تحمل أسماء أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب ورياض السنباطي. ونحن سنكمل هذه المبادرة في المستقبل بحيث سنطلق على واحد من استوديوهاتنا الستة الأخرى اسم عملاق آخر من لبنان».
وأضاف: «بهذه الخطوة نقوم بتخليد موقع استوديو 6 وليس العكس، فالسيدة فيروز ليست بحاجة إلى من يخلّد اسمها كونه محفورا في ذاكرة الجميع».
يعود تاريخ إنشاء «استوديو 6» في الإذاعة اللبنانية إلى نحو الستين سنة، وهو مجهز بتقنية عالية، استوعبت على مدى كلّ تلك السنوات تسجيلات لفرق موسيقية كبيرة رافقت مطربينا منذ ذلك التاريخ حتى اليوم. وتأتي الفرقة الموسيقية الخاصة بإذاعة لبنان الرسمية في مقدّمة تلك الفرق، واللافت في هذا الاستوديو هو احتواؤه على ثلاث غرف عازلة (استوديوهات منفردة)، خصّص بعضها لتسجيل أنواع موسيقى معينة صادرة عن آلات عزف محددة، وهي جميعها مرتبطة بالغرفة الرئيسية لأخذ الصوت «الريجيه» كما هو معروف في عالم الصوتيات.
وعمّا إذا تمّ إعلام السيدة فيروز بهذه الخطوة ووافقت عليها مسبقا أجاب محمد إبراهيم: «طبعا لقد تم إعلامها بالأمر ونلنا موافقتها المسبقة، وقد رحّبت بالموضوع». وتابع: «صحيح أنها لم تحضر حفلة إطلاق اسمها على هذا الاستوديو، وأعتقد أن ذلك يعود لظروفها الخاصة، إلا أن وقع صوتها ما زال يسمع في هذا الممر الطويل وتحتضنه جدران الإذاعة بأكملها مرددة صداه».
وكان قد أقيم حفل إطلاق اسم «استوديو فيروز» في «إذاعة لبنان» بحضور وزير الإعلام رمزي جريج والمدير العام للإذاعة حسّان فلحة ورئيسها محمد إبراهيم.
وألقى الوزير جريج كلمة في المناسبة أكد فيها على ضرورة استعادة إذاعة لبنان دورها الرائد عندما كان الشاعر الراحل سعيد عقل أول العاملين فيها. وقال: «إطلاق اسم (السيدة فيروز) على (الاستوديو 6) في الإذاعة اللبنانية هو أمر مهم خصوصا أن فيروز هي أيقونة في ضمير كل واحد منا، كيف لا وهي سفيرتنا إلى النجوم وجزء مهم جدا من تراثنا الثقافي، وهي العمود السابع من هياكل بعلبك، ونحن نعرب اليوم بهذه المناسبة عن وفائنا وتقديرنا لها».
والمعروف أنه تمّ إنشاء الإذاعة اللبنانية في عام 1938 في عهد رئيس الجمهورية اللبنانية الراحل إميل إده (أيام الانتداب الفرنسي) وكان اسمها يومها «راديو الشرق»، وكانت تبث على الموجة المتوسطة طولها 288.50م بقوة نصف كيلوواط. أما مركزها فكان في مبنى السراي مركز رئاسة الحكومة سابقًا ووزارة الداخلية حاليًا. أما أول مدير إذاعي للقسم العربي فيها فكان ألبير أديب ومعه عين الشاعر الكبير سعيد عقل مذيعًا باللغة العربية.
وفي أبريل (نيسان) من عام 1946 تسلمت الحكومة اللبنانية الإذاعة من الفرنسيين، بموجب بروتوكولات رسمية في عهد الرئيس الشيخ بشارة الخوري، ومن ثم ألحقت بوزارة الأنباء والسياحة تحت اسم «محطة الإذاعة اللبنانية» وعين الأستاذ محمد صبرا مديرًا للدعاية والنشر والإذاعة.
مرّت إذاعة لبنان (الوحيدة الرسمية والمتحدّثة باسم الدولة اللبنانية) بظروف صعبة منذ اندلاع الحرب في لبنان عام 1975، بحيث توقّف بثّها أكثر من مرة. وكان قد تمّ وضع حجرها الأساسي في محلّة الصنائع في من عام 1958، في عهد الرئيس الراحل كميل شيمعون. ويومها تسلّمت شركة (سيمونز) الألمانية تنفيذ مشروع الإذاعة التي تضم إضافة إلى استديوهاتها السبعة، مكتبة تسجيلات قديمة وآلاف الأعمال التسجيلية لمطربين من ناحية ولمسلسلات درامية إذاعية من ناحية ثانية. وهي تتألّف من قسمي بثّ برامج أحدهما بالعربية والثاني بالأجنبية. وبعد اتفاق الطائف في عام 1989، استعادت الإذاعة دورها الإعلامي بعد أن انقطع بثّها لفترة من الوقت، هي التي كانت تعرف باسم (راديو الشرق) لتصبح معروفة اليوم باسم «إذاعة لبنان».
وإضافة إلى الدور الريادي الذي لعبته في عالم الغناء والطرب، إذ كانت تعدّ إحدى المحطات الأساسية التي من خلالها يمكن أن ينطلق اسم مغنّ ما إلى الساحة الفنيّة، فقد شهدت عصرا ذهبيا لمذيعين لبنانيين تركوا بصمتهم في عالم المسموع، أمثال الراحلة إدفيك شيبوب التي عرفت ببرنامج «ما يطلبه المستمعون» في أوائل السبعينات وكانت تلاقي نسبة كبيرة من المستمعين، فشكّلت يومها خبطة في أسلوب التقديم الإذاعي. وكذلك الراحل شريف الأخوي الذي لاقى شهرة واسعة أوائل الحرب اللبنانية، عندما ابتكر برنامجا بعنوان «سالكة وآمنة»، يدلّ فيه المستمعين على الطرقات الآمنة التي يمكنه أن يسلكها دون التعرّض لكمين مسلّح أو انفجارات أو لرصاص قنّاص يتمركز على أحد أبنية بيروت القديمة.
كما احتلّ الإعلامي الراحل رياض شرارة مركز الريادة فيها بدأه في عام 1962، عندما كان مقدّم أول برامج ألعاب فيها (صفر أو عشرين) و(فكّر واربح) وقد استمرّ في تقديم هذا الأخير لاثنتي عشرة سنة متتالية.
اليوم ومع إطلاق اسم السيدة فيروز على أحد استديوهاتها، تعيش «إذاعة لبنان» حقبة زمن الفن الجميل من جديد على أمل أن ترسّخه عبر أثيرها، في خطوات مشابهة في المستقبل القريب تحمل في طيّاتها العراقة وأصالة الفن الحقيقي.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».