أفضل ممثل لـ دي كابريو.. و«سبوتلايت» يتوج أفضل فيلم

«المنبعث» يخسر أمام عالم الصحافة ويفوز أمام عالم المستقبل

حفل الأوسكار في مسرح دولبي في هوليوود بكاليفورنيا (إ.ب.أ)
حفل الأوسكار في مسرح دولبي في هوليوود بكاليفورنيا (إ.ب.أ)
TT

أفضل ممثل لـ دي كابريو.. و«سبوتلايت» يتوج أفضل فيلم

حفل الأوسكار في مسرح دولبي في هوليوود بكاليفورنيا (إ.ب.أ)
حفل الأوسكار في مسرح دولبي في هوليوود بكاليفورنيا (إ.ب.أ)

ثلاثة أشهر من التداول والتساؤل والانحياز صوب معسكرات سينمائية متنافسة، انتهت ليل يوم أول من أمس (الأحد) بإعلان نتائج حفل توزيع الأوسكار في مناسبته الـ88. الحفل الذي جاء بنتائج بعضها متوقع والبعض الآخر مفاجئ. وكما هي الحال دائمًا، فإن الرابح والخاسر يتساويان في سعيهما المشترك للفوز. الفارق هو أن أحدهما نال أكثر من الثاني أصواتًا مكّنته من تحقيق الفوز. هذا، في الواقع المحض، لا يعني أنه أفضل عملاً من الآخر. كل ما يعنيه أنه استقطب إعجابًا أكثر.
وإذ بدأت الحفلة بكريس روك وانتهت به لم يفت الكوميدي الشاب، ذا العرق الأفريقي، رمي سلسلة من المفرقعات التي تتناول ما شهدته مسابقة الأوسكار هذه السنة من تجاذب. قال أول ما خرج على المسرح: «أنا هنا في حفلة جوائز الأكاديمية… المعروفة أيضًا باسم جوائز البيض». ثم أتبع ذلك بقوله: «لو أن هناك أوسكار لأفضل مقدّم لما حصلت على هذه الوظيفة».
الجمهور كان يتوقع أن يَضْحك روك على المفارقات المثارة وأن يُضحكهم أيضًا. موضوع كهذا لم يكن ليفت الكوميدي الذي علّق ساخرًا ذات مرّة على الأدوار التي تُمنح للسود في أفلام الأنيميشن، ملاحظًا أنه إذا كان الدور لحمار أو حيوان مشابه فإن «الممثل الذي سيؤديه سيكون أسود بلا ريب».
على أن العنصرية لم تكن المسألة الوحيدة المثارة. عندما نال سام سميث جائزة أفضل أغنية، عن تلك التي استخدمها فيلم جيمس بوند «سبكتر» تحت عنوان «الكتابة على الجدار» ذكر أنه أول رابح مثليّ الجنس قائلاً إنه لم يسبق لرجل معروف بمثليّته أن فاز بالأوسكار. هذه المرة لم يضحك أحد، خصوصًا أن معظمهم يدرك أن هذا القول ليس صحيحًا وأحد المثليين الفائزين بالأوسكار قبله كان إلتون جون نال الأوسكار ذاته قبل أعوام. خارج الجائزة الموسيقية، تقدّم كاتب السيناريو دستين لانس بلاك وقطف أوسكار أفضل سيناريو أصلي عن فيلم «ميلك» وذكر علنًا ميوله الجنسية.
إنها حفلة من القضايا التي تذهب وتجيء في مناسبات كثيرة. حتى أوسكار أفضل فيلم مُنحت لعمل يتناول قضيّة تئن تحت ثقلها قطاعات كثيرة من المجتمع الأميركي، ذلك لأن فيلم «سبوتلايت» الذي نال أوسكار أفضل فيلم عنوة عن سبعة منافسين آخرين بينهم قطار هادر اسمه «المنبعث»، إنما يدور حول فضيحة كشفت النقاب عنها صحيفة «ذا بوسطن غلوب» في أواخر التسعينات ومطلع القرن الحالي حول قيام كهنة كاثوليكيين في مدينة بوسطن بالاعتداء الجنسي على الأولاد.
حتى الممثل ليوناردو دي كابريو حمل قضيّته التي تشغله إلى المنصّة عندما وقف ليلقي كلمة فوزه بأوسكار أفضل ممثل عن دوره في «المنبعث»، فأتى على ذكر الخطر الذي يهدد العالم وهو التلوث البيئي، تلك القضية التي تحدّث فيها في أكثر من مناسبة من قبل لكنها كانت تنتظر مناسبة كتلك اللحظة التي مُنح فيها أوسكار أفضل ممثل لكي يطرحها من جديد، مؤكدًا أنه لا أحد حول العالم يستطيع أن يكون بمنأى عن التأثر بها، محذرًا من خطورتها على الأجيال المقبلة.
* تحية صحافية
ليس أن دي كابريو لم يودع هوليوود والمخرج أليخاندرو غونزاليس إيناريتو شكره فأثني في كلمته على أكاديمية العلوم والفنون السينمائية التي منحته هذه الجائزة بعد ثلاث محاولات فاشلة من قبل، وشكر المخرج إيناريتو للفرصة التي منحها له للفوز هذه المرّة، والحضور هب وقوفًا أول ما خرج الممثل إلى المنصّة بعدما لعب شخصية الصياد الذي يتحول إلى طريدة ثم إلى صياد مجددًا في «المنبعث»، لكن إذ خرج «المنبعث» بأوسكار أفضل إخراج، منحت للمكسيكي إيناريتو الذي برهن عن جدواه في هوليوود سريعًا، أخفق الفيلم في نيل أوسكار أفضل فيلم. هذا التشريف كان من نصيب «سبوتلايت» لتوم مكارثي.
«سبوتلايت» فيلم ممتاز يختلف 180 درجة عن «المنبعث» وتم إنجازه بأقل من ربع ميزانيّته (20 مليون دولار مقابل 136 مليون دولار لفيلم إيناريتو) ويتناول تلك الفترة الصعبة، بدورها، التي كان على فريق صحافي تابع لصحيفة «ذ بوسطن غلوب» مواجهة الظروف وردود الفعل في سبيل إطلاق الحقيقة من عقالها: مئات رجال الدين الكاثوليكيين في مدينة بوسطن كانوا متورطين في تحرشات واعتداءات جنسية على الأولاد والفيلم، في محاكاة لفيلم جيد آخر عن عالم المهام الصحافية الصعبة نال أربع أوسكارات في زمنه، وهو «كل رجال الرئيس» (ألان ج. باكولا، 1967) جيد الكتابة والتنفيذ والتمثيل. وفي حين فاز بأوسكاري أفضل فيلم وأفضل سيناريو كُتب خصيصًا للسينما، لم يستطع أي من ممثلَيه المرشحَين في فئة الممثلين المساندين الفوز وهما راتشل ماكأدامز ومارك روفالو.
دي كابريو استحق إذن الأوسكار هذه المرّة وكذلك فعلت بري لارسون عن دورها الأول في «غرفة». انحصر كلامها في شكر المعجبين بها الذين هبوا إلى وسائط التواصل الاجتماعي أول ما تناهى لهم ترشيحها ومالت بالطبع على المنتجين ورجال الصناعة الذين أتاحوا لها الفوز.
وإن بدت خطابات القبول، في معظمها، تجمع بين الثناء والشكر من ناحية، والتعبير عن الفرحة الكبرى من ناحية أخرى، فلم ينسَ الممثل مارك ريلانس أن يومئ إلى المنتج والمخرج ستيفن سبيلبرغ بالشكر عن الإلحاح عليه لقبول الدور الذي لعبه في «جسر الجواسيس» وهو دور الجاسوس أدولف آبل الذي عمل لصالح الروس في الستينات. حين ترك الممثل البريطاني المنصّة بجائزته وانتقل إلى غرفة الصحافة كشف عن أن المخرج سبيلبرغ عرض عليه في مرتين سابقتين الاشتراك في تمثيل فيلمين من أفلامه، أولهما «إمبراطورية الشمس» (1987). هذه المرّة لم يكن ممكنًا رفض العرض الجديد.
حظ «جسر الجواسيس» لم يكن مثل حظ مارك ريلانس. في الأساس لم يجد بطل الفيلم توم هانكس نفسه في عداد المرشّحين، ولو أن الفيلم دخل ستة ترشيحات بينها أفضل كتابة وأفضل موسيقى وأفضل مزج صوتي وبالطبع أفضل فيلم. وهو خسر في كل خانة باستثناء خانة أفضل ممثل مساند، تلك التي نالها ريلانس.
على الصعيد النسائي فإن أوسكار أفضل ممثلة مساندة نالتها، كما توقعنا، أليسيا فيكاندر عن دورها في «الفتاة الدنماركية»، متجاوزة روني مارا عن «كارول» وكايت ونسلت عن «ستيف جوبز»، وقد لعبتا دورين جيّدين فعلاً.
* القوّة بقيت نائمة
عربيًا، وبعد أن صعدت التمنيات إلى ذروتها مع اقتراب موعد الأوسكار، اضمحلّت هذه التمنيات إلى واقع جديد. كل من «ذيب» لناجي أبو نوار المشترك في مسابقة أفضل فيلم أجنبي و«السلام عليك يا مريم» المتنافس في فئة أفضل فيلم روائي قصير، خسر أمام فيلم مختلف. «ابن شاوول» للهنغاري لالزو نيميس، الذي بدا قويّا منذ بدايته متحدّثًا عن الهولوكوست و«متلعثم» لبنجامين كليري وسيرينا أرميتاج خطفا الحظ من أمام هذين الاشتراكين العربيين.
طبعًا، هي ليست المرّة الأولى التي يصل فيها اشتراك عربي لمرحلة الترشيحات الرسمية لكنه يعجز عن الفوز بالأوسكار المرصود في فئته، لكن في كل مرّة هناك شعور بأن المسافة لم تعد بعيدة قبل أن يصعد سينمائي عربي تلك المنصّة ويسجل النصر الأول من نوعه في هذا المجال.
الإعلان عن هاتين الجائزتين، الفيلم الأجنبي والفيلم الروائي القصير، ورد، كالعادة، في الوقت الذي كانت فيه الحفلة ما زالت في مراحل التشويق.
في تلك المرحلة أعلن فوز الموسيقار الإيطالي إينيو موريكوني بأوسكار أفضل موسيقى عن «الكارهون الثمانية» لكوينتين تارانتينو، وهو فيلم الوسترن الآخر، وكان دخل ثلاثة سباقات هي إلى جانب الموسيقى سباق أفضل ممثلة مساندة (جنيفر جاسون لي، التي تم في مقال توقعاتنا السابق استبعادها على أي حال)، وسباق التصوير، وهو الأوسكار المهم الذي ذهب للمرة الثالثة إلى إيمانويل لوبيزكي عن تصويره الجيد (والصعب) «المنبعث».
في تلك الآونة تكاثر إطلاق الجوائز الجمالية والتقنية، فإذا بفيلم جورج ميلر «ماد ماكس: طريق الغضب» يحصد خمس أوسكارات هي أفضل مونتاج وأفضل تصميم إنتاجي وأفضل «ماكياج» وأفضل صوت وأفضل مونتاج صوتي. وكاد أن يحصل على أوسكار أفضل مؤثرات بصرية لولا أن هذه ذهبت إلى «إكس ماشينا» وهو فيلم خيالي علمي صغير بميزانية لم تزد على 15 مليون دولار حول عالِم يبتكر روبوتس من الإناث ويحاول زرع المشاعر فيها.
هذا الفيلم الصغير تحوّل إلى وحش كبير لحظة فوزه، ففي الفئة ذاتها نافسه ثلاثة أفلام كبيرة هي «ماد ماكس» و«المريخي» و«ستار وورز: القوّة تستيقظ». هذا الأخير (بميزانية وصلت إلى 200 مليون دولار) كان أكثر تأثيرا على الشاشة منها في حفل توزيع الأوسكار حيث بقيت قوّته تلك نائمة لما بعد توزيع الجوائز.
لكن إذا ما كان «ماد ماكس» جمع القدر الأكبر من الأوسكارات التقنية، فإن «المنبعث» جمع بعض أهمها. إلى جانب الفوز بأوسكار أفضل تمثيل رجالي في دور رئيس، نجد المخرج أليخاندرو غونزاليس إيناريتو فاز بأوسكار أفضل إخراج بينما فاز مدير تصويره إيمانويل لوبيزكي، وكما تقدّم، بأوسكار أفضل تصوير. لوبيزكي هو أول مدير تصوير يفوز بالأوسكار في ثلاث سنوات متعاقبة. الأول قبل عامين عن «جاذبية» والثاني عن «بيردمان» في العام الماضي. بدوره فإن المخرج إيناريتو فاز بثلاث أوسكارات حتى الآن يعود ثلاث منها إلى فيلم «بيردمان» من بينها أوسكار أفضل إخراج.
بذلك هو ثالث مخرج في تاريخ الأوسكار يربح أوسكاراته على نحو متعاقب. سبقه إلى ذلك سنة 1940 المخرج جون فورد الذي نال أوسكاريه كمخرج عن «عنب الغضب» ثم عن «كم كان وادي أخضر» (1941). جوزف مانكوفيتز نال أوسكار أفضل مخرج عن فيلمه «رسالة لثلاث زوجات» (1949) ثم عن فيلمه «كل شيء عن حواء» في العام التالي.
لوبيزكي في غرفة الصحافة كان أبرع من متحدثين آخرين ممن فازوا عندما قال: «لا أجد الأوسكار مجالاً للمنافسة. المنافسة ابتدعها بعضكم يا رجال الصحافة. إنها احتفاء بالفن. مديرو التصوير الآخرون (روجر ديكنز، جون سيل، روبرت رتشردسون وإد لاشمان) هم مديرو التصوير الذين أنظر إلى أعمالهم بإعجاب».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».