نتائج طهران لا تغير مسار السياسة الإيرانية والمتشددون يحافظون على غالبيتهم في البرلمان

انخفاض الإقبال على الانتخابات بـ4 % مقارنة مع الدورة السابقة

نتائج طهران لا تغير مسار السياسة الإيرانية والمتشددون يحافظون على غالبيتهم في البرلمان
TT

نتائج طهران لا تغير مسار السياسة الإيرانية والمتشددون يحافظون على غالبيتهم في البرلمان

نتائج طهران لا تغير مسار السياسة الإيرانية والمتشددون يحافظون على غالبيتهم في البرلمان

مع الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات الإيرانية التي جرت الجمعة، أصبح من الممكن الآن تفحص آخر الآراء التي أعلن عنها مسؤولون من داخل المؤسسة الخمينية الحاكمة.
وأعرب بعض المحللين عن رفضهم للانتخابات التي شهدتها إيران باعتبارها مجرد تمثيلية مصطنعة، لأن جميع المرشحين جرت الموافقة عليهم سلفًا من جانب مجلس صيانة الدستور، بينما تولت وزارة الداخلية، بدلاً من لجنة مستقلة تعنى بالانتخابات، مسؤولية الإشراف على العملية الانتخابية برمتها. ومع ذلك، تبقى الانتخابات الإيرانية مثيرة للاهتمام، إذ أنها تقدم لمحة عن توازن القوى داخل النظام الإيراني.
ولعلّ أبرز النقاط المثيرة للاهتمام فيما يتعلق بهذه الانتخابات هو مستوى إقبال الناخبين، الذي يعد مؤشرًا على اهتمام المواطنين بهذه العملية السياسية. إلا أن أعداد الناخبين المشاركين دائمًا ما يصعب تحديدها بدقة لعدم توافر سبيل للتحقق من صحة البيانات الرسمية.
من جانبها، أعلنت وزارة الداخلية قبل شهر من بدء الانتخابات أن 56 مليون مواطن مؤهلون للإدلاء بأصواتهم. إلا أنه قبل انطلاق الانتخابات بأسبوع، تراجع العدد إلى ما دون 55 مليون ناخب محتمل. وبعد يوم من بدء الانتخابات، أعلنت وزارة الداخلية أن ثلاثة ملايين آخرين لم يتمكنوا من التصويت لعدم وجود بطاقات هوية وطنية بحوزتهم. وعليه، فإن عدد المؤهلين للإدلاء بأصواتهم يبلغ نظريا 52 مليون شخص على الأقل.
وبحسب الأرقام الرسمية، فقد أدلى 33 مليون مواطن بأصواتهم، بينهم 32 مليون صوت محتسب، ما يعني أن هناك مليون صوت باطل أو أن صاحب الصوت ترك بطاقة الانتخاب خالية. من جانبه، قدر وزير الداخلية رحماني فضلي نسبة من أدلوا بأصواتهم بما يزيد قليلاً على 60 في المائة، مقارنة بتقديرات أخرى تشير إلى 58 في المائة. إلا أنه حتى إذا قبلنا بالرقم الذي ذكره، فإن هذا يعني انخفاض أعداد المشاركين بنسبة 4 في المائة عن الانتخابات العامة الأخيرة التي أجريت منذ أربع سنوات. ويعني ذلك أن الضجة التي أثارها الاتفاق النووي مع مجموعة الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى جانب الولايات المتحدة، لم تخلق «طوفان المشاركة» الذي تمناه الرئيس حسن روحاني.
ومن بين الانتخابات التسعة التي أجريت في ظل نظام الجمهورية الإسلامية، شاركت في انتخابات الجمعة ثاني أقل نسبة ناخبين بعد الأولى التي شهدت مشاركة بنسبة 51 في المائة فقط.
ومع ذلك، يبقى هناك استثناء جلي يكمن في طهران التي ارتفعت نسبة المشاركة بها بمعدل هائل بلغ 20 في المائة، ما ساعد القائمة المدعومة من الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني على الفوز بجميع المقاعد الـ30 المخصص للعاصمة (وينتمي روحاني للفئة ذاتها). كما أحرز تيار رفسنجاني انتصارًا كبيرًا بفوزه بغالبية المقاعد الـ16 الخاصة بطهران داخل مجلس الخبراء، وهو المجلس الذي يضم الملالي الذين بمقدورهم اختيار أو رفض «المرشد الأعلى».
أما الجانب اللافت الآخر لهذه الانتخابات، هو أن معسكر رافسنجاني - روحاني نجح في إزاحة اثنين من أبرز آيات الله من المعسكر الراديكالي المتشدد، وهما محمد يزدي، ومحمد تقي مصباح يزدي من مجلس الخبراء. جدير بالذكر أن آية الله محمد يزدي كان رئيسًا للمجلس.
إلا أنه فيما وراء هذه النجاحات الكبرى، لم تكن الصورة مشجعة بالنسبة لمعسكر رافسنجاني - روحاني، ناهيك عن الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي أمل في حدوث تغيير في المسار العام داخل طهران. ذلك حيث ستبقى هناك أغلبية كبيرة للعناصر المتشددة داخل مجلس الخبراء القادم، تبلغ 58 في المائة مقارنة بـ17 في المائة لتيار رفسنجاني، إلى جانب 88 مقعدًا لمستقلين.
وفي البرلمان ذي الغرفة الواحدة، فاز المتشددون الموالون للمرشد الأعلى على خامنئي بأغلبية ضعيفة بعد أن حصلوا على 150 مقعدا من إجمالي 290 مقعد. وحصدت كتلة رفسنجاني الرئيسية المعروفة بالإصلاحيين 67 مقعدا، في حين حصلت القائمة الأصغر المقربة من روحاني نفسه على 13 مقعدا، وحصل المستقلون على 21 مقعدا، وسوف يتحدد مصير باقي المقاعد في جولة التصويت الثانية المقررة بعد شهر تقريبا.
وأحدثت انتخابات الجمعة الماضي تغييرات كبيرة في التشكيلة السياسية؛ أولا زاد عدد النساء الأعضاء في مجلس الشورى أكثر من الضعف بفضل طهران، حيث جرى انتخاب سبع سيدات. كما جرى استبعاد 54 عضوا من ضمن الأعضاء الحاليين، في حين بلغ عدد غير المتأهلين أو المنسحبين 30 مرشحا.
إلى ذلك، ترتبت نتائج الانتخابات عن استمرار هيمنة الحرس الثوري الإيراني، حيث بلغ عدد الأعضاء من المنتسبين القدامى للحرس 30 في المائة من الأعضاء في المجلس الشورى السابق، وبالمقارنة بالمجلس الجديد، سوف يرتفع العدد إلى 38 في المائة. وعلى النقيض، سوف يتراجع عدد الملالي الذين احتلوا 18 في المائة من مقاعد المجلس السابق إلى 12 في المائة فقط في المجلس الجديد. وبخصوص وضع الجيش، تعزز وضع العسكريين في النظام التشريعي بحصول ضباط الجيش والاستخبارات السابقين على 12 مقعدا على الأقل في المجلس الجديد.
غير أن الحصة الأكبر التي بلغت 40 في المائة من المقاعد، ذهبت إلى التكنوقراطيين وموظفي الحكومة. إجمالا، ومقارنة بالتسعة مجالس السابقة، يتصف المجلس الجديد بقاعدة اجتماعية أضيق؛ إذ تراجعت نسب تمثيل التجار، ورجال القبائل والعشائر، والمتخصصين مثل الفيزيائيين والمهندسين في المجلس.
وتشكو فصائل رفسنجاني - روحاني في المجلس، الممثلة في ثلاث قوائم بالمجلس، من أن قنوات التلفزيون يسيطر عليها المتشددون، غير أن ما يعوض ذلك هو وجود القناة التلفزيونية التي تبث باللغة الفارسية على محطة «بي بي سي»، وكذلك محطة «صوت أميركا» التي يناسب طرحها «المعتدلين». وسيطر المتشددون، أو ما يعرف بالأصوليين، على أغلب وكالات الأنباء وعلى عدد من الصحف، لكن كان عزاء المعتدلين هو سيطرتهم على وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية «إيرنا»، وعدد من الصحف التي يمولها رفسنجاني وشركاؤه من رجال الأعمال.
ولم تقدم أي من القوائم المنافسة برنامجا سياسيا، ولذلك حدد الناخبون خياراتهم بناء على ملاحظاتهم وما يعرفونه عن الناخبين. فمثلا، أراد كل من انتخب قائمة رفسنجاني - روحاني إظهار رفضهم للسياسات المتشددة التي روج لها خامنئي. كما شكّلت شخصية المرشحين عاملا مهما، خاصة في الدوائر الانتخابية الصغيرة والمحيطة بالأقليات الدينية والعرقية. ورغم أنها لم تغير ميزان القوى بدرجة كبيرة، فقد دعمت انتخابات الجمعة الماضي من موقف المروجين لـ«الخيار الصيني»، الذي يركز على النمو الاقتصادي الذي يسير بشكل متواز مع تحسن العلاقات مع العالم الخارجي وقمع أي معارضة داخل البلاد. في حين، تراجع المؤيدون للخيار «الكوري الشمالي» في طهران وفي غيرها من المدن الكبرى، وهو النموذج الذي يعتمد النظام الاقتصادي المنغلق، والقمع الداخلي، والخوض في مغامرات خارجية. ويفضل تيار رفسنجاني - روحاني تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، في حين شرع للتو التيار الذي يقوده خامنئي تبني استراتيجية «الانفتاح على الشرق» بمراهنتها على بناء محور مع روسيا. وعلى كل حال، من المرجح أن يشتعل الصراع على السلطة في طهران مع تزايد القلق بشأن خلافة خامنئي.



إسرائيل تعد «ملفاً» لتبرير استئناف الحرب في غزة

TT

إسرائيل تعد «ملفاً» لتبرير استئناف الحرب في غزة

مسلحون من «حماس» يسلمون رهينة كانت محتجزة في غزة إلى اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» (رويترز)
مسلحون من «حماس» يسلمون رهينة كانت محتجزة في غزة إلى اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» (رويترز)

في الوقت الذي ذكرت فيه مصادر سياسية مقربة من الحكومة الإسرائيلية أن طاقماً خاصاً في مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يعد للرئيس الأميركي دونالد ترمب «ملفاً بالخروقات التي تقوم بها (حماس) لاتفاق وقف النار وتبادل الأسرى حتى يساند إسرائيل في احتمال استئناف الحرب»، كشفت مصادر في تل أبيب ورام الله أن هذه التصريحات جاءت لتغطي على حقيقة أخرى يتضح منها أن نتنياهو يعود إلى سياسته القديمة بتعزيز الانقسام الفلسطيني الداخلي بواسطة تعزيز قدرات «حماس» على الحكم.

وبحسب مسؤول في السلطة الفلسطينية، وُصف بأنه «مطَّلع على آليات تنفيذ وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة (حماس) في قطاع غزة»، فإن المظاهر الاستعراضية التي قامت بها «حماس» بخروج عدد كبير من المسلحين بالزي العسكري في شوارع غزة قبيل تسليم المحتجزات الإسرائيليات، مساء الأحد، هي أمر متفَّق عليه بين الطرفين. وقال إن «الاتفاق بين (حماس) وإسرائيل يتضمن ملحق بروتوكول أمني غير معلن، تسمح إسرائيل بموجبه للشرطة المدنية التابعة لحكومة (حماس) بالعمل باللباس الأزرق الرسمي داخل مناطق محددة ذات الكثافة السكانية، ومتفق عليها في قطاع غزة فور دخول اتفاق وقف النار حيز التنفيذ، صباح الأحد».

وأضاف أن «الشرطة ستتولى المسؤولية الكاملة عن إدارة حركة وتنقُّل النازحين من جنوب قطاع غزة إلى مدينة غزة وشمال القطاع، وقوات (حماس) هي التي تتسلم المساعدات الدولية، وتشرف على توزيعها على السكان». وأكد أن الاتفاق ينص على ألا تقترب الشرطة وغيرها من القوات المسلحة التابعة لـ(حماس) من المواقع التي توجد فيها قوات الجيش الإسرائيلي، والتي وفق الاتفاق، ستبقى على طول الحدود الشرقية والشمالية للقطاع.

تأكيد إسرائيلي

وفي إسرائيل، أكد هذا الموقف أيضاً مسؤولون سياسيون. وبحسب موقع «واي نت»، التابع لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإن الضجة التي أقامها مسؤولون في الحكومة حول المظاهر المسلحة لرجال «حماس» هي ضجة مفتعلة. وبحسب المحرر العسكري للموقع، رون بن يشاي: «لقد استخدمت (حماس) تحرير المحتجزات الثلاث فرصةً لإجراء استعراض للقوة في غزة، وهو بالمناسبة لم يكن مبهراً؛ فقد كان هناك فقط بضع عشرات من المسلحين، ويبدو أنهم لم يكونوا منظَّمين وبقيادة كما ينبغي، ما شكَّل خطراً على حياة المخطوفات الإسرائيليات».

هذا طلب يجب طرحه على الوسطاء كي يطرحوه على «حماس» و«الصليب الأحمر»: «نقل المخطوفين والمخطوفات يجب أن يتم في مكان خفي، وليس في قلب جمهور معربد».

كابوس تلو كابوس

وفي الصحيفة نفسها، كتب المتخصص في الشؤون الفلسطينية آفي يسسخروف، أن إسرائيل وصلت إلى اليوم التالي، حتى إن كان مؤقتاً، لتستيقظ من كابوس وتدخل الكابوس نفسه. ففي الجانب الآخر من الحدود ستواصل «حماس» الحكم، بناء أنفاق وتجنيد مزيد من الناس، دون أن يقوم لها بديل محلي. يبدو أن من رأى في «حماس» ذخراً ذات مرة لم يعد يمكنه أن يُشفى من هذا.

وأضاف أن صور المخطوفات الثلاث وهن يُنقلن إلى مركبات «الصليب الأحمر» في قلب غزة محوطات بآلاف الفلسطينيين، وبينهم مئات المسلحين مع ربطات رأس خضراء، تجسد حجم الهزيمة السياسية لدولة وحكومة اختارتا عن وعي تخليد حكم «حماس» في غزة حتى بعد 15 شهراً من الحرب. «حماس» بقيت على حالها. وقد كان هذا الهدف الأعلى لـ«حماس» فور بدء الحرب، ورغم أن الحكومة برئاسة نتنياهو أعلنت أنها ستعمل على تصفيتها، إذ إن المنظمة لم تنجُ عسكرياً فقط، بل حكمها بقي على حاله، وهذا بقدر غير قليل بفضل حكومة إسرائيل.

مراسم دفن جندي إسرائيلي قُتل في غزة (رويترز)

شعارات فارغة

ولفت الكاتب إلى أنه «على مدى أشهر، رفض نتنياهو ووزراؤه بحزم خوض نقاش معمق على إقامة بديل سلطوي لـ«حماس»، وذلك رغم أنه يوجد عدد لا يحصى من محافل الأمن الذين حذروا من أنه من الواجب عمل ذلك، وإلا فإن هذه الحرب ستكون عبثاً، عدد لا يحصى من المحللين والخبراء حذروا، لكن نتنياهو لم يرغب في ذلك. لقد فهم رئيس الوزراء أن كل نقاش سيؤدي في نهاية الأمر إلى استنتاج واضح – بديل سلطوي لا يمكنه أن يقوم في غزة إلا مع السلطة الفلسطينية وحركة «فتح». وقد رفض نتنياهو ذلك لاعتبارات سياسية، والخوف الأكبر لديه كان من الثنائي سموتريتش وبن غفير. الشعارات الفارغة عن أن السلطة الفلسطينية سيئة مثل «حماس» ومحظور «السماح للنازيين بأن يحلوا محل النازيين» انكشفت عندما رأينا أنه بدلاً من جسم فلسطيني يمكنه أن يعمل إلى جانب إسرائيل، ويساعدها مثلما يحدث في الضفة الغربية، تلقينا أمس دليلاً آخر على أنه لا توجد خيارات جيدة في الشرق الأوسط – فقط سيئة وأسوأ. وحكومة إسرائيل اختارت عن وعي الخيار الأسوأ – استمرار حكم حماس».

وحتى وزير المالية المتطرف، بتسليئيل سموتريتش، انتبه إلى ذلك من زاوية أخرى، وقال إن «حماس» ربحت في الحرب نحو مليار دولار، من سيطرتها على المساعدات الإنسانية في غزة والاتجار بها. وعاد ليهدد بإسقاط الحكومة إذا لم تخرج إلى الحرب لتصفية «حماس» بالكامل.

وكان نتنياهو قد أقنع سموتريتش بالبقاء في الحكومة بالقول إنه واثق بأن «حماس» ستخرق الاتفاق، ما سيبرر لإسرائيل أن تعود إلى القتال. وأوضح له أنه يقيم في مكتبه دائرة تتابع نشاط «حماس»، بل تنصب لها الكمائن حتى تقع فيها، وتظهر سيطرتها على قطاع غزة بعد الحرب. وتطرح الملف أمام الرئيس ترمب ليوافق على استئناف القتال.