«هاني العمري يغني إلياس الرحباني» منشدًا لفيروز ووديع الصافي

يستعد لإحياء حفلة غنائية كبرى في أوائل الصيف تتوج هذا التعاون

هاني العمري مع إلياس الرحباني
هاني العمري مع إلياس الرحباني
TT

«هاني العمري يغني إلياس الرحباني» منشدًا لفيروز ووديع الصافي

هاني العمري مع إلياس الرحباني
هاني العمري مع إلياس الرحباني

لم يكن من البديهي أن يرافق الموسيقار إلياس الرحباني المغني هاني العمري في حفلات غنائية أقامها هذا الأخير تحت عنوان «هاني العمري يغني إلياس الرحباني».
فنادرا ما يوافق الموسيقار الوحيد المتبقي من عنقود الإخوان الرحابنة، على القيام بهذه المهمّة. واللافت أن هذا التعاون نتج عنه كليب غنائي، جمع مقتطفات من تلك الحفلات (ثلاث أغنيات)، لتكون عربون مشوار جديد يحمل في طيّاته الفنّ الأصيل موقّعا بصوت شبابي وبأنامل فنيّة عريقة.
«لم يكن الأمر بالسهل أبدا» يقول هاني العمري في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «فلقد جاهدت كثيرا للحصول على هذه الفرصة الفنيّة في مشواري، التي أقلّ ما يمكنني وصفها بالقفزة النوعية وبشهادة تقدير افتخر بها من فنان مخضرم وعريق».
فإلياس الرحباني عندما استمع إلى بروفات تلك الحفلات، ولمس مسؤولية هاني العمري المهنية قرر أن يرافقه في تلك الحفلات، يعزف على البيانو ليكون المايسترو للفرقة الموسيقية التي يقودها الفنان شاب.
«الفكرة جاءتني بالصدفة وعندما تحدثت عنها مع نجل الموسيقار إلياس الرحباني، قال لي بالحرف يومها: هو أمر صعب جدّا، ولا أعتقد أن والدي سيوافق على مرافقتك عزفا على المسرح». يروي هاني العمري بحماس تفاصيل ما جرى معه. ويضيف: «لقد شعرت بالخوف وانتابتني حالة مسؤولية لم يسبق أن راودتني قبلا. فإن أقف وأغني لعمالقة الغناء في لبنان وبقيادة مايسترو يحلم كبار أهل الفنّ بالتعامل معه، كان أمرا غير متوقّع بالنسبة لي وطالما حلمت في تحقيقه».
«كنّا نتلاقى من عشيّة» و«يا قمر الدار» و«عم بحلمك يا حلم يا لبنان»، هي الأغنيات الثلاث التي اختارها العمري والرحباني ليتضمنها الكليب الخاص بهذا التعاون، الذي أراداه لفتة في عالم الفن الأصيل وعودة للأغنية الراقية.
لماذا تمّ اختيار هذه الأغاني بالذات؟ يردّ هاني العمري موضحا: «هناك عدد لا يستهان به من الأغاني التي أديتها تحت هذا التعاون، مثل (يا بو مرعي) وغيرها. ولكني آثرت هذه الأغاني الثلاث كونها غير مغناة في السابق بكثرة، فبالتالي هي غير مستهلكة في عالمنا الفنّي».
الأغنية الأولى تعود لفيروز التي غنّتها في مسرحية «ميس الريم». أما الثانية فهي للراحل وديع الصافي التي غنّاها في مسرحية «طواحين الليل»، والثالثة كانت سبب انطلاقة ماجدة الرومي في عالم الغناء من بابه العريض في عام 1975 من كلمات الشاعر الراحل سعيد عقل.
ويشير الفنان اللبناني الذي كان له بصمته في عالم الغناء من خلال أغان عدّة (كلّن شافوك وملك روحي ومشتاق اضمّك) وغيرها، إلى أنه عندما غنّى للراحل وديع الصافي هو المولع بمدرسته الفنيّة منذ نعومة أظافره، بكى تأثّرا لردّ الفعل الإيجابي الذي قام به إلياس الرحباني تجاهه إثر سماعه يغنيّها إذ راح يردد «آه» طربا. وقال: «لم أتمكن من التقاط دموعي فإن أغني لعملاقين مرة واحدة كان بمثابة حلم وتحقق». وعن أغنية ماجدة الرومي قال: «عندما عرضت على الدكتور إلياس الرحباني أن أغنيّها تردد للوهلة الأولى، ولكن بعدما أدّيتها على طريقتي وختمتها بأسلوبي، تفاجأ ووافق على الفور».
وعندما سألته إذا كانت سعادته في هذه الخطوة تكمن في كونه غنّى لإلياس الرحباني أم لعمالقة من لبنان؟ أجاب: «يكفي أنه اجتمع فيها الاثنان، وبان الناس أصغت لي بانتباه مطبّقة المثل القائل (ترمي الإبرة وتسمع رنّتها)، لأقول إن العمل بأكمله أسعدني وكان فخرا لي».
ورأى هاني العمري بأن هذه التجربة لم تكن بالسهلة أبدا، مشيرا إلى أن العمل مع محترفين كآل الرحباني تنهك الفنان كونهم يبحثون دائما عن تقديم العمل الأكمل والأفضل. وقال: «لقد كنت أقوم ببروفات غنائية يوميا تستغرق منّي ساعات طويلة، لأعود بعدها إلى المنزل وأنا على شفير الانهيار، فلا استراحة ولا لعب في هذا الموضوع مع شخص مثل الموسيقار إلياس الرحباني، المتطلّب الذي يريد دائما الأفضل. اليوم استوعبت ماذا يعني أن تعمل مع الرحابنة ولماذا هم لا يقدّمون إلا الأعمال الناجحة».
وكان هاني العمري قد غاب عن الساحة الفنيّة لفترة من الوقت بسبب ظروف خاصة، ويعدّ عودته هذه خبطة فنيّة وفرصة أرسلتا إليه من ربّ العالمين كونه إنسان مؤمن ولا يعترف إلا بمشيئته.
وعما إذا كانت خطوته هذه جاءت متأخرة أجاب: «كل شي بوقتو حلو، وبرأي أن هناك طاقات فرج يفتحها ربّ العالمين أمامنا، وفي الزمن الصحيح، دون أن ندري. وأحيانا كثيرة تشكّل هذه الطاقات، طريقا مرسوما بدقّة لدخول النجاح من أبوابه الواسعة. فتجربتي هذه عرّفتني على طاقات مدفونة في أعماقي لم أكن متنبها لها من قبل، وشاءت الظروف أن يلفتني إليها الموسيقار إلياس الرحباني الذي وضعني في المكان والوقت المناسبين لإبرازها».
ويصف هاني العمري تعاونه هذا الذي سيتوّج بحفلة غنائية ضخمة ستقام في بداية الصيف المقبل في كازينو لبنان، بأنه أراده للفت نظر جيل الشباب اللبناني إلى الفنّ العريق ولوضعه على السكة المستقيمة في هذا المجال وقال: «هي بمثابة محاولة لإعادة الفن الحقيقي إلى الواجهة في زمن كثرت فيه الأعمال الفنيّة الهابطة».
حاليا يستعدّ هاني العمري لإطلاق أغنية جديدة من ألحانه، تتناول موضوعا اجتماعيا لم يسبق أن تمّ تناوله في الأغنية اللبنانية. ويعلّق بالقول: «هي أغنية جديدة من نوعها وأتمنى أن تعجب الناس بلحنها وكلماتها، كونها رسالة إنسانية بامتياز».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».