تقرير فرنسي عن «البصمة» التي تركتها المرأة على الحياة السياسية

بمناسبة منتدى النساء العالمي في دبي

سيدات وبنات الإمارات في الملتقى الدولي والنائبة الأوروبية الإيطالية ليسيا رنزولي مع في البرلمان
سيدات وبنات الإمارات في الملتقى الدولي والنائبة الأوروبية الإيطالية ليسيا رنزولي مع في البرلمان
TT

تقرير فرنسي عن «البصمة» التي تركتها المرأة على الحياة السياسية

سيدات وبنات الإمارات في الملتقى الدولي والنائبة الأوروبية الإيطالية ليسيا رنزولي مع في البرلمان
سيدات وبنات الإمارات في الملتقى الدولي والنائبة الأوروبية الإيطالية ليسيا رنزولي مع في البرلمان

تستضيف دبي، اليوم، منتدى المرأة العالمي الذي يغادر مقره المعتاد في بلدة دوفيل، على الساحل الشمالي الغربي لفرنسا ليعقد، للمرة الأولى، في مدينة عربية. والمنتدى الذي يقابل منتدى «دافوس» الذي يقام في سويسرا، يجمع بالدرجة الأولى نخبة من النساء اللواتي يمارسن نشاطًا ملحوظًا في مجالات السياسة والاقتصاد والإعلام في العالم.
وبالتوافق مع هذا المنتدى، كانت باريس قد شهدت انعقاد التجمع الوطني للنساء المشتغلات بالسياسة. وذكرت المشاركات في الاجتماع أن دخول المرأة إلى هذا الميدان الذي ظل محتكرًا طوال قرون من الرجال، إلا ما ندر، لم يشكل اقتحامًا، بل جاء منطقيًا ونتيجة كفاح طويل وكفاءة لا يمكن إنكارها. إذ ما عاد من الطبيعي أن تنسى الدول نصف سكانها وتترك القرار بين أيدي النصف الآخر. وقد شهدت دول الشرق تجارب لحكم النساء تباينت في مستواها، مثل أنديرا غاندي في الهند وسيريمافو باندرانايكا في سيريلانكا وتانسو تشيلر في تركيا وبي نظير بوتو في باكستان. لكن معظمهن ورثن الزعامة عن أب أو زوج. أما في الغرب فقد وصلت النساء إلى مراكز القيادة ورئاسة الجمهوريات والحكومات، لا سيما في الدول الإسكندنافية. وأشهرهن مرجريت ثاتشر في بريطانيا وإديت كريسون في فرنسا وأنجيلا ميركل في ألمانيا. كما نافست سيغولين رويال بقوة على منصب الرئاسة في فرنسا. ورأينا في جمهورية كوسوفو رئيسة تدعى عاطفة يحيى آغا، وهي أول مسلمة تصل إلى هذا المنصب. وطبعًا لا يمكن نسيان ديلما روسيف رئيسة البرازيل وإلين جونسون سيرليف رئيسة جمهورية ليبيريا في أفريقيا. وحاليًا، تشمر الأميركية هيلاري كلينتون عن ذراعيها وتخوض معركة الرئاسة المقبلة في الولايات المتحدة الأميركية. فهل كان وصول النساء إلى المناصب المتقدمة والعليا فرصة لتغيير المناخ السياسي المتوتر في العالم؟ وبعبارة أخرى: هل كن حمائم سلام في فضاءات تلبدها الحروب والنزاعات من كل نوع؟ لعلنا نجد الجواب لدى جوليا موزون، وهي التي بادرت لتأسيس منظمة «المرأة والنفوذ» التي أشرفت على تنظيم ملتقى باريس للنساء السياسيات.
ترى موزون أن النساء ما زلن خارج طريقة عمل المنظومة السياسية حاليًا، بسبب أوضاعهن العائلية. وما زال النموذج السائد هو نموذج الرجل المتفرغ 24 ساعة خلال النهار والليل لعمله السياسي. لكن النساء يساهمن في تغيير هذه الظاهرة حين ينجحن في أداء الواجبات العائلية والبيتية ولا يعترفن بضرورة التفرغ التام للسياسة. لذلك فإن على المرأة أن تتآلف مع مفاتيح و«شفرات» العمل السياسي وثقافته، وهو أمر جديد عليها. ولا بد أن تستوعب ذلك الواقع وتجد حلولاً وقواعد عمل تنسجم والتزاماتها العائلية. باختصار: إن دخول النساء إلى الوسط السياسي قد جعل الأمور تتبدل. وبالمقابل، يجب أن تتبدل الأمور لكي تدخل النساء إلى الوسط السياسي. إن الأمرين مترابطان مثل حكاية البيضة والدجاجة. ولترجمة هذا الواقع، تقول موزون إن نفوذ المرأة ما زال موضع اختبار وتساؤل أكثر من سلطة الرجل. إنها لا تستطيع تقليد الرجل الذي يرتدي ربطة العنق ويضرب بقبضته على طاولة الاجتماعات. لذلك فإن تصرفها يجب أن يكون مختلفًا.
وحسب الملاحظات التي أدلت بها المشاركات في اجتماع باريس، فإن أهم مشكلات المرأة العاملة في السياسة هو استغلال حياتها الخاصة ضدها. إن السياسيات يسمعن تعليقات مزعجة حول حياتهن العائلية. لقد نعتوا مرشحة فرنسية بأنها أُم سيئة لأنها خاضت حملة انتخابية بعد وفاة ابنها في حادث دراجة نارية. وعندما أخذت سيدة أخرى موقع زوجها في مجلس الشيوخ بعد وفاته بسكتة قلبية، قيل إنها تعمدت قتله. لكن النساء من ذوات المراكز العليا تركن بصمتهن على الواقع السائد وساهمن في تغيير التقاليد المعتادة في الوسط السياسي حين لم يجدن حرجًا في الحديث عن عائلاتهن. كما كسرن الحاجز الذي يفترض أن لا مجال في حياة السياسي للعائلة، بل للعمل العام وحسب. وبناء عليه فإن الناس تتعاطف مع المرأة السياسية أكثر من السياسي الذي يمضي حياته متنقلاً بالسيارة الحكومية بين المكتب وقاعات الاجتماعات، دون أن تكون له حياة عائلية.
وماذا عن الفساد الذي كثر الحديث عنه في أوساط السياسيين؟ هل يمكن القول إن المرأة أكثر نزاهة في التعامل مع المال العام وإنها ستساهم في تنقية الميدان من المختلسين؟ تبدو موزون متفائلة. فهي ترى أن النساء لا يمتلكن خبرة في شبكات الفساد. كما أن الفرص أمام المرأة أقل من الرجل في مجال استغلال النفوذ والتهرب الضريبي والاختلاسات الكبيرة. عدا ذلك فإن جوليا رئيسة جمعية «المرأة والنفوذ» لا تؤمن بأن المرأة أكثر تمسكًا بالفضيلة من الرجل.
وكم من الوزيرات جيء بهن إلى الحكومة لترضية هذه الفئة أو تلك من المواطنين ثم جرى تعديل وزاري أطاح بهن بعد فترة قصيرة. وهنا تبرز حاجة المرأة العاملة في الحقل العام لتضامن بنات جنسها معها.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».