مقاهي القاهرة تكسر حظر التجول بأغاني أم كلثوم والكلام في السياسة

تتحصن بالشوارع الجانبية وبعضها رفع لافتة «ممنوع دخول الإخوان»

رواد أحد المقاهي الشعبية بأزقة القاهرة أثناء سريان حظر التجول ({الشرق الأوسط})
رواد أحد المقاهي الشعبية بأزقة القاهرة أثناء سريان حظر التجول ({الشرق الأوسط})
TT

مقاهي القاهرة تكسر حظر التجول بأغاني أم كلثوم والكلام في السياسة

رواد أحد المقاهي الشعبية بأزقة القاهرة أثناء سريان حظر التجول ({الشرق الأوسط})
رواد أحد المقاهي الشعبية بأزقة القاهرة أثناء سريان حظر التجول ({الشرق الأوسط})

مع دقات الساعة معلنة منتصف الليل بالقاهرة وبدء حظر التجول، ودخول الشوارع والميادين في عباءة الهدوء الحذر، ومشاهد قوات الأمن وهي تفتش المارة الخارقين للحظر، تبدأ حياة أخرى في الأزقة والحارات الجانبية، يشدك إليها صوت شجي يتهادى من مذياع قديم، بأغان مصرية مشربة بنكهة التراث، وروائع أم كلثوم، وعبد الوهاب، ومحمد عبد المطلب، ومحمد فوزي، وأسمهان، وفريد الأطرش.
فعلى أرصفة الشارع تراصت الكراسي التي امتلأت بالزبائن من أهالي الحي، الذين وجدوا في المقهى ملتقى تعارف جيدا فيما بينهم، وحديث مشترك غلب عليه الطابع السياسي بامتياز.
طيلة الشهر الماضي ومع بدأ حظر التجوال الذي مدته السلطات المصرية شهرين، لعبت هذه المقاهي على وتر «الحظر» وحالة «الطوارئ» من باب الونسة، ولمة الصحاب، مستغلة طبيعتها الجغرافية في التخفي عن أعين رجال الأمن، والسهر لساعات طويلة من الليل.
وهو ما أغرى زوارها لإشباع نهمهم في الفضفضة والكلام بتلقائية في الشأن السياسي، ما دفع بعض المقاهي لتعليق لافتة على مدخلها تقول: «ممنوع الحديث في السياسة» تجنبا لحدوث مشكلات قد حدثت مرارا من ذي قبل، وتحولت إلى مشاجرات عنيفة من جراء الاختلاف في وجهات النظر.
في أحد المقاهي الشهيرة بمنطقة الأزبكية بحي وسط البلد بالقاهرة جلس فتحي محمد (42) عاما يدخن نرجيلته ويتابع المارة بذهن شارد قبل أن ينفث دخانه قائلا: «أفتح المقهى يوميا على مدار الساعة، حيث يجتمع شباب الحي على المقهى بشكل يومي حتى في أوقات الحظر. فالمقهى مجاور لمنازلهم ويجدونه فرصة للتعرف على بعضهم البعض وتبادل أطراف الحديث الذي لا يخلو من السياسة غالبا. لكن أعداد الزبائن وقت الحظر تقل نسبيا عن الأوقات العادية ويكون أغلبهم من الشباب وكبار السن الذين يجلسون هنا حتى الساعات الأولى من الصباح التي ينتهي معها حظر التجول».
ويلاحظ كل من يمشي في شوارع منطقة الأزبكية الجانبية، وجود لافتات حملت رسائل سياسية واضحة تؤيد موقف الجيش والفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع، وتنبذ جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما ظهر جليا علي واجهة أحد المقاهي التي علق صاحبها لافتة تقول «ممنوع دخول الإخوان». وفي مدخل المقهى علق صورة كبيرة للفريق السيسي في إعلان واضح عن موقفه المؤيد لثورة 30 من يونيو (حزيران) الماضي.
ويقول مجدي حسين (36) عاما، أحد رواد المقهى: «في الوقت الذي أعلنت فيه المقاهي تحديها لحالة الطوارئ المفروضة من السلطات المصرية، سادت الأحاديث الجانبية التي غلب عليها الطابع السياسي دائما بين رواد تلك المقاهي، وظل الخيط المشترك فيها رفض الإخوان تعبيرا عن رأي عام شعبي تكون ضد أنصار الرئيس المعزول، وتحركاتهم الفعلية خلال المرحلة الحالية».
يقول حسن عبد الرحمن (33 عاما): «موقف خادم الحرمين لا بد أن يثني عليه كل مصري بل كل عربي، فهو يعي حقيقة التربص بالمنطقة من قبل قوى خارجية رأت في مصر مدخلها لإحلال مشروع شرق أوسطي جديد يسعى للهيمنة وتقسيم الدول العربية إلى دويلات صغيرة، فموقف المملكة العربية السعودية، كان له تأثير قوى في دعم الثورة المصرية، وكسر شوكة التآمر من قبل أميركا والغرب عليها».
وعلى بوابة أحد المقاهي قبع تمثال كبير مصنوع من البرونز يجسد كوكب الشرق أم كلثوم، ومن داخل المقهى ينبعث صوتها تتغني بأجمل أغانيها التي أثارت جوا من الطرب المصري القديم في المكان، بينما انهمك على إحدى الطاولات مجموعة من الشباب في لعبة الدومينو، قبل أن يبدأ أحدهم بالكلام ويدعي إسلام محيي قائلا: «نأتي إلى هنا بشكل شبه يومي، خصوصا في ساعات الحظر التي يكون الجو بها هادئ، حيث لا يوجد قوات للجيش أو الشرطة في الشوارع الجانبية للحي وهو ما يتيح لنا الجلوس والتعرف على جيران جدد من الحي، والتحدث في أحوال البلاد خاصة السياسية، وعادة تمتد جلستنا حتى ساعات الصباح الأولى».
وخففت السلطات المصرية من حالة الطوارئ المتمثلة في حظر التجول ليبدأ من الـ12 بعد منتصف الليل، وحتى الخامسة من صباح اليوم التالي، وذلك بعد تحسن الوضع الأمني بشكل ملحوظ في الفترة الأخير، وعلى أمل أن يساعد ذلك، في عودة حركة السياحة مرة، والتي تضرر من انقطاعها الكثير من العاملين، خصوصا في قطاع الخدمات المتصلة بها.
مما تسبب في خسائر قدرت بمليار دولار، وانخفاض في عدد السائحين، قدر خلال أغسطس (آب) الماضي بنسبة 80 في المائة بحسب وزير السياحة المصري هشام زعزوع الذي أكد في وقت سابق أنها ضريبة ثورة يونيو، وهو ما يؤكده أحمد عبد اللطيف أحد العاملين بالشركات السياحية قائلا: «حركة السياحة متوقفة في الوقت الحالي بشكل كامل، والكثير من الشركات السياحية مغلقة حتى إشعار آخر، ولكن أعتقد أن الأمن بدأ يعود نسبيا مع رفع 12 دولة أوروبية الحظر عن السياحة في مصر وهو ما نأمل أن يساعد في عودة حركة العمل بالقطاع مرة أخرى، فالسياحة يعتبر مصدر رزقنا الأساسي والوحيد».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».