إشارات إيجابية لـ«الهدنة المؤقتة» في سوريا قد تمهد لإطلاق «مفاوضات جنيف»

المعارضة ترى تبدلاً في مواقف روسيا حيال تصنيف التنظيمات الإرهابية

تلاميذ صغار لفصل دراسي، أول من أمس، في مدرسة في منطقة القابون بريف دمشق، حيث تسيطر قوات المعارضة (إ.ب.أ)
تلاميذ صغار لفصل دراسي، أول من أمس، في مدرسة في منطقة القابون بريف دمشق، حيث تسيطر قوات المعارضة (إ.ب.أ)
TT

إشارات إيجابية لـ«الهدنة المؤقتة» في سوريا قد تمهد لإطلاق «مفاوضات جنيف»

تلاميذ صغار لفصل دراسي، أول من أمس، في مدرسة في منطقة القابون بريف دمشق، حيث تسيطر قوات المعارضة (إ.ب.أ)
تلاميذ صغار لفصل دراسي، أول من أمس، في مدرسة في منطقة القابون بريف دمشق، حيث تسيطر قوات المعارضة (إ.ب.أ)

تعوّل المعارضة أكثر من أي وقت سابق على إمكانية التوصل إلى هدنة مؤقتة في سوريا انطلاقا من المعطيات السياسية والمواقف الدولية. بعد أن أعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري في العاصمة الأردنية عمان عن قرب التوصل إلى اتفاق بين الجانبين الأميركي والروسي لوقف العمليات العسكرية في سوريا.
وقال وزير الخارجية الأميركي جون كيري، أمس، إنه توصل إلى اتفاق مؤقت مع نظيره الروسي سيرغي لافروف على شروط لوقف القتال في سوريا، مشيرا إلى أن بعض القضايا لا تزال دون حل.
وأضاف في مؤتمر صحافي في عمان مع نظيره الأردني ناصر جودة: «انتهينا من صياغة بنود وقف الأعمال القتالية. وتوصلنا إلى اتفاق مؤقت من حيث المبدأ على شروط وقف للقتال يمكن أن يبدأ في الأيام المقبلة».
وتابع أنه تحدث مع لافروف، أمس، بما في ذلك محادثة في وقت سابق، وأنهما يأملان أن يتحدث الرئيس الأميركي باراك أوباما ونظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال الأيام القادمة لاستكمال الاتفاق المؤقت.
وفي موسكو أكدت وزارة الخارجية الروسية إجراء المحادثة بين الوزيرين. وقالت في بيان إن النقاش بين كيري ولافروف كان حول شروط وقف إطلاق النار باستثناء العمليات ضد المنظمات التي أعلن مجلس الأمن بالأمم المتحدة أنها إرهابية.
وإضافة إلى بعض الإجراءات الإنسانية التي أخذت طريقها نحو التنفيذ بدأت المعارضة تلمس تجاوبا في موضوع تصنيف التنظيمات الإرهابية، بعدما كان هذا الأمر موضع خلاف رئيسي بين الدول المعنية، لا سيما روسيا وأميركا، وكل ذلك قد «يشكّل أرضية جيدة لإعادة إطلاق مفاوضات جنيف - 3 ومشاركة الهيئة العليا التفاوضية فيها، مع ترجيح بتغيّر الموعد الذي كان محددا في 25 فبراير (شباط) الحالي، لأسباب لوجيستية ومرتبطة باستكمال قضايا الهدنة»، وفق ما أشار إليه المتحدث باسم الهيئة رياض نعسان آغا، وأن قرار الهيئة النهائي بشأن السير بالهدنة ومن ثم المشاركة في المفاوضات سيتخذ في اجتماعها يوم الاثنين.
في المقابل، تحدثت مصادر دبلوماسية عربية عن تلقيها تأكيدات على أن مفاوضات جنيف بين المعارضة السورية والنظام ستُستأنف في موعدها المقرر في 25 الشهر الحالي، وأشارت إلى أن الدول الكبرى تؤيد هذا الاستئناف وتستبعد تأجيله.
وقالت المصادر، التي طلبت عدم ذكر اسمها لوكالة «آكي» الإيطالية للأنباء، إن «هناك تأكيدات روسية وأميركية على أن يُستأنف مؤتمر جنيف الثالث في الموعد المحدد له»، بعد أن أعلن المبعوث الأممي لسوريا ستيفان دي ميستورا في الثالث من الشهر الحالي تعليقه إلى 25 منه، «ريثما يتم الانتهاء من التفاصيل الإجرائية».
وأوضحت المصادر أن «الأمم المتحدة ترى أن شروط المعارضة السورية للعودة للمفاوضات تتحقق جزئيًا، كإدخال المساعدات للمناطق المحاصرة»، وقالت إن الدول الكبرى «ستتفق على تجميد القتال قبل موعد استئناف المفاوضات، أو على الأقل وقف القصف الجوي للمدن لأيام ريثما يتبين مسار المفاوضات»، وفق قولها.
وفي حين أشار نعسان آغا في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى إيجابية في المواقف الروسية تدل على أنّ هناك مراجعة لموقف موسكو لجهة تصنيف التنظيمات الإرهابية، لا سيما في ما يتعلق بـ«جيش الإسلام» و«أحرار الشام»، لفت أيضًا إلى مرونة في طريقة التعامل مع «جبهة النصرة» التي كانت موسكو تتمسك استهدافها على اعتبار أنها «منظمة إرهابية» بقرار من مجلس الأمن، موضحا «وجود النصرة وتداخلها في المواقع والمناطق التي توجد فيها المعارضة، إذا استمرت موسكو باستهدافها، ما يعني فشلا في تطبيق الهدنة، وقد يؤدي إلى خطر أكبر يتمثل في مواجهة في ما بين فصائل المعارضة»، مضيفا: «لسنا مع النصرة إنما علينا أن نكون موضوعيين في النظرة لهذا الواقع».
ورأى المتحدث باسم الهيئة أن الإجراءات الإنسانية التي كانت الهيئة قد علقت مشاركتها في المفاوضات مشترطة تطبيقها قد بدأ تنفيذها بشكل جزئي، ومن المتوقع أن تجد طريقها نحو التنفيذ بشكل أوسع في الأيام المقبلة، موضحا: «إضافة إلى استكمال إرسال المساعدات وفك الحصار عن بعض المناطق، يتم البحث في إطلاق سراح المعتقلين، وهو ما يشير برأيه إلى أن المجتمع الدولي جاد هذه المرة جدية في التعامل مع القضية السورية أكثر من السابق».
ورجّح المستشار القانوني لـ«الجيش الحر» أسامة أبو زيد أن تكون هذه القضايا مرتبطة بتمسّك الروس بموقفهم لقصف «النصرة» و«داعش» معا، معتبرا في الوقت عينه أن الضغوط التي تتعرض لها روسيا اليوم قد تؤدي إلى إزالة هذه العوائق، مرجحا أن تكون الساعات القليلة المقبلة حاسمة في هذا الإطار، ليتم بعدها الحديث تفصيليا عن خطوات الهدنة وموعد بدئها.
وقال أبو زيد في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «خلال اللقاء الذي جمع منسق الهيئة العليا التفاوضية رياض حجاب مع ممثلي فصائل (الجيش الحر) و(أحرار الشام) و(جيش الإسلام)، وكنت حاضرا فيه قبل يومين، أكدنا خلاله على أن موافقتنا على الهدنة مرتبطة، إضافة إلى الإجراءات الإنسانية، بوقف القصف الروسي على كل المناطق باستثناء تلك التي يوجد فيها (داعش)». وأوضح: «شرطنا هذا ليس دفاعا عن (النصرة) إنما قطع الطريق أمام موسكو التي قد تستفيد من تداخل مواقع النصرة مع فصائل المعارضة وتستمر في قصفها العشوائي، كما فعلت ولا تزال منذ بدء عملياتها العسكرية تحت عنوان محاربة (داعش)، لا سيما أن مناطق التنظيم واضحة ومعروفة».
وكان رئيس النظام السوري بشار الأسد قال مساء السبت إنه «مستعد لوقف إطلاق النار لإنهاء الحرب بشرط ألا يستغل الإرهابيون وقف القتال لصالحهم وأن توقف الدول التي تساند مقاتلي المعارضة دعمها لهم»، وهو الأمر الذي رأي فيه نعسان آغا «أنه من السابق الحديث عنه»، مشددا على أن «ما يتم العمل عليه الآن هو هدنة مؤقتة وليس وقفا لإطلاق النار الذي سيحتاج عند تطبيقه إلى إعادة ترتيب الخرائط»، وفق قوله.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.