أسبوع لندن لخريف وشتاء 2016 يتحدى البرد وضبابية الأحوال الاقتصادية بالألوان المتوهجة

مصمموه ينسجون قصصًا وقصات مثيرة لشد الانتباه

من عرض رايان لو (رويترز)
من عرض رايان لو (رويترز)
TT

أسبوع لندن لخريف وشتاء 2016 يتحدى البرد وضبابية الأحوال الاقتصادية بالألوان المتوهجة

من عرض رايان لو (رويترز)
من عرض رايان لو (رويترز)

قد يكون عالم الموضة يعاني من تبعات الأزمة الاقتصادية، لكن هذه المعاناة لم تؤثر على الألوان التي اقترحها مصممو لندن لخريف وشتاء 2016. فهي متوهجة تتغنى بألوان الطبيعة المتفتحة وكأنهم يريدون من خلالها التصدي والتحدي لكل ما يمكن أن ينغص علينا الحياة أو يُشعرنا بالاكتئاب، لعلمهم أن الإصابة بالاكتئاب تسد النفس عن كل شيء بما في ذلك الشراء. لهذا لا يريد أي منهم أن نتعرض لهذه الحالة بأي شكل من الأشكال. من جاسبر كونران الذي قدم تشكيلة برهن فيها أنه لا يعلى على التفصيل البريطاني، مضيفا جرعات قوية من الألوان أخذتنا في رحلة ممتعة إلى أماكن لا تغيب عنها الشمس، لكن تتخللها زخات من المطر بين الفينة والأخرى ما يجعل المرأة تحتاج إلى خزانة متكاملة، تحملها من النهار إلى المساء وتخدمها في الشتاء والصيف على حد سواء. هذا التنوع وإلغاء الفصول، يشير إلى قوة الرسالة التي أرسلها كريستوفر بايلي، مصمم دار «بيربري» مؤخرا، وقال فيها إنه ألغى التقليد المتبع منذ عقود من الزمن، بتلخيصه عروض الدار من أربعة إلى اثنين فقط، مبررا ذلك بأن زبون اليوم عالمي يحتاج إلى أزياء لا تعترف بمكان أو زمان، ويريدها الآن بدل الانتظار ستة أشهر حتى تصل إلى المحلات.
هدفه لم يكن إلغاء الفصول فحسب بل أيضا أي وساطة بين المصمم وبين الزبون، وهو ما سيؤثر على الموضة ويغير وجهها بشكل كبير. الرئيس التنفيذي لمنظمة الموضة البريطانية، كارولين راش، علقت على الأمر قائلة لـ«رويترز» بأن كثيرا من الشركات تفكر جديا في الأمر و«بأي شكل يمكنها أن تضع الزبون على قائمة أولوياتها» لأنه في الأخير هو الذي يتوجهون إليه ويبرر وجودهم واستمراريتهم. الطريقة التي تقترحها «بيربري» وكل من حذا حذوها، تتمثل في تقديم كل ما يريده هذا الزبون بطريقة بسيطة ومباشرة. أي يمكنه التوجه بعد العرض إلى المحلات أو مواقع التسوق الإلكتروني، لشرائها بدل انتظاره لها ستة أشهر، قد تُنسيه ما شاهده وأعجب به لأنه رأى غيرها. وتضيف كارولين راش أيضا «كل الأصداء التي تخلفها عروض الأزياء، والإثارة التي نشهدها خلال الأسبوع، هي من أجل الوصول إلى هذا الزبون وخلق علاقة ودية معه». ما تقصده أن هذه العروض تكلف كثيرًا لخلق صدى وإثارة الهدف ومن ذلك بيع المنتجات، بيد أن وظيفة هذه العروض تنتفي حين لا تحقق هذا الهدف الذي يسببه النسيان، خصوصا بالنسبة للمصممين الشباب الذي يقدمون عروضا عادية لا ترسخ في الأذهان طويلا. وهذا يعني أن عليهم أن يضربوا الحديد وهو ساخن، بتوفير منتجاتهم في السوق مباشرة بعض العرض.
قد لا يكون جاسبر كونران قد وصل إلى هذه المرحلة، كما أنه لا يعاني من كثرة العروض بحكم أنه يقدم عرضين في السنة من الأساس، لكن ما قدمه حتما يصب في الفكرة نفسها، إذ إن التصاميم تناسب كل الأجواء، بدءا من المعاطف المفصلة عند الأكتاف لتتسع عند الصدر والخصر، أو الفساتين المستقيمة الطويلة ذات الفتحات العالية، التي واضح أن الغرض منها ليس كشف مفاتن الجسم، بقدر ما هو عملي ووظيفي يتيح للمرأة حرية المشي بخطوات معقولة بدل خطوات فتيات الغيشا. قدم أيضا قطعا منفصلة يمكن أن تأخذ المرأة من المكتب إلى دعوة رسمية بسهولة، نظرا لألوانها الهادئة مثل الأخضر الزيتوني أو التوتي الغامق وتطريزاتها المتوازنة على الصدر.
في اليوم الذي سبق، قدمت التوأم، دانييلا وأنيت فيلدر، مؤسستا ماركة «فيلدر فيلدر» تشكيلة لا تقل مرحا وصخبا، لكن بلغة مختلفة نوعا ما. فهي بلغة الروك آند روك مع شقاوة بنات، وهو ما تجلى في فساتين بتنورات مستديرة بأطوال قصيرة وألوان معدنية وتطريزات غنية، تعطي الانطباع بأنها تستهدف زبونات روسيا وثريات أوروبا الشرقية تحديدا. ما يشفع لها أنها تحمل بين طياتها أيضا رسالة تشجع على إعادة التدوير لحماية البيئة. صحيح أنها رسالة ليست قوية لكنها حاضرة في استعمالهما البلاستيك كأساس لكثير من الأجزاء المطرزة، فضلا عن مجموعة من الأسطوانات الموسيقية الدائرية باللون الفضي، شكلت أيضا نوعا من الزخرفة إلى جانب الترتر والخرز، وهو ما أضفى على التشكيلة إثارة حسية وروحا «سبور» في الوقت ذاته.
في اليوم نفسه وفي أحضان كنيسة بالقرب من منطقة «هولبورن» قدم المصمم التركي الأصل بورا أكسو، تشكيلة قال إنها مستوحاة من الدوقة الروسية أولغا، أصغر بنات القيصر ألكسندر الثالث، التي انتقلت من رفاهية العيش في البلاطات والقصور إلى العيش في المنفى في مزرعة بالدنمارك بعد الثورة. هذه القصة ترجمها المصمم في تصاميم تتراوح بين الرومانسية والإثنية، وبالتالي فهي غنية بالأشرطة والتطريزات التقليدية وفساتين بأطوال متنوعة، بعضها تمسح الأرض، فضلا عن الألوان الغنية. قصة أولغا أطلقت أيضا خيال المصمم لكي يُسهب في استعمال أقمشة تتباين بين صوف الخرفان، والأورغنزا لخلق كشاكش، والبلاستيك في معاطف واقية من المطر. هذه الازدواجية أضافت كثيرا من الإثارة على التصاميم والعرض، وجمعت بين ما هو مرفه وبين ما هو عملي بشكل ذكي، لأنه نسج منهما قصة رحلة الدوقة من رخاء القصور إلى قساوة المزارع بأناقة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».