مطاعم ومتاجر ومقاه وشوارع «تحكي عربي» في برلين

سياسة «الباب المفتوح» للمهاجرين تصطدم بين مرحب ورافض وغير مبال

واجهة محل «بابل» في برلين ({الشرق الأوسط})
واجهة محل «بابل» في برلين ({الشرق الأوسط})
TT

مطاعم ومتاجر ومقاه وشوارع «تحكي عربي» في برلين

واجهة محل «بابل» في برلين ({الشرق الأوسط})
واجهة محل «بابل» في برلين ({الشرق الأوسط})

مطعم العجمي، مقهى يعقوب، فروج المدينة، حلويات اليمناء، وغيرها من محال تجارية وبقالات ومقاه عربية انتشرت في أكثر من حي من أحياء العاصمة الألمانية برلين لدرجة أن أصبحت محطات رئيسية وشوارع مثل صونن الي Sonnenallee ورات هاوس نويكولن Rathaus Neuklin وكارل ماركس Karl marx Strass تعرف بشوارع العرب، حيث اللغة عربية والذوق عربي والهموم عربية، هذا فيما أهل برلين نفسها ما بين مرحب متفهم أو رافض متوجس أو غير مبال طالما لم يلحقه ضرر شخصي.
وبينما عارضت أحزاب ألمانية وحكومات أوروبية الحكومة الألمانية بسبب سياسة «الباب المفتوح» التي انتهجتها المستشارة أنجيلا ميركل التي كانت قد رحبت بالاحتماء بألمانيا لدرجة أن أطلقوا عليها لقب «ماما ميركل»، مما اضطر الحكومة الألمانية لإغلاق حدودها للحد من فيضانات اللاجئين، سواء القادمة إليها عبر النمسا أو العابرة منها إلى الدنمارك فالسويد، إلا أن الحكومة الألمانية ما تزال من جهة أخرى تنظر في طلبات تفوق المليون لمن وصلوها العام الماضي وبصموا عندها طالبين اللجوء، وما يزالون ينتظرون القرار النهائي.
خلال جولة لـ«الشرق الأوسط» في شوارع برلين كان من اللافت للنظر وبشدة اختلاف أوضاع من وصلوها من سوريين وعراقيين ناهيك عن جنسيات عربية أخرى كالجزائريين والمغاربة. وكان وزير الداخلية الألماني، توماس دي مايتسزييريه، قد أبدى فخره في تصريح إعلامي أخير، بترحيب بلاده باللاجئين السوريين ممن فروا من الحرب ببلادهم، محذرا من عدم اتباع سياسة لجوء وفقا لقواعد محددة حتى لا ينعكس الحال سلبا ويتبدل الوضع نحو قضايا ودعاوى قانونية ضد اللاجئين.
بدوره كان وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، قد أكد أن اتفاقية إعادة القبول (قبول تركيا لإعادة اللاجئين ممن عبروها إلى أوروبا) لا تنطبق على السوريين الذين تركوا بلادهم حفاظا على أرواحهم وإنما على المهاجرين لأسباب اقتصادية.
وكما بدا واضحا فإن اللاجئين عموما بما في ذلك السوريون ممن نعموا بالأمن وحتى من حظوا بتسريع معاملاتهم وتوفر لهم السكن المريح والمساعدات المالية، ما تزال تعتريهم حالات قلق بسبب ما عانوه من ويلات الحرب وهول الرحلة الشاقة إلى أوروبا بجانب تنامي ضغوط حزن دفين بسبب الأوضاع في سوريا التي لا يتوقعون لها حلا قريبا، والأسوأ بطء إجراءات لم الشمل، هذا إذا التأم الشمل في ظل التغيرات المستحدثة.
هذا بجانب ثقل النقلة الثقافية الكبيرة من مجتمع عربي مسلم إلى مجتمع غربي ليبرالي. ناهيك عن الحال المزري لمن لا يزالون يسكنون في المعسكرات المزدحمة الباردة.
من جانبهم، وفي خطوة فجائية حسمت مجموعات من العراقيين أمرها وقررت العودة من حيث أتت، مستعينين بالسفارة العراقية لاستصدار وثائق سفر مؤقتة، مستفيدين من عروض تقدمها الخطوط العراقية، مؤكدين أن الحال ليس كما توقعوا وأن الأوضاع صعبة والإجراءات بطيئة والانتظار طويل، كل ذلك بالإضافة لعدم اليقين في ظل التغيير الملموس في سياسة الحكومة الألمانية التي بعد الترحيب أخذت تصرح بإجراءات قد تنتهي بالطرد. في هذا السياق، وفي معرض رد على سؤال لـ«الشرق الأوسط» على المواطن العراقي علي القاسم، 29 عاما، الذي التقيناه وهو يشتري ما وصفه بـ«هدايا بسيطة» لطفلتيه وزوجته التي تنتظر عودته للعراق خلال يومين قال «الإجراءات بطيئة بل ميتة تماما، ما في.. ما في شي».
موضحا أنه اختار ألمانيا بعد «ترحيب ميركل» في رحلة رأى فيها الموت غرقا ودفع فيها ما يزيد على 7 ألف دولار على أمل أن يعوضها بالعمل في بلد مستقر اقتصاده الأقوى أوروبيا، وأن ينعم بلم شمل أسرته لمستقبل أكثر أمانا، إلا أنه وحتى اللحظة ومنذ أغسطس (آب) الماضي، لم يحظ بغير تسجيله رسميا بعد البصمة، وما زال محبطا مقيما في معسكر بارد ومكتظ أعد على عجل بملعب كرة معسكر كل خدماته تؤكد أنه أقيم على أساس مؤقت، مضيفا: «ملزمون بالبقاء في المعسكرات وإلا رفضت طلباتنا»، مواصلا «الإقامة في المعسكرات طردت العراقيين، الذين ورغم الأمان فإن ما يعيشونه من انتظار لا يبشر بأمل وضياع للعمر»، وأضاف قائلا: «واضح أن السلطات الألمانية تعتبر العراقيين في مرتبة ثانية بعد السوريين، أما الجزائريون والمغاربة والتوانسة فقد تم تصنيف دولهم رسميا كدول آمنة عليها استعادة مواطنيها». أمام متجر اتصالات مزدحم بمنطقة افريكانش اشتراسا سألت «الشرق الأوسط» مجموعة من الشباب عما يشاهدون، وكانوا متجمعين حول إعلان يقول باللغة العربية «شاهد أكثر من 7000 قناة عربية وأجنبية عبر الإنترنت من دون اشتراك شهري أو سنوي».
معظم من شارك في الإجابة قالوا إنهم عدا ملاحقة «السوسيال» وهي الجهة المسؤولة عن الترتيبات الاجتماعية وصرف الإعانات، لا يقومون بأي عمل سوى مشغوليات بسيطة كالتسوق ومجاملات والاتصال بالأهل عبر النت ثم استخدامه للمشاهدة بما في ذلك قنوات لا يتكلمون لغتها.
مؤكدين أن ساعات اليوم بالذات لمن يسكنون المعسكرات طويلة ومملة، خاصة أن معظمهم لم تتوفر لهم بعد فرص الانضمام لفصول تعلم اللغة كما يصعب عليهم الحصول على عمل حتى ولو مؤقت أو «أسود» والشغل بالأسود يعني بطرق غير قانونية معلنة للدولة.
إلى ذلك، ورغم الضيق الذي يعيشه معظم المنتظرين إلا أن أحوال من ترتبت أمورهم سيما الأسر فإنها تسير للأحسن كما حكت لـ«الشرق الأوسط» السورية اعتدال، وهي أم لأربعة أطفال تم منحهم سكن منفرد وبطاقات للعلاج ويصرف لكل طفل من أطفالها شهريا مبلغ 250 يورو، ولها ولزوجها مبلغ 350 كما ألحق طفلاها الكبيران بمدرسة رسمية، بالإضافة لما يستمتعون به من أمن تام، موضحة أنهم غادروا سوريا والحرب فوق رؤوسهم، والكهرباء مقطوعة أكثر من 16 ساعة في اليوم. مضيفة «تركنا الشام بحثا عن الأمان ولتعليم الأطفال، والحمد لله شو بدنا اكتر من ذلك».
من جانبه لم ينقطع مواطن فلسطيني الأصل ألماني الجنسية، وصل برلين قبل 30 عاما، في حديثه مع »الشرق الأوسط» عن التأكيد على «نظرية المؤامرة»، مؤمنا أن الأوروبيين عموما بمن في ذلك الألمان لا تهمهم الفئات العمرية الكبيرة ممن وصلوهم لاجئين أو مهجرين، وإنما يراهنون على الفئات العمرية الأصغر ومن سوف يولدون بأوروبا ممن سيلتحقون بالرياض فالمدارس ليشبوا وقد اندمجوا بل ذابوا في أوروبا العجوز وبالتالي يعملون على بنائها، مضيفا أن إسرائيل هي «السعيد الوحيد» لما يدور في سوريا التي أمست مشغولة بحروبها، مشددا أن ما يجري من «تفريغ» للمنطقة سوف يؤدي للذوبان في أوروبا «الناس حتدوب هون لإبعادهم عن إسرائيل».
ولم يزل الختيار الفلسطيني يتحدث عن نظرية المؤامرة أثناء لقائنا داخل متجر أنيق لصائغ شرح لـ«الشرق الأوسط» كيف أن من وصل من اللاجئين ومعه «مصاري» يرغب في شراء الذهب كاستثمار آمن ومضمون خاصة النساء عملا بحكمة «ألبسها برقبتي حتى لا تضيع»، شارحا كيف جاءهم لاجئون ومعهم آلاف الدولارات الملحومة ببعضها بسبب مياه البحر. بالإضافة للمعروضات الذهبية جذبنا للمحل إعلانه عن تنظيم أفراح وحفلات وزفات العرسان! وبسؤاله أشار إلى أن المهاجرين وكذلك اللاجئين يتزوجون بطبيعة الحياة التي لا بد أن تستمر حتى في أحلك الظروف وبلاد الغربة، مضيفا: «لقد شجع وصول شابات مهاجرات شبابا عربا آخرين ممن وصلوا معهم أو وصلوا سنوات قبلهم على الزواج».
من جانب آخر أشار الصائغ الذي وصل ألمانيا قبل 20 عاما إلى أن «البزنس» عموما قد ازدهر بعد فيضانات الهجرة السورية الأخيرة، مشيرا إلى أن الفلسطينيين قبل 5 سنوات كانت لهم الأولوية بألمانيا ثم جاء السوريون فزاد الإقبال على الشراء وإن من جهة أخرى أثر كبر عدد المهاجرين على سرعة المعاملات الحكومية فأصبحت أكثر ازدحاما وأقل سرعة، كما ارتفعت الأسعار سيما أسعار العقارات (قبل يومين فقط اضطرت أسرة لدفع مبلغ 4 آلاف يورو لسمسار حتى يبحث لها عن شقة). مضيفا «الأسوأ أن الفوضى الضاربة بأطنابها شجعت بعض الألمان أنفسهم على الجشع إذ اقتسم صاحب الملك المبلغ مع السمسار».!
وبالطبع لم يغفل المتحدثون الإشارة للأحداث المسيئة التي شهدتها مدينة كولونيا ليلة الاحتفالات بالعام الجديد، وطالت الاتهامات فيها لاجئين بالتحرش بنساء والاعتداء عليهن وسرقتهن.
من جانبهم عزا زملاء ألمان نصيحة الشرطة لنا بالابتعاد لتأزم الأوضاع بسبب تطرف أعضاء هذه المنظمة، مشيرين لارتفاع نسبة الهجوم على مراكز إيواء لاجئين بألمانيا، مذكرين في ذات الوقت بما تفعله الحكومة الألمانية بالمقارنة مع حكومات أخرى وبالجهد غير الرسمي التطوعي وباستضافة أسر وشباب ألماني للكثير من اللاجئين بمنازلهم ونقلهم من المعسكرات، بل عمل البعض على تقديم كل ما بإمكانه من مساعدات بما في ذلك تنظيم حصص لغة ودروس لفهم العقلية الألمانية، وما يصح وما لا يصح اجتماعيا خشية تضارب الثقافات، مضيفين: «ليس فرضا لوصاية أو لكون أن اللاجئين من الأحراش»، مشيدين بالخطوة الأخيرة التي اتخذها البرلمان الألماني (البوندستاغ) بإضافة اللغة العربية لصفحته الإلكترونية.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».