متحف وسط لندن يكرم نجمي الباروك.. والروك على مدار 200 عام

«هاندل» و«هندريكس» جاران يفصل بينهما جدار وتجمعهما الموسيقى

غرفة نوم العازف الشهير هندريكس يفصلها جدار عن الطابق العلوي لمنزل هاندل (جيمس حنا) و هندريكس ألف الموسيقى في المبنى خلال الستينات  بعد 200 عام على تأليف هاندل مقطوعات الأوبرا في المكان ذاته (جيمس حنا)
غرفة نوم العازف الشهير هندريكس يفصلها جدار عن الطابق العلوي لمنزل هاندل (جيمس حنا) و هندريكس ألف الموسيقى في المبنى خلال الستينات بعد 200 عام على تأليف هاندل مقطوعات الأوبرا في المكان ذاته (جيمس حنا)
TT

متحف وسط لندن يكرم نجمي الباروك.. والروك على مدار 200 عام

غرفة نوم العازف الشهير هندريكس يفصلها جدار عن الطابق العلوي لمنزل هاندل (جيمس حنا) و هندريكس ألف الموسيقى في المبنى خلال الستينات  بعد 200 عام على تأليف هاندل مقطوعات الأوبرا في المكان ذاته (جيمس حنا)
غرفة نوم العازف الشهير هندريكس يفصلها جدار عن الطابق العلوي لمنزل هاندل (جيمس حنا) و هندريكس ألف الموسيقى في المبنى خلال الستينات بعد 200 عام على تأليف هاندل مقطوعات الأوبرا في المكان ذاته (جيمس حنا)

وسط العاصمة البريطانية لندن، ووراء محطة «بوند ستريت» بمنطقة التسوق الشهيرة، يقبع منزل حميمي كان يوما مسكن الموسيقار الألماني الشهير فريدريك هاندل. واختار عازف غيتار الروك الراحل جيمي هندريكس أن تكون شقته اللندنية في ذات البناية. 200 عام مضت ما بين حقبة الباروك الكلاسيكية والروك المعاصر، ولكنّ جدارا واحدا كان هو الفاصل بين النجمين اللذين أنتجا إرثا موسيقيا في المنزل ذاته في لندن.
إلى ذلك، جرى ضم منزل النجمين؛ الموسيقار الألماني الباروكي جورج فريدريك هاندل، وعازف غيتار الروك جيمي هندريكس، ليشكل البيتان متحفا. وافتتح المتحف الجديد في 10 فبراير (شباط) الحالي بعد عمليات ترميم استغرقت عامين بتكلفة 2.4 مليون جنيه إسترليني. وحتى وقت قريب كان الموظفون بمنزل هاندل هاوس، الكائن في 25 شارع بروك وسط العاصمة البريطانية لندن، يستخدمون غرفة نوم الملحن الراحل كمكتب، غير أنه تقرر ترميم المنزل بمساعدة صديقه العازف الراحل كاثي إتشنغهام، وكذلك ترميم الصور القديمة للعازف، الذي «أجرى أغلب مقابلاته الشخصية في سريره»، وفق مايكل ألاند، مدير متحف هاندل وهندريكس. وتشمل عملية الترميم غيتار أيبيفون، ومجموعة التسجيلات الخاصة بهندريكس، وألعابه المفضلة (تويستر جيمس).
ومن المقرر كذلك أن يخصص مكان آخر للعرض والاستوديو الذي شهد تسجيل معزوفاته الفنية خلال فترة الستينات كي تظهر المنافسة بينها وبين موسيقي الثلاثينات من القرن الثامن عشر التي مثلها جاره الملحن الذي سبقه بقرنين من الزمان. تحمّل صندوق التراث العالمي نصف الكلفة، في حين جرى توفير النصف الثاني من خلال التبرعات، وتذاكر دخول المتحف وكذلك من مدخرات المتحف السابقة.
انتقل هاندل إلى بيته بشارع بروك (رقم 25 حاليا) في صيف عام 1723 بعد قرار المحكمة تعيينه في مجلس الكنيسة في نفس العام. كان هاندل أول من سكن البيت المكون من أربعة طوابق. وكأجنبي، لم يستطع هاندل تملك العقار أو حتى إيجاره لفترة طويلة. وبعد حصوله على الجنسية البريطانية عام 1727، قرر هاندل البقاء في شارع بروك بعد أن جدد عقد الإيجار قصير الأجل. وفي عام 1972، كان مبلغ الإيجار السنوي لشقته بشارع بروك 50 جنيها إسترليني.
كان الطابق الأول من المنزل مخصصا لاستقبال الضيوف ولغرف التسلية؛ الحجرة الأولى، الأوسع في البيت، احتضنت أحد أكبر مقتنيات هاندل وهو بيانو قيثاري، إضافة إلى قطعة أثاث أخرى. ويعتقد أن الغرفة المجاورة كانت غرفة التلحين الرئيسية. وفى الطابق الثاني توجد غرفة النوم في المقدمة، وغرفة الملابس في الخلف، وكان الطابق الأعلى مخصصا لنوم الخدم (بلغ عددهم ثلاثة حتى نهاية حياته). ومع اقتراب موته، كان بحوزة هاندل مجموعة كبيرة من التحف، كما هو موضح في كتالوج البيع الذي جرى إعداده عام 1760، الذي شمل أكثر من 80 لوحة فنية، أغلبها زيتية، وبعضها مطبوع.
كان هاندل يدير جزءا من عملية بيع التذاكر من خلال بيته، فمثلا، كان بمقدور المشتركين شراء تذاكر حفلاته من منزله بشارع بروك، أو من خلال دار الأوبرا بالمدنية، وكان يتعامل مع مشتري التذاكر من خلال الطابق الأول بمنزله. وكانت المهنة الأساسية لهاندل في ذلك البيت هي التلحين، وبالإضافة لذلك، بدءا من عام 1730، كان هاندل يتدرب في بيته، ربما بسبب عدم وجود مكان كاف في صالة العرض بمسرح كوفينت غاردن، التي شارك فيها شركة للتمثيل. ولأن الغرفة الكبرى في الطابق الأول كانت الأكبر في المنزل، فمن المؤكد أن كل البروفات والتمارين جرت في تلك الغرفة.
وفي السنوات العشر الأخيرة من حياته، عانى هاندل من تدهور في بصره حتى أصيب بالعمى التام عام 1754. وقبل موته جرى إلحاق سرير إلى جوار غرفة نومه كانت تستخدم ربما لمبيت خادمه الخاص، حيث تطلبت حالة هاندل في هذا الوقت خدمة دائمة. توفي هاندل في بيته في شارع بروك في 14 أبريل (نيسان) 1759.
كانت صديقة العازف كاثي إتشنغهام اشترت الشقة المذكورة الكائنة في 23 شارع بروك من خلال إعلان نشرته في إحدى الصحف المسائية في لندن في يونيو (حزيران) 1968، بينما كان صديقها جيمي في رحلة إلى نيويورك. عاد صديقها إلى لندن في يوليو (تموز) من نفس العام ثم سافر إلى الولايات المتحدة في رحلة طويلة مجددا في نفس الشهر. قضى جيمي بعض الوقت في تنفيذ ديكورات الشقة حسب ذوقه الخاص وعلق نوافذها الستائر ووضع بها بعض الوسائد التي ابتاعها من متجر جون لويز المجاورة لبيته الجديد، وزين الشقة بتحف اشتراها من سوق بورتوبيلو رود ماركت وغيرها من المتاجر، وقال لصديقته إن هذا المكان الجديد هو «أول بيت حقيقي خاص به».
عاد جيمي إلى شارع بروك في يناير (كانون الثاني) 1969، وشرع فورا في إجراء سلسلة كبيرة من اللقاءات مع مختلف وسائل الإعلام والتقط صورا داخل شقته. في 4 يناير من نفس العام، قدم عرضه الفني الشهير «من أجل لولو» الذي أذيع على قناة «بي بي سي»، وأقام حفلين موسيقيين في قاعة ألبرت هول الملكية في شهر فبراير. في شهر مارس (آذار)، عاد جيمي مجددا إلى نيويورك، ورغم بقاء صديقته كاثي في الشقة بشارع بروك، لم يعد جيمي للإقامة بشقته مرة أخرى.
وعلى مر السنين، استمرت الشقة تستخدم كمكتب إلى أن تحولت ملكيتها إلى كيان يحمل اسم «هاندل هاوس تراست» عام 2000. وكان الهدف في ذلك الوقت هو ترميم شقة هندريكس بالإضافة إلى بيت هاندل المجاور والكائن في 25 بروك، بيد أن ذلك لم يتحقق حينها. وبدلا من ذلك أصبح المكان مكتبا إداريا لمتحف هاندل هاوس. وخلال الفترة من 2006 حتى 2013، جرى فتح الغرف لزيارة الجمهور مرة واحدة أسبوعيا. وفي عام 2010، جرى فتح البيتين للجمهور تحت اسم هندريكس في لندن لمدة 12 يوما. وفي عام 2014، تسلم صندوق التراث متحف هاندل هاوس تراست ليتولى ترميم شقة هندريكس، وافتتاح استوديو بداخل الشقة، وتطوير مكان استقبال الزوار. وبالفعل جرى افتتاح الشقة للزوار في 10 فبراير 2016.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».